الرئيس التونسي يقلب الطاولة على «النهضة» والمشيشي بعد احتجاجات غاضبة

أعلن إجراءات استثنائية بينها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة رئيس الوزراء

مئات ينفذون وقفة احتجاجية قرب البرلمان التونسي أمس (رويترز)
مئات ينفذون وقفة احتجاجية قرب البرلمان التونسي أمس (رويترز)
TT

الرئيس التونسي يقلب الطاولة على «النهضة» والمشيشي بعد احتجاجات غاضبة

مئات ينفذون وقفة احتجاجية قرب البرلمان التونسي أمس (رويترز)
مئات ينفذون وقفة احتجاجية قرب البرلمان التونسي أمس (رويترز)

شهد احتفال تونس بـ«عيد الجمهورية» أمس (الأحد) تحركاً استثنائياً من الرئيس التونسي قيس سعيد، قلب الطاولة على البرلمان ورئاسة الحكومة ومن خلفهما «حركة النهضة»، بعد احتجاجات حاشدة طالبت بإقالة رئيس الوزراء وحل البرلمان.
وبعد اجتماع طارئ مع القيادات العسكرية والأمنية، مساء أمس، أعلن الرئيس التونسي «جملة من التدابير الاستثنائية التي يقتضيها الوضع... لإنقاذ الدولة»، بينها تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة المشيشي، على أن يتولى سعيّد الإشراف على عمل الحكومة واختيار وزرائها، إضافة إلى الإشراف على عمل النيابة العامة في محاكمة النواب الملاحقين باتهامات.
وعلى الفور، اتهم رئيس البرلمان زعيم «النهضة» راشد الغنوشي، رئيس الجمهورية بـ«الانقلاب على الثورة والدستور». وقال لوكالة «رويترز»: «نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة».
وقال سعيد في كلمة بالفيديو، وهو يتوسط القيادات الأمنية والعسكرية، مساء أمس: {في ذكرى إعلان الجمهورية شاءت الأقدار أن نتخذ جملة من التدابير الاستثنائية التي يقتضيها الوضع في تونس. تلاحظون دون شك أن عديد المرافق العمومية تتهاوى، وهناك عمليات حرق ونهب، وهناك من يستعد الآن لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي}.
وأضاف أن {المسؤولية التي نتحملها وتتحملونها معي تقتضي منا عملاً بأحكام الدستور اتخاذ تدابير يقتضيها هذا الوضع لإنقاذ تونس وإنقاذ الدولة التونسية والمجتمع التونسي. نحن نمر بأدق اللحظات في تاريخ تونس، بل بأخطر اللحظات. ولا مجال أن نترك لأحد أن يعبث بالدولة وبمقدراتها وأن يعبث بالأرواح والأموال، وأن يتصرف في الدولة التونسية كأنها ملك خاص}.
وأشار إلى أنه {بعد أن تم التشاور، عملاً بأحكام الفصل الثمانين من الدستور، مع رئيس الحكومة ورئيس المجلس النيابي, اتخذت جملة من القرارات التي سيتم تطبيقها فوراً}.
وأوضح أن {القرار الأول الذي اتخذته وكان يفترض أن اتخذه منذ أشهر، ويتعلق بما يجري في المجلس النيابي، يتمثل في تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي}. ورأى أنه في حين أن {الدستور لا يسمح بحله، لكنه لا يقف مانعاً أمام تجميد كل أعماله}.
أما القرار الثاني فتمثل بـ{رفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي. ومن تعلقت به قضية سأتولى - من بين القرارات التي اتخذتها - رئاسة النيابة العمومية حتى تتحرك في إطار القانون، لا أن تسكت عن جرائم ترتكب في حق تونس ويتم إخفاء جملة من الملفات في أضابير وزارة العدل أو في ملفات المجلس النيابي}.
ولفت إلى أن {القرار الثالث يتمثل في تولي رئيس الدولة السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويعينه رئيس الجمهورية... هناك نص سيصدر بعد قليل ويطبق فوراً بإعفاء رئيس الحكومة ودعوة شخص آخر ليتولاها مدة هذه التدابير التي يجب اتخاذها}.
وأوضح أن {رئيس الحكومة يتولى إدارة الحكومة وهو مسؤول أمام رئيس الجمهورية، ورئيس الجمهورية هو الذي يتولى تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيس الحكومة، ويترأس رئيس الحكومة مجلس الوزراء إذا دعاه رئيس الجمهورية لذلك، لأن رئيس الجمهورية سيتولى رئاسة المجلس}.
وشدد على أن {هذا ليس تعليقاً للدستور وليس خروجاً على الشرعية الدستورية. نحن نعمل في إطار القانون. لكن إذا تحول القانون إلى أداة لتصفية الحسابات وتمكين اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وأموال الشعب، فهي ليست بالقوانين التي تعبر عن إرادة الشعب، بل هي أدوات للسطو على إرادة الشعب}.
وتابع: {نحن هنا نتحمل مسؤوليتنا أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ، وأنبه الكثيرين الذين يحاولون التسلل أو اللجوء إلى السلاح، فلن نسكت أبداً عن أي شخص يتطاول على الدولة ولا على رؤوسها. ومن يطلق رصاصة واحدة ستجابهه قواتنا المسلحة العسكرية والأمنية بوابل من الرصاص الذي لا يحده إحصاء. لم نكن نريد أن نلجأ إلى هذه التدابير بالرغم من أن الشروط الدستورية كانت متوفرة. لم نشأ أن نلجأ إليها لأننا تعاملنا بصدق وأمانة وإخلاص، لكن في المقابل هناك كثيرون للأسف شيمهم النفاق والغدر والسطو على حقوق الشعب التونسي}.
وأكد أن {الشعب التونسي اليوم يواصل ثورته في ظل الشرعية، وسنعمل على تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة. ولا فضل لأحد على أحد لا بثروته ولا بمكانته. كل الناس سواء أمام القانون. ما أقوله الآن هو في نطاق القانون، ولا يمكن أن أقف صامتاً ملاحظاً لما يجري، بل يجب أن أتحمل المسؤولية وقد تحملتها. يجب أن أكون في مستوى آمال الشعب... اما انك مع الشعب واما انك في الصف المقابل ضده. وهناك إجراءات أخرى سيتم اتخاذها تباعاً. لا نريد أن تسيل الدماء. وأنبه من يعدون أنفسهم هذه الليلة ويوزعون الأموال في بعض الأحياء للحرق والنهب، بأن القانون فوق الجميع وسيطبق عليهم}.
ونفذ آلاف وقفات احتجاجية «غاضبة» في العاصمة ومدن أخرى، أمس، للمطالبة بـ«رحيل الحكومة وحل البرلمان». ونفذ مئات في شارع الحبيب بورقيبة بباردو، قرب المبنى الرئيسي لمجلس نواب الشعب، وقفة احتجاجية للمطالبة برحيل الحكومة وحل البرلمان.
ورفع المحتجون شعارات مناهضة للحزام السياسي للحكومة، المتألف أساساً من «حركة النهضة» وحزب «قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة»، منددين بسياسات الحكومة في التعامل مع الوضع الوبائي بالبلاد، وبتدهور المناخ الاجتماعي والاقتصادي، كما طالبوا أيضاً بحلّ البرلمان. وأكد المحتجون أن تحركاتهم «سلمية وعفوية لا تقف وراءها أي أطراف سياسية أو آيديولوجية».
وذكرت «رويترز» أن بعض المحجين استهدف مقرات «النهضة» في مدن عدة. وردد المحتجون شعارات مثل «الشعب يريد اسقاط النظام» و{الشعب يريد حل البرلمان»، «لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب».
