في منطقة أمهرة المحاذية لإقليم تيغراي، يحفظ الجميع عن ظهر قلب وجه أسامينو تسيغي، قائد أمن المنطقة الذي سلحها قبل أن يُقتل على يد ضباط من الشرطة عام 2019، إثر اتهامه بمحاولة انقلاب على السلطات المحلية. ويُعد تسيغي رمزاً للتيار القومي في أمهرة، وهي حركة حديثة لكنها تحظى بشعبية متنامية على خلفية الصراعات الإثنية والحرب في تيغراي.
الشاب تسفاهون سيساي اختار ملابسه بعناية شديدة؛ قميص أبيض تتوسطه صورة تسيغي وهو يحمل سلاح كلاشينكوف. وقد قال لوكالة الصحافة الفرنسية بينما كان يهم بمغادرة مركز اقتراع في محيط بحر دار، عاصمة إقليم أمهرة: «أحب الرجل الذي على قميصي؛ لقد فهمت أنه كان يقوم بعمل جيد».
ويرمز الكلاشينكوف، السلاح الذي يعلقه كثير من الرجال على أكتافهم في المناطق الريفية، إلى إرادة الأمهرة، ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، وتمسكهم بالدفاع عن أنفسهم.
وفي السنوات الأخيرة، استهدفت مذابح عدة هذه الإثنية، آخرها في أبريل (نيسان) الماضي في بلدة أتاي التي تسكنها غالبية من الأمهرة، وتحيط بها قرى سكانها من الأورومو، المجموعة العرقية الأكبر في البلاد. وقد أسفرت أعمال العنف حينها عن مقتل المئات. وغالباً ما تقع توترات ذات طابع إثني بين المجموعتين. كما أشعلت أعمال العنف تلك موجة مظاهرات في بحر دار وفي مدن أخرى.
وفي قرية يوهانس الواقعة على تلة، يأسف أسناكو ملكي (46 عاماً) بينما يلف نفسه ببطانية للعنف والتهجير القسري الذي وقع الأمهرة ضحيته. ويقول الفلاح بينما يلوح بسوط في يده: «أتعاطف مع شعبي جراء المضايقات (التي يتعرض لها)، ويقلقني الأمر، فلا أشعر براحة بال».
وأمهرة هي واحدة من المناطق الأكثر نفوذاً في إثيوبيا، الدولة الفيدرالية التي تضم أكثر من 110 ملايين نسمة المقسمة على أساس إثني وقبلي. وعلى الرغم من نقص الإحصاءات، فإن التقديرات تشير إلى أن غالبية قاطني المنطقة البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة ينتمون إلى الأمهرة. كما يتوزع ملايين منهم في أنحاء البلاد. ويُعد سكان أمهرة منطقتهم المهد التاريخي لإثيوبيا التي ساعد إمبراطور الأمهرة تيودروس الثاني في توحيدها، وإقامة حكم مركزي فيها في القرن التاسع عشر. واحتفظ الأمهرة بسيطرتهم سياسياً عليها خلال فترة طويلة من القرن العشرين. وما زالت الأمهرية حتى اليوم اللغة الوطنية.
يقول بيليت مولا، رئيس حركة أمهرة الوطنية (ناما)، وهي الحزب المعارض الأبرز الذي تأسس عام 2018، إن «إثيوبيا هي منطقتنا. أما ما يُسمى اليوم منطقة الأمهرة، فنحن لا نقبل به».
وعلى النقيض من الخطاب الانفصالي، يدعو الحزب إلى وحدة إثيوبيا، ويقول إنه قد تشكل بصفته رد فعل على القوميات الأخرى، على غرار تلك الموجودة في أورومو. ومن بين العناوين الرئيسية التي يقوم عليها التنديد بما يطال «شعبه» -كما يقول- من «إبادة جماعية»، كما يدعو إلى إعادة دمج غرب وجنوب تيغراي، الواقعة شمال أمهرة. ويطالب الأمهرة منذ 30 عاماً بتلك المناطق الخصبة التي أُلحقت في التسعينيات بتيغراي. وقد أرسلوا قواتهم للقتال هناك إلى جانب الجيش الفيدرالي منذ بداية النزاع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ويُتهم الأمهرة، المتورطون بهجمات في مناطق أخرى في إثيوبيا، باللجوء إلى أفعال ترقى إلى «التطهير العرقي» في تيغراي. وقد باتت الأراضي التي يسيطرون عليها محوراً أساسياً في النزاع، وأطلق مقاتلو تيغراي هجوماً في منتصف يوليو (تموز) الحالي لاستعادتها. ومنذ ذلك الحين، انتشر الآلاف من مقاتلي الأمهرة المنتمين إلى القوات الإقليمية أو إلى ميليشيات على الحدود بين المنطقتين. ولا تحتكر حركة أمهرة الوطنية المطالب القومية. فحزب الازدهار الحاكم الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء آبي أحمد لديه فرع كبير في المنطقة. ويُعد رئيس الفرع أجينيهو تيشاغر من الأصوات الأكثر نفوذاً فيها. وقد حض تيشاغر، في 25 يوليو (تموز) الحالي، سكان منطقة أمهرة ممن لديهم أسلحة على مواجهة المتمردين في تيغراي. وقال في تغريدة إن قوات تيغراي أعلنت «حرباً سافرة» ضد شعب أمهرة، و«نبدأ معركة من أجل الحفاظ على وجودنا».
يقول الباحث الفرنسي مهدي لبزاي، المقيم في إثيوبيا، إنه لم يكن أمام حزب الازدهار خيار آخر سوى تبني شعارات حركة ناما، ليضمن له مكانة على الساحة السياسية المحلية. فبعد انتخابات 21 يونيو (حزيران) الماضي، لم تحظَ حركة أمهرة الوطنية التي طعنت بنزاهة الاقتراع إلا بعدد قليل من المقاعد، في مقابل حزب الازدهار، في البرلمان الفيدرالي، كما مُنيت بهزيمة في البرلمان الإقليمي.
ويخلص لبزاي إلى أنه في المستقبل «سيكون من المثير للاهتمام أن نرى... إلى أي مدى ستقترب نخب حركة أمهرة الوطنية من نخب حزب الازدهار، في ضوء أنهم يقولون الشيء نفسه».
رياح القومية تهب مجدداً على أمهرة الإثيوبي
اتهام ميليشياته باللجوء إلى أفعال ترقى إلى «التطهير العرقي» في تيغراي
رياح القومية تهب مجدداً على أمهرة الإثيوبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة