المخدرات تفتك بشباب الموصل بدعم من «فصائل طهران»

إيران تستخدم العراق سوقاً ومعبراً لها

سوق شعبية في الموصل مركز محافظة نينوى شمال العراق (أ.ف.ب)
سوق شعبية في الموصل مركز محافظة نينوى شمال العراق (أ.ف.ب)
TT

المخدرات تفتك بشباب الموصل بدعم من «فصائل طهران»

سوق شعبية في الموصل مركز محافظة نينوى شمال العراق (أ.ف.ب)
سوق شعبية في الموصل مركز محافظة نينوى شمال العراق (أ.ف.ب)

«كل شيء في هذه المدينة انتهى... لم يبقَ ما يستدعي بقاءنا فيها بعد ما سُميت عملية تحريرنا من (داعش)... فقدنا كل شيء بعد أن أصبح حامي المدينة حراميها يستبيح كل شيء حتى الاتجار بالمخدرات ونشرها بين الأهالي»، عبارات قالها بشار وهو يتلفت يميناً ويساراً خوفاً من المراقبة، رغم هروبه من محافظة نينوى بأكملها.
بشار (وهو اسم مستعار خوفاً من الملاحقة) شاب في الثلاثين من عمره منتمٍ لأحد الفصائل المسلحة في منطقة سهل نينوى، ترك عمله وغادر المحافظة بعد أن اكتشف تورط فصيله في تجارة المخدرات القادمة من إيران والتي تدخل إلى الموصل عبر منطقة سهل نينوى. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم أتوقع أن يصل الانحدار الأخلاقي لهذا المستوى... الاتجار والترويج للمخدرات بين شباب المدينة ممّن يدّعون أنهم قدّموا التضحيات لحماية أرواح الناس وأعراضهم من تنظيم (داعش)». وتابع متنهداً: «بالصدفة اكتشفت تورطهم عندما كنت في إحدى نقاط التفتيش بمنطقة قرقوش في سهل نينوى، وشاهدت بعيني السيارات المحملة بمادة الكريستال المخدرة تدخل من نقطة التفتيش بتسهيل من قائد نقطة التفتيش الذي هو قيادي في الفصيل».
ويشير تقرير للأمم المتحدة نُشر مؤخراً إلى أن ثلاثة أشخاص من بين كل عشرة تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة في العراق يدمنون المخدرات. وأكد التقرير أن واحداً من بين كل ثلاثة منتسبين في القوات الأمنية يتعاطى مادة مخدرة. ويُرجع التقرير أسباب انتشار هذه الظاهرة إلى قلة الرقابة والمتابعة وتورط شخصيات متنفذة في الدولة بدعم تجار المخدرات وتقديم التسهيلات لهم. وخلص التقرير إلى أن السنوات العشر القادمة ستفتك بالشباب العراقي في حال بقي الوضع على ما هو عليه.
ولا توجد إحصائية رسمية لكميات المخدرات التي تدخل العراق عبر دول الجوار حسب مسؤول الإعلام في المديرية العامة لمكافحة المخدرات في العراق العميد الدكتور زياد محارب القيسي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «كميات المخدرات والمؤثرات العقلية التي تم ضبطها من العناصر الأمنية خلال سنة ونصف من تاريخ 1-1-2020 حتى 1-6-2021 تقدّر بـ628 كيلوغراماً من المخدرات (هيروين، وكوكائين، وحشيش، وكريستال، و17 مليون حبة مخدرة من المؤثرات العقلية)، وتم إلقاء القبض على 11061 شخصاً بتهمة المخدرات منهم 4750 متاجراً والباقي متعاطون ومروجون».
القيسي أكد أن «انتشار المخدرات في الموصل يعد ضعيفاً نسبياً مقارنةً بباقي مناطق العراق، إلا أن انتشار المؤثرات العقلية (الحبوب المخدرة) منها الكبتاكون يروّج في الموصل بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة»، مبيناً أن «المؤثرات العقلية تدخل إلى الموصل بطريقتين: الأولى رسمية حيث تدخل كعلاج، والطريقة الأخرى من خلال التهريب الذي يقوم به تجار متخصصون».
وقال قاضي متخصص في قضايا المخدرات لـ«الشرق الأوسط» إن «كمية المخدرات والمؤثرات العقلية التي يتم ضبطها تعد جزءاً طفيفاً جداً من الكميات التي تدخل العراق عبر الحدود». القاضي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أضاف: «اللافت للنظر تزايد نسبة التعاطي من النساء».
- سهل نينوى معبراً للمخدرات
أكثر من 300 تاجر مخدرات يديرون تجارة وترويج المخدرات في الموصل، بدعم من عناصر متنفذة في فصائل الحشد لشعبي، حسب مصادر مطلعة في المدينة، أكدوا أن «المخدرات من نوع (كريستال، والحشيش، والأفيون) تدخل إلى الموصل عبر الحدود العراقية الإيرانية في محافظة ديالى مروراً بمنطقة سهل نينوى بتسهيل من فصائل الحشد الشعبي المتمركزة في المنطقة، ليتم ترويج جزء منها في المدينة وعبور الباقي إلى سوريا ومناطق الخليج».
وهذا ما أكده بشار قائلاً: «كنت في فترة خفارة ليلية بنقطة التفتيش الواقع بين نمرود وقرقوش والتي تخضع لمناطق نفوذ فصيلنا، عندما وصل رتل مكون من سبع سيارات حمل نوع كيا، فاستوقفتهم للاستفسار عن وجهتهم وحمولة سياراتهم وفتحت الخيام التي كانت تغطيها لأكتشف فيها أكياساً محملة بمادة بيضاء تشبه السكر، وفي هذه الأثناء خرج قائد السيطرة وهو قيادي في الفصيل وأمرني بالابتعاد عن المكان والذهاب للنوم، بعد أن أمر عنصراً آخر من الفصيل بأخذ مكاني ليتولى هو الحوار مع من كان في السيارات».
بشار أكد أنه في اليوم الثاني استفسر من زميله الذي أخذ مكانه في الخفارة عن سبب ما حدث تلك اللية فقال له: «ألا تعرف أنه موعد عبور شحنات الكريستال التابعة للفصيل»، مؤكداً له أنها «من أهم مصادر تمويل الفصيل»، مضيفاً: «نحن جميعاً نستفيد منها، الخير يعمّ على الجميع كلٌّ حسب رتبته».
وهذا ما أكده أحد عناصر القوات الأمنية لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «الأجهزة الأمنية لديها معلومات مفصلة عن كيفية دخول المخدرات إلى نينوى ومَن هو المتورط فيها، ولكننا لا نستطيع فعل شيء أمام قوة ونفوذ الفصائل، وكل فصيل لديه مناطق نفوذه يستخدمها في إدخال المخدرات والسلاح وكل ما هو غير مشروع دون أن يتمكن أي من الأجهزة الأمنية من الاقتراب من هذه المناطق خصوصاً المناطق التي تربط بين نينوى وكركوك».
وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة، أن «صراع الهيمنة على هذه المناطق بين الفصائل وقوات الجيش والأجهزة الأمنية هدفه الرئيسي تأمين طريق دخول وترويج المخدرات وكل ما هو ممنوع»، مبيناً أن «ضابطاً برتبة ملازم أول في أحد الأجهزة الأمنية كشف في إحدى النقاط المشتركة التي تربط بين مناطق القيارة وسنجار عبور كميات كبيرة من المخدرات واستوقفها رغم اعتراضات عناصر الحشد الموجودين فيها، فقام قائد فصيل الحشد بتهديده بشكل مباشر، وبالفعل بعد أقل من أسبوع تم اعتقال هذا الضابط بتهمة الانتماء لتنظيم (داعش) ولا نعرف ما حلّ به بعد ذلك».
خالد فيصل، 41 عاماً، عمل سابقاً عنصر أمن في أحد المعابر الحدودية الإيرانية – العراقية، قال لـ«الشرق الأوسط» من برلين عبر اتصال هاتفي، إن «المعابر الحدودية العراقية - الإيرانية تدخل منها بشكل مستمر أطنان من المواد المخدرة بمختلف أنواعها (كريستال وحشيش وأفيون) إلى العراق بدعم وتسهيل من قياديين بارزين في الحشد الشعبي معروفين للجميع، دون أن تجرؤ الأجهزة الأمنية حتى على متابعتهم»، مبيناً أنه في مرات عديدة كان هو «شخصياً شاهداً على دخول كميات كبيرة من المواد المخدرة بسيارات نقل صغيرة يقودها أشخاص يحملون بطاقات تعريف الحشد الشعبي».
وكان العراق معبراً للمخدرات دون أن يتحول إلى سوق استهلاك لها حتى عام 2003، حيث تشير الدراسات والمسوحات الميدانية إلى أن العراق أصبح مستهلكاً إضافةً إلى كونه معبراً نشطاً للمخدرات، وحسب آخر إحصائية للهيئة الوطنية العليا لمكافحة المخدرات، هناك أكثر من 7000 حالة إدمان في العراق.