وكان الغنوشي قال قبل قرارات الرئيس سعيد، إن «تونس تستحق أن تكون نخبتها أكثر تضامناً، وأن تكون مؤسساتها أكثر تسانداً»، داعياً إلى «الابتعاد عن التجاذبات التي لا طائل منها، وإحياء عناصر الأمل»، وفق تصريح نقلته وكالة أنباء تونس أفريقيا (وات). وأكد الغنوشي في تصريح للصحافيين، عقب إشرافه على موكب لرفع العلم بمناسبة «عيد الجمهورية» في قصر باردو صباح أمس، على «استمرار الدولة ووحدة مؤسساتها»، مشدداً على أن تونس «تعيش حرباً ضد عدو مشترك هو فيروس كورونا، الذي يحصد يومياً المئات من أرواح التونسيين، والذي يجب أن تتوحد جهود الجميع في مقاومته.
وفي رده على سؤال بخصوص الدعوات التي أطلقت مؤخراً للخروج إلى الشوارع والتظاهر ضد الحكومة والطبقة الحاكمة، قال الغنوشي: «إن المسيرات مضمونة بالدستور، ما دامت ملتزمة بالقانون»، لكنه لاحظ في المقابل أن «تونس تستحق مظاهرة ضد (كورونا)، تتوحد فيها كل القوى ضد هذه الآفة».
إلى ذلك، دعا حزب البديل التونسي إلى تشكيل «حكومة إنقاذ وطني بعيدة عن التجاذبات السياسية، وتكون مسنودة من جميع مؤسسات الدولة والأحزاب والمجتمع المدني».
وحمل الحزب في بيان أصدر أمس الأحد بمناسبة إحياء «ذكرى عيد الجمهورية» ونقلته «وات»، الحكومة مسؤولية الفشل في إدارة الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية. كما حمل الأطراف السياسية المساندة للحكومة مسؤولية تعميق الأزمة التي تعيشها البلاد والتي عصفت بحياة قرابة 18 ألف مواطن ولا تزال في أكبر جائحة صحية عرفتها تونس. وشدد على دعمه المطلق لكل التحركات الشعبية السلمية، محذراً من أي استعمال مفرط للقوة ضدها ما دامت في إطار احترام القانون والنظام العام، ومعتبراً أن «النظام السياسي الحالي أحدث جواً من التوتر والمشاحنات»، بحسب البيان. وشدد على «ضرورة القيام في أسرع الأوقات باستفتاء شعبي لاختيار النظام السياسي الأصلح للبلاد»،
من جانبه، دعا الأمين العام لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» نور الدين الطبوبي، إلى «الضغط الإيجابي لتعديل البوصلة حول بعض الخيارات الوطنية ولتحقيق استحقاقات ثورة الحرية والكرامة». وقال الطبوبي في تصريح نقلته «وات» بعد مشاركته في موكب انتظم بمربع الشهداء بمقبرة الجلاز لإحياء الذكرى الثامنة لاغتيال عضو المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي، إن «الاتحاد لم يستطع بسبب جائحة كورونا التحرك بشكل كبير، لكن التوقيت انتهى ولم يعد من الممكن بعد اليوم أن ننتظر أكثر»، معتبراً أن «الأمر لا يعد تهديداً، بل ضغطاً إيجابياً لتعديل البوصلة»، حسب تعبيره.
وكان الاتحاد قد اقترح منذ أشهر عقد حوار وطني لتجاوز عقبة الشلل الحكومي والسياسي الذي ظهر منذ ديسمبر (كانون الأول) 2020 عقب إعلان رئيس الحكومة هشام المشيشي عن تحوير حكومي صادق عليه البرلمان لاحقاً ولكن الوزراء لم يباشروا إلى اليوم مهامهم.
وقال الطبوبي إن «مؤسسات الدولة في تونس مفككة وبعيدة بعضها عن بعض». وانتقد في هذا الصدد «نشر مراسلات رسمية حكومية على صفحات التواصل الاجتماعي». كما انتقد ما اعتبره «تهافتاً وتسابقاً لأخذ صور فوتوغرافية بمناسبة منح وتقديم مساعدات رمزية لمواجهة أزمة فيروس كورونا». وقال: «ليس هكذا تدار الدولة».
وأكد الطبوبي ضرورة وأهمية أن يكشف «القضاء المستقل» حقيقة الاغتيالات السياسية التي حصلت في تونس ومنها اغتيال البراهمي».
وأكد على ضرورة الكشف عن «من خطط ودبر لهذا السلوك الأرعن»، على حد وصفه.



مصر تشدد على دعمها استقرار السودان ووحدة أراضيه

وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
TT

مصر تشدد على دعمها استقرار السودان ووحدة أراضيه

وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري ينقل رسالة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان (الخارجية المصرية)

في أول زيارة لوزير خارجية مصر إلى السودان منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، سلم وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء، رسالة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الذي استقبله في بورتسودان.

ونقل الوزير المصري، إلى البرهان «اعتزاز الرئيس السيسي بالعلاقات التاريخية والأخوية بين مصر والسودان، والعزم على بذل كل المساعي الممكنة من أجل تحقيق الأمن والاستقرار للسودان».

جلسة مباحثات مصرية - سودانية موسعة (الخارجية المصرية)

وأشار عبد العاطي، وفق بيان للخارجية المصرية، إلى أن «الزيارة تأتي للإعراب عن تضامن مُخلص مع السودان في هذا المنعطف التاريخي الخطير، وللوقوف بجانب دولة شقيقة في ظل الروابط العميقة والعلاقات الأخوية بين الشعبين الشقيقين».

كما أشار إلى «حرص مصر على الانخراط بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية الرامية لتحقيق الاستقرار في السودان الشقيق، بما يصون مصالحه وسيادته ووحدة أراضيه»، منوهاً بـ«جهود مصر لاستئناف السودان لأنشطته في الاتحاد الأفريقي».

وشهدت زيارة عبد العاطي لبورتسودان جلسة مشاورات رسمية بين وزير الخارجية المصري ونظيره السوداني، علي يوسف الشريف بحضور وفدي البلدين، شدد الوزير المصري خلالها على «دعم بلاده الكامل للسودان قيادة وشعباً، وحرص مصر على بذل الجهود لرفع المعاناة عن الشعب السوداني».

وزير الخارجية السوداني يستقبل نظيره المصري (الخارجية المصرية)

واستعرض، وفق البيان، موقف مصر الداعي لـ«وقف فوري لإطلاق النار والإسراع من وتيرة نفاذ المساعدات الإنسانية، وأهمية التعاون مع مبادرات الأمم المتحدة ووكالاتها ومنظمات الإغاثة الدولية لتسهيل نفاذ تلك المساعدات».

كما حرص الجانبان على تناول ملف الأمن المائي باستفاضة، في ظل «مواقف البلدين المتطابقة بعدّهما دولتي مصب علي نهر النيل»، واتفقا على «الاستمرار في التنسيق والتعاون الوثيق بشكل مشترك لحفظ وصون الأمن المائي المصري والسوداني».

تضمنت الزيارة، كما أشار البيان، لقاء عبد العاطي مع الفريق إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة الانتقالي مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، وأكد خلاله الوزير المصري «موقف بلاده الثابت القائم على دعم المؤسسات الوطنية السودانية واحترام وحدة وسلامة الأراضي السودانية».

كما عقد الوزير عبد العاطي لقاء مع ممثلي مجتمع الأعمال السوداني لتعزيز التعاون بين رجال الأعمال من البلدين واستكشاف فرص الاستثمار المشترك والاستفادة من الفرص الهائلة التي يتيحها الاقتصاد المصري، والعمل على مضاعفة التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين. كما التقى مع مجموعة من السياسيين وممثلي المجتمع المدني من السودان، فضلاً عن لقاء مع أعضاء الجالية المصرية في بورتسودان واستمع إلى شواغلهم ومداخلاتهم.

بدورها، نقلت السفارة السودانية في القاهرة، عن وزير الخارجية علي يوسف، تقديمه «الشكر للشقيقة مصر على وقفتھا الصلبة الداعمة للسودان»، في ظل «خوضه حرب الكرامة الوطنية ضد ميليشيا الدعم السريع المتمردة ومرتزقتھا وداعميھا الإقليميين»، على حد وصف البيان.

ولفت البيان السوداني إلى أن الجانبين ناقشا «سبل تذليل المعوقات التي تواجه السودانيين المقيمين في مصر مؤقتاً بسبب الحرب، خاصة في الجوانب الھجرية والتعليمية»، واتفقا على «وضع معالجات عملية وناجعة لتلك القضايا في ضوء العلاقات الأزلية بين الشعبين الشقيقين».