مساعي الدعوة والإعلام في جزر الملايو في عهد الملك عبد العزيز

الرشيد والسوركتي والأيوبي أمثلة

الملك عبد العزيز
الملك عبد العزيز
TT

مساعي الدعوة والإعلام في جزر الملايو في عهد الملك عبد العزيز

الملك عبد العزيز
الملك عبد العزيز

ما إن بدأت بوادر الضعف تنخر في مفاصل الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين، حتى اتجهت الولايات الخاضعة لنفوذها - ومنها ولاية الحجاز - للعمل على الاستقلال من التبعية لها، وصار النفوذ السياسي لبريطانيا وفرنسا يأخذ في الاتساع في منطقة الشرق الأدنى، وبدأت القوى الإسلامية في مصر والقارة الهندية، وفي الحجاز، تتطلع لملء الفراغ السياسي للهيمنة على المقدسات الإسلامية، وذلك من خلال محاولات إعلان الخلافة الإسلامية وقيام الثورة العربية في بلاد الحرمين الشريفين.
وفي ظل هذا التدافع، ظهرت زعامة جديدة غير متوقعة، اكتسحت أرجاء وسط الجزيرة العربية، وخلطت - في زمن وجيز وبدرجة من الدهاء السياسي والمناورة العسكرية - الأوراق أمام الكيانات الكبرى، وكانت سيطرتها الشاملة والمفاجئة على الديار المقدسة مثار انبهار القوى الطامعة، سواءً من الإمارات المحيطة بالحجاز داخل شبه الجزيرة، أو من القوى الإسلامية خارجها كالهند ومصر وتركيا أو من الدول العظمى.
ومع انهيار سلطة الهاشميين في الحجاز، ودخول الإقليم تباعا - الطائف ثم مكة المكرمة فجدة والمدينة المنورة - في الحكم السعودي بدءا من عام 1924م - ظهرت دعايات معادية للحكم السعودي الجديد في الحجاز تنشط في مصر وفي جزر الملايو (إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وبروناي وما حولها حاليا) وفي شبه القارة الهندية (الهند وباكستان وبنغلاديش حاليا) في ظاهرة امتدت نحو 20 عاما، بتحريض القوى السياسية الطامعة في الاستحواذ على الخلافة والسلطة على بلاد الحرمين الشريفين، ومن بعض الجمعيات المرتبطة بها، وقد انضم إليها أو حرض عليها أفراد من المنتمين للحزب الوطني الحجازي الموالي للأشراف في الحجاز.
تسببت تلك الدعاية - مقرونة بتدني الأوضاع الاقتصادية العالمية وإرهاصات الحرب الكونية الثانية - في إحجام جموع من حجاج القارة الهندية وأرخبيل الملايو (الجاوة) عن القدوم للحج، متأثرين بما كان يشاع عن تدني الأمن في بلاد الحرمين الشريفين في إثر دخولها في الحكم السعودي، فتقلصت أعداد القادمين للحج تدريجيا حتى بلغ هذا الأمر أدناه في حج عام 1935م عندما انخفضت أرقام القادمين للحج إلى نسبة متدنية لم يسبق لها مثيل، وقد تصادف هذا الأمر مع مرور أعوام قليلة من إعلان توحيد الحجاز ونجد في كيان واحد (المملكة العربية السعودية 1932م).
ورغم ضعف الموارد نتيجة تلك الظروف، كان على الإدارة السعودية الجديدة في الحجاز أن تبذل جهودا استثنائية لمواجهة الموقف وتأثيراته الإعلامية والاقتصادية، كان منها إنشاء مديرية للدعاية للحج (1936م) عُنيت بإيفاد مبعوثين إلى عدد من البلدان وبخاصة أرخبيل الملايو والقارة الهندية ومصر، من بينهم شخصيات سعودية وعربية موثوقة بعقيدتها وولائها وباقتناعها بصفاء نهج الحكم الجديد في الحجاز وسلامته مما يشاع، كما أصدرت مجلة النداء الإسلامي باللغتين العربية والملايوية (1937م) ومجلة الحج (1947م) وكانت في معظم موضوعاتها تؤكد على انتشار الأمن في الديار المقدسة، وعلى استقرار الأوضاع فيها، وتحض على أداء الحج للتأكد من ذلك مع تبيان التسهيلات المعيشية المتوافرة، وكان من بين علامات الاهتمام بالحجاج الجاوة والهنود، أن الإذاعة السعودية عندما بدأت في جدة عام (1949م) خصصت إذاعتين مستقلتين أسمتهما الإذاعات الشرقية (باللغتين الأردية والجاوية) موجهتين محليا وخارجيا إلى الحجاج والجاليات الناطقة بهما، وذلك لكثرة القادمين من الجاوة والهنود للعمرة والحج، وقد أضيف إليهما بعد سنوات عدد من الإذاعات الموجهة بلغات أخرى.