- الموصل سوقاً لاستهلاك المخدرات
تشير دراسة ميدانية أجرها الباحث صباح حسن، المتخصص بعلم الاجتماع، إلى ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في مدينة الموصل بشكل ملحوظ منذ عام 2017 وبوتيرة متزايدة تجاوزت خمسة أضعاف حتى عام 2021. وعن أسباب ذلك، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «غياب سلطة القانون وقوة الردع يعدان من أبرز أسباب تزايد ارتفاع نسبة تعاطي المخدرات في الموصل»، مبيناً أن «مؤشرات الدراسة الميدانية التي أجراها أكدت سهولة حصول الشباب على المخدرات بسبب انتشار أوكار محمية تروّج للمخدرات بشكل شبه علني دون خوف من المحاسبة».
مصدر أمني في محافظة نينوى قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مديرية مكافحة المخدرات في نينوى سجلت وجود أكثر من 460 وكراً لتجارة المخدرات في محافظة نينوى منها قرابة 300 وكر موجود داخل مدينة الموصل، تقوم بترويج المخدرات بين فئة الشباب بدعم من فصائل مسلحة متغلغلة في مفاصل السلطة في نينوى»، مبيناً «تورط شخصيات بارزة من الفصائل المسلحة في تجارة المخدرات في الموصل، ما يصعّب التعامل مع هذا الملف من الأجهزة الأمنية».
المحامي أحمد محيي الدين قال إن «معظم الأشخاص الذين يتم القبض عليهم بتهمة الاتجار بالمخدرات في الموصل يطلَق سراحهم بعد فترة قصيرة من خلال شخصيات متنفذة تابعة للفصائل المسلحة تستخدم سلطتها، لتغير وقائع الدعوى أو تحولها إلى من الاتجار إلى التعاطي». محيي الدين أكد أن «التهاون في تطبيق القانون وغياب الردع بعد تشريع قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017 سبب رئيسي في انتشار ورواج المخدرات»، مبيناً أن «القانون الجديد خفّف أحكام حيازة المخدرات بقصد التعاطي وفق أحكام المادة (32) من الإعدام سابقاً إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وغرامة مالية لا تقل عن خمسة ملايين دينار ولا تزيد على عشرة ملايين»، مضيفاً أن «حكم المتعاطي المدمن وفق أحكام المادة (39) من القانون الجديد أصبحت الإيداع في إحدى المؤسسات الصحية التي تنشأ لهذا الغرض».
إلى ذلك، أكد مسؤول إعلام المديرية العامة لمكافحة المخدرات في العراق العميد الدكتور زياد محارب القيسي، أن «صدور القانون رقم 50 والمديريات التي تم تأسيسها بموجبها إضافة إلى وجود محاكم وقضاة مختصين، كل ذلك أسهم بشكل ملحوظ في انخفاض انتشار وترويج المخدرات في العراق بشكل عام».
أما الناشط المدني حسام مال الله فيرى أن سطوة الفصائل المسلحة وتورطها في تجارة المخدرات هي السبب الرئيسي في رواجها بالموصل، وقال إن «الفصائل المسلحة التي باتت تهيمن على الحياة في الموصل تعمل وفق استراتيجية تخريب منظمة لتحطيم مدينة الموصل، أحد مفاصل استراتيجيتهم ترويج تعاطي المخدرات بين فئة الشباب»، مبيناً أن «المقاهي والكافيهات التي ينتشر فيها تعاطي الشباب للمخدرات تعود إلى عناصر من الفصائل المسلحة أو مسنودة منهم بشكل غير مباشر ويسهمون في نشرها حتى داخل السجون»، مضيفاً أن «الفصائل المسلحة تستخدم كل الطرق لاستدراج الشباب لتعاطي المخدرات، منها استخدام الفتيات وشبكات الدعارة التي يتحكمون بها في الموصل بهدف تحطيم شباب المدينة أو دفعهم للهجرة».
هذا ما قرره بشار بعد كشف تورط فصيله في تجارة المخدرات، ترك العمل وقرر الهجرة إلى خارج العراق بعد أن هاجر من مدينته، وقال متحسراً: «لم يبقَ لنا في هذا البلد، كيف أمان حياتي وعائلتي وأطفالي في بلد يتحكم به تجار المخدرات وقطاع الطرق واللصوص؟».


مقالات ذات صلة

دبي تقبض على بلجيكي مطلوب دولياً في قضايا اتجار بالمخدرات

الخليج البلجيكي عثمان البلوطي الذي يُعد أحد أبرز المطلوبين دولياً للسلطات البلجيكية والصادر بحقه نشرة دولية حمراء (الشرق الأوسط)

دبي تقبض على بلجيكي مطلوب دولياً في قضايا اتجار بالمخدرات

أعلنت القيادة العامة لشرطة دبي إلقاء فرقها القبض على عثمان البلوطي، بلجيكي الجنسية، الذي يُعد أحد أبرز المطلوبين دولياً للسلطات البلجيكية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

العصابات الدولية تعيد تشكيل خريطة الجريمة باستخدام التكنولوجيا والمخدرات، في وقت تبدو فيه الحكومات متأخرة عن مواكبة هذا التطور.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «البلوغر» والمذيعة المصرية داليا فؤاد بقبضة الشرطة (صفحتها في «فيسبوك»)

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

جدَّدت واقعة توقيف «بلوغر» أزمات صانعات المحتوى في مصر، وتصدَّرت أنباء القبض على داليا فؤاد «التريند» عبر «غوغل» و«إكس».

محمد الكفراوي (القاهرة )
أوروبا ساحة بلازا دي كولون في إسبانيا (رويترز)

إسبانيا: العثور على 20 مليون يورو مخبأة بجدران منزل رئيس مكافحة الاحتيال السابق

اعتقلت السلطات الإسبانية الرئيس السابق لقسم مكافحة الاحتيال وغسل الأموال في الشرطة الوطنية الإسبانية، بعد العثور على 20 مليون يورو مخبَّأة داخل جدران منزله.

«الشرق الأوسط» (مدريد)
أوروبا الأميركي روبرت وودلاند داخل قفص المحكمة (أ.ب)

رفض استئناف أميركي مدان بتهريب المخدرات في روسيا

تتهم واشنطن موسكو باستهداف مواطنيها واستخدامهم أوراق مساومة سياسية، بيد أن المسؤولين الروس يصرون على أن هؤلاء جميعاً انتهكوا القانون.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.