إدلب «مرتاحة» لتوافر الكهرباء التركية... والحسكة تعاني شح المياه

مقهى مضاء وسط الدمار في أريحا شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
مقهى مضاء وسط الدمار في أريحا شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
TT
20

إدلب «مرتاحة» لتوافر الكهرباء التركية... والحسكة تعاني شح المياه

مقهى مضاء وسط الدمار في أريحا شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)
مقهى مضاء وسط الدمار في أريحا شمال غربي سوريا (أ.ف.ب)

لا يخشى سوريون في شمال غربي البلاد انقطاع الكهرباء بعد بدء شركة تركية خاصة بتغذية المنطقة بها، في وقت يعاني سكان مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا من انقطاع خدمة الكهرباء وشح مياه الشرب القادمة من محطة العلوك، وسط ارتفاع درجات الحرارة لتسجل أعلى درجة مئوية بعد دخول فصل الصيف ذروته.
ومنذ بداية الشهر الحالي أوقفت الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا 4 مضخات من بين 6 مضخات كانت تعمل سابقاً في محطة أبار العلوك الواقعة تحت نفوذها منذ نهاية عام 2019. وشهدت بلدة تل تمر ومدينة الحسكة أزمة خانقة لشح مياه الشرب. وبحسب خالد العلو، رئيس قسم المياه في بلدية الشعب بتل تمر التابعة للإدارة الذاتية، فإن القوات التركية التي تسيطر على المحطة «تزعم تشغيل أربع مضخات من بين 6، لكنها بالواقع لا تعمل سوى مضختين فقط، ولا يمكن سد حاجة تل تمر ومدينة الحسكة والمخيمات المنتشرة هناك».
وتبلغ حاجة الحسكة وبلداتها نحو 80 ألف متر مكعب يومياً، لكن وبسبب الانقطاعات المستمرة يقوم الأهالي بشراء المياه الصالحة للشرب من الصهاريج التابعة للبلدة التي تؤمّن نحو 10 آلاف برميل يومياً، ودخلت روسيا على خط التفاوض بين الجهات المسيطرة على منابع خدمتي المياه والكهرباء، على أن تحصل القوات السورية الموالية للجيش التركي المسيطرة على بلدة رأس العين وتضم محطة العلوك على 25 ميغاواط من التيار الكهربائي، مقابل تشغيل مضختين أفقيتين 12 ساعة يومياً، تتبعها تشغيل 4 مضخات من التاسعة مساءً وحتى التاسعة صباحاً بمعدل 16 بئراً، لتأمين مياه الشرب لمناطق الإدارة الذاتية، لكن وبحسب مصادر مطلعة، لم تثمر جهود موسكو لإقناع الخصوم للتوصل إلى اتفاق يرضى جميع الأطراف المتحاربة.
وتعد محطة العلوك المصدر الرئيسي والوحيد لتأمين مياه الشرب لأكثر من مليون نسمة يعيشون بالمنطقة، حيث تزود بلدة أبو راسين (شرقاً) وناحية تل تمر (جنوباً) ومدينة الحسكة وريفها (جنوب شرق)، إلى جانب تغذية 3 مخيمات أكبرها مخيم «الهول» الذي يبلغ تعداده نحو 60 ألفاً، ومخيمات نازحي رأس العين والعريشة الخاص بأهالي دير الزور.
ويعدّ استجرار الكهرباء وجهاً آخر من وجوه النفوذ التركي المتزايد في مناطق الشمال السوري، حيث تحتفظ أنقرة بتواجد عسكري ونقاط مراقبة وتدعم فصائل سورية موالية لها.
وتوقفت الحكومة السورية منذ سيطرة الفصائل المقاتلة والمعارضة على إدلب صيف عام 2015 تدريجاً عن إمداد المناطق الخارجة عن نفوذها بالكهرباء وخدمات أخرى. وخلال سنوات من المعارك الطاحنة، لم تسلم المحطات والشبكات من القصف، عدا عن تعرضها للتخريب والنهب.
واعتمد السكان خلال السنوات الأخيرة على مولدات خاصة أو على الاشتراك في مولدات يملكها متمولون أو قوى محلية، فضلاً عن ازدهار ألواح الطاقة الشمسية.
ترتسم ابتسامة عريضة على وجه أبو عماد (31 عاماً) الذي يعمل من دون توقف في محل المثلجات والحلويات الذي ورثه أباً عن جد وسط ساحة الساعة، إحدى أبرز ساحات مدينة إدلب. ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية «سيساعدنا توفير الكهرباء كثيراً، ونعد حالياً أصنافاً كنا قد استغنينا عنها» في السنوات الأخيرة.