الموضوع المطروح هنا، يأخذ الشيخ السوداني المجاور للحرمين الشريفين أحمد محمد السوركتي، و(الكويتيين) المؤرخ والصحافي عبد العزيز الرشيد، والشاعر محمود شوقي الأيوبي أمثلة غير حصرية، لتوضيح تلك الموجة من الدعايات والحملات، وما جوبهت به من جهود تصب في الدعوة تبنتها الحكومة السعودية في عهد الملك عبد العزيز، وللحديث عن المنافسات التي جرت بين بعض الشخصيات المهاجرة وبين المقيمين الحضارم الذين يعتزون بأرومتهم العربية، ويفتخرون بأسبقيتهم في الهجرة إلى بلاد الجاوة، وكان هؤلاء الدعاة الثلاثة من محركي هذا النشاط الدعوي والإعلامي.
وباستعراض ما كتب عن هذا الموضوع، يلحظ أن المؤلفات السعودية المحلية لم تُولِه الاهتمام المستحق، وكانت المراجع الحضرمية والإندونيسية أكثر إفاضة في الحديث عن تلك الهجرات، وعن المؤثرات الثقافية الناتجة عنها، وخصت بالذكر المنافسات التي جرت بين المهاجرين الحضارم ومن لحق بهم من النازحين العرب - ومنهم هؤلاء الثلاثة - إلى بلاد الملايو.
وصدرت - ولا تزال - ضمن دائرة المصادر الحضرمية والإندونيسية وخارجها مجموعة من الكتب المعمقة والرصينة التي تناولته بإفاضة، منها على سبيل المثال كتاب عن سيرة الشاعر الكويتي محمود شوقي الأيوبي، من تأليف الأكاديمية الكويتية د. نورية الرومي (1982م) وكتاب عن سيرة المؤرخ والصحافي الكويتي عبد العزيز الرشيد، من تأليف الباحث الكويتي د. يعقوب يوسف الحجّي (1993م) وكتاب عن سيرة الشيخ أحمد محمد السوركتّي، من تأليف د. أحمد إبراهيم أبوشوك (2000م).
وإن من ينظر في الجهود الدعوية والإعلامية التي بُذلت في عهد الملك عبد العزيز وبخاصة ما يوجه منها للخارج، يذهل من حجمها وتنوعها وتأثيرها، ويبلغ التعجب مداه عندما يعرف أن تلك الجهود قد اتسمت بنوعية عالية وبحجم واسع، وذلك على الرغم من عدم وجود متخصصين في الإعلام آنذاك. اهتمت الحكومة السعودية بإيفاد الدعاة والمثقفين إلى جزر الملايو والقارة الهندية وآخرين إلى مصر وأوروبا وأميركا، من أمثال محمد رشيد رضا وعبد الحميد الخطيب وعبد العزيز العتيقي وأحمد السوركتّي وعبد العزيز الرشيد ومحمود شوقي الأيوبي ويونس بحري وإبراهيم المعمر وأمين الريحاني وغيرهم، مما لا يتسع المقام للتفصيل في سيرهم.
وتورد الكتابات التي تناولت موضوع هذا البحث أوصافا للأوضاع في أرخبيل جزر جاوة) بعد نيل استقلالها من هولندا وبريطانيا، وهي أوصاف يفهم منها أن النشاط الدعوي والإعلامي وربما السياسي لم يبرز في تلك الجزر إلا في مطلع القرن العشرين، وربما كانت توجد نشرات عربية تخدم الجالية الحضرمية الموجودة في تلك الجزر منذ زمن أقدم، كما توضح تلك الكتابات انتشار بعض الاتجاهات الصوفية بين الطوائف ذات الأصول العلوية المستقرة هناك، وهو ما اجتهد اللاحقون من المهاجرين في محاولة تصحيحها.
وربما كان الشيخ السوركتّي بمجيئه إليها أول من فتح الباب لهجرة المزيد من الجاليات غير الحضرمية، كما فتح وجوده الباب للتوسع في إنشاء المدارس وللتنافس والصراع الفكري والصحافي بينها، وهو ما توضحه - بإفاضة - تلك الكتب المذكورة وغيرها من المؤلفات والمقالات الصحافية والمدونات الإلكترونية التي تصدر بين حين وحين.ومن يتتبّع ما كتب، يلحظ كيف كانت مدن في جزر الملايو - وبخاصة في محيط إندونيسيا - ميدانا تنافسيا سلميا خصبا وفسيحا، تمثل في التسابق لإنشاء الجمعيات والمدارس الدعوية واستخدام المنابر وإصدار الصحف، في مظهر يمكن وصفه بالفوضى المنظمة، التي ساعد في تهذيبها نضوج المشهد السياسي بعد خروج المحتلين وتطور الحياة السياسية المحلية وبروز الكيانات الديمقراطية المعروفة حاليا.
بدا أكثر التنافس واضحا في ساحة جزر جاوة بعامة، وفي سنغافورة وماليزيا وبعض المدن التابعة حاليا لجمهورية إندونيسيا، ومنها بتافيا (جاكرتا حاليا) وبوقور وسورابايا وباندونغ، وكان أكثر الفاعلين في هذا المشهد جماعات تنتمي للعلويين (وهم الطائفة السنية ذات الأصول الحضرمية المهاجرة قديما وتعود أصولها إلى آل البيت وتنتمي في غالبيتها للمذهب الشافعي المنتشر حضرميا) وجماعات عربية مختلفة الجنسيات هاجرت مؤخرا وصارت نواتها تعرف باسم الإرشاديين نسبة إلى جماعة الإرشاد التي أسسها السوركتّي لاحقا.
وقبل ظهور الإذاعات، كانت الصحف تصدر بالعشرات، مستفيدةً من المرافق الطباعية المتوافرة، الوسيلة الإعلامية الأبرز للتعبير السياسي والدعوي، وقد بقيت الصحف نحو 4 عقود بين الصدور والاختفاء بين عامي 1906و 1937 م، تختلف من حيث الجودة والاستمرار، وكان منها في إندونيسيا بالتتالي: جريدة الإقبال وجريدة الإرشاد ومجلة الشفاء وجريدة بروبودور ومجلة الذخيرة الإسلامية وجريدة القسطاس وصحيفة حضرموت وجريدة الوفاق وجريدة الأحقاف ومجلة الدهناء ومجلة المصباح ومجلة الرابطة وجريدة برهوت وجريدة الكويت والعراقي وجريدة الإصلاح وجريدة السائح العراقي وجريدة التوحيد وجريدة الحق ومجلة المرشد كما ظهرت مطبوعات أخرى مثل المشكاة والمستقبل واليوم والترجمان ومرآة المحمدية ومرآة الشرق والسلام.
وفي سنغافورة، صدرت في تلك الحقبة بالتتالي: جريدة الأيام وجريدة الإصلاح وجريدة الهدى وصحيفة العرب وجريدة القصاص وجريدة النهضة الحضرمية وجريدة الشعب الحضرمي وجريدة الجزاء وجريدة الحساب وجريدة المجد العربي وجريدة صوت حضرموت وجريدة السلام وجريدة المشهور وجريدة الذكرى وجريدة الأخبار ومجلة الأخبار المصورة.
وتذكر المصادر أن مبعوثي الملك عبد العزيز، كانوا كما سلف، يركزون جهودهم في توضيح الواقع الجديد للحجاز، وبذلوا ما في وسعهم لتفنيد الافتراءات التي تشوه واقع الدعوة الإصلاحية، وكانوا يجدون في تشجيع المواطنين الجاوة وزعماء الطوائف على أداء فريضة الحج على أمل جلاء الحقائق لهم، وقد اجتذبتهم الأجواء الاجتماعية السائدة هناك في أن ينهمكوا مع دوامة الصراعات الطائفية المحلية، وفضل البعض منهم الاستقرار الدائم في بلاد الجاوة حتى آخر حياتهم، وتمكن عدد منهم من زيارة الديار السعودية قبل تكليفهم أو في أثناء قيامهم بمهامهم تلك، وكانوا يسافرون إلى بلاد الجاوة من جدة عبر موانئ الحُديدة وعدن مرورا بالموانئ الهندية، وغني عن القول أن هؤلاء المبعوثين كانوا - كما سيأتي - على درجة عالية من الكفاءة الفكرية والثقافية التي مكنتهم من الاندماج في المجتمعات الجاويّة المتنوعة.
أوردت موسوعة تاريخ الملك عبد العزيز الدبلوماسي، الصادرة عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض (1999م) تعريفا بالسوركتّي الذي يعني لقبه باللغة السودانية - كما يقول د. يعقوب الحجي - كثير الكتب، قالت فيه «هو مدير مدارس الإرشاد الإسلامية في جاكرتا بإندونيسيا، ولد في دنقلة بالسودان عام 1875م وانتقل بعد وفاة والده إلى الحجاز للدراسة مقيما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي عام 1911م انتقل إلى جاوة للعمل مديراً لمدرسة جمعية خير العلوم العلوية بدعوة منها، ثم أنشأ في عام 1914م جمعية الإصلاح والإرشاد الإسلامية، واتصل بالملك عبد العزيز لمعرفته بحرصه على نشر السلفية ودعم المسلمين، وأصبح يحظى بمؤازرته في مجال الدعوة في جاوة، وكان للشيخ السوركتّي جهود طيبة في المحافظة على وحدة العرب في إندونيسيا، توفي عام 1944م في جاكرتا».
وتحدث كتاب أبو شوك الآنف الذكر عن تاريخ انتشار الإسلام في بلاد الجاوة مع وصول طلائع المهاجرين العرب، مرورا بالموانئ الهندية، وتطرق إلى بدايات الصحوة في المنطقة في أوائل القرن العشرين، مستشهدا بظهور الإمام محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا في مصر وعادّاً مشروع الشيخ السوركتّي امتدادا لتلك الحقبة، ثم سرد قصة سعي العلويين بين عامي 1901 و1905م لإنشاء (جمعية خير) لتكون أول جمعية دعوية خيرية في جاكرتا بدأت تتوسع في إنشاء المدارس، تبعها تأسيس جمعية الإصلاح والإرشاد من قِبل السوركتّي، مما فتح المجال لتأسيس جمعيات ومدارس دينية أخرى تهتم بالدعوة، وقد نوقشت في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في عام 1908م رسالة ماجستير عن جهوده في الدعوة، للدارس شفيق ريزا حسن.
أما بالنسبة للشيخ عبد العزيز أحمد الرشيد فإنه أول من ألف في تاريخ الكويت، وأول من أصدر مطبوعة صحافية فيها باسم الكويت، وتعود أسرته إلى آل البداح السعودية، وقد توقفت صحيفة الكويت بعد أن استمرت في الصدور نحو عامين، ثم زار جدة في نهاية العشرينات، حيث تلقى التكليف بالذهاب إلى إندونيسيا ممضيا السنوات المتبقية من عمره، وقد تزوج ثانية وتوفي هناك عن 51 عاما.
وأما محمود شوقي الأيوبي فقد كان شاعرا مجيدا، ولد عام 1903م في الكويت في أسرة هاجرت من كردستان العراق، وقد درس في الكتاب وفي المدرسة المباركية، ثم سافر إلى البصرة وبغداد لمواصلة دراسته في دار المعلمين العالية، ثم تولى التدريس في قرية أبي الخصيب بالعراق، وبعد فترة من التنقل بين العراق والكويت وبلاد الشام سافر إلى الأحساء فالرياض عام 1939م وأدى مناسك الحج، ثم هاجر إلى إندونيسيا للدعوة والتعليم بتكليف من الملك عبد العزيز، وأقام هناك 20 سنة عاد بعدها إلى الكويت ليقيم في قرية الشعيبة، وتوفي في مارس (آذار) 1966م وقد نظم الكثير من المطولات الشعرية في مدح الملك عبد العزيز، جمعتها دارة الملك عبد العزيز في ديوان خاص به عنوانه: ديوان الملاحم العربية صدر سنة 1999م بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية.



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.