ويضيف الشاب الذي كان يعتمد على الاشتراك بمولدات خاصة لتوفير الكهرباء لساعات محددة في مقابل كلفة مادية مرتفعة «كنا نحضر صنفاً أو اثنين من قوالب الحلوى، لكننا بدأنا الآن ننوعها أكثر ونملأ براداتنا لأننا قادرون على تشغيلها»، مشيراً إلى حلوى الإكلير والتشيز كايك، وسواها. وبينما يدخل زبائن إلى محلّه، يوضح «عصب مصلحتي هي الكهرباء، ومن دونها لا أستطيع العمل».
ويعود ذلك لبدء شركة «غرين إنيرجي» الخاصة منذ مطلع مايو (أيار) باستجرار الكهرباء من تركيا لتغذية المدن والبلدات الكبرى، بعد حصولها وفق القيّمين عليها، على موافقة السلطات التركية وحكومة الإنقاذ، السلطة المحلية العاملة في مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» وفصائل أخرى في إدلب ومحيطها.
على غرار أبو عماد، باتت المؤسسات التجارية والمرافق الخدمية في مدينة إدلب ومناطق في ريفها قرب الحدود التركية تحظى منذ مطلع الشهر الحالي بتغطية تتجاوز 15 ساعة يومياً، بينما تنعم المنازل بالتيار لعشر ساعات على الأقل.
في شوارع عدة في مدينة إدلب، تنتشر ورش وعمال صيانة يرتدون سترات صفراء تحمل اسم الشركة. يعاين بعضهم خطوط الكهرباء ويمدون خطوطاً أخرى بينما ينهمك آخرون في تزويد المنازل والمؤسسات والمرافق الخدمية بالعدادات.
ويوضح المدير التنفيذي للشركة، أسامة أبو زيد، لوكالة الصحافة الفرنسية، أن العمل بدأ في مرحلة أولى بإنشاء محطة تحويل في الجانب التركي، تولّت الحكومة التركية تجهيزها. وفي مرحلة ثانية، أنشئت محطة استقبال في مدينة حارم، تكفّلت الشركة بتجهيزها.
وتستخدم الشركة حالياً «الشبكات العامة وتلك الخاصة بالمولدات ريثما يتم تجهيز مراكز وشبكات المنخفض الخاصة» بها. وتعمل على تزويد «المرافق الخدمية كمحطات مياه والمنشآت الصحية والمشافي كذلك الأمر تمّ تغذية عدد من الأفران والمراكز الخاصة بمؤسسات الحبوب كالصوامع والمطاحن».
وتقتصر التغذية حالياً على المدن «ذات الكثافة السكانية الأعلى»، كإدلب، وحارم، وسرمدا والدانا، وسواها وفق أبو زيد، على أن يتم تأمين الكهرباء لبقية المناطق بعد تجهيز الشبكات وخطوط الإمداد اللازمة.
وتسعر الشركة الأمبير الواحد بخمسين ليرة تركية، العملة المتداولة في مناطق النفوذ التركي في شمال وشمال غربي سوريا. ويمكن للمواطنين شراء بطاقات مسبقة الدفع. وكانت حكومة الإنقاذ أقرت التعامل بها قبل عام على وقع تدهور سعر صرف الليرة السورية.
وتعود كل العائدات المالية وفق أبو زيد للشركة «كونها في مرحلة تأسيسية وتأخذ على عاتقها إعادة تأهيل كافة خطوط المتوسط والمراكز التحويلية وشبكات المنخفض».
وينفي أن يكون للسلطات المحلية أو الفصائل النافذة أي حصّة من العائدات. ويقول «نحن شركة مزودة ولا يوجد أي تبعية لحكومة الإنقاذ» التي يقتصر عملها على ملاحقة ما قد «تتعرض له الشبكات والمراكز التحويلية والكابلات الأرضية من أضرار وتعديات... ومحاسبة» المتورطين.
ينفي أبو زيد أي ارتباطات أو تبعية سياسية للشركة. ويقول «تأمين مصدر للطاقة يعني انتعاشاً اقتصادياً خدمياً لمناطق الشمال السوري المحرر».
وتحظى تركيا بنفوذ متزايد في مناطق في محافظة حلب (شمال)، سيطرت عليها تدريجاً بموجب هجمات عسكرية عدة شنتها منذ العام 2016. على غرار مدن جرابلس وأعزاز وعفرين. وإلى جانب رعايتها مجالس محلية أنشأتها لإدارة تلك المناطق وتواجد عسكري لقواتها، ضاعفت تركيا استثماراتها في قطاعات عدة. وتتواجد فيها مكاتب بريد واتصالات وتحويل أموال تركية ومدارس تعلّم باللغة التركية.
أما في إدلب ومحيطها، حيث تخضع المنطقة الخارجة عن سيطرة دمشق لاتفاق تهدئة مع روسيا، أبرز داعمي دمشق، فيبدو النفوذ التركي أقل رغم محاذاتها للحدود. رغم ذلك، تقدّم منظمات تركية غير حكومية الدعم وتنفّذ العديد من المشاريع، من بينها بناء وحدات سكنية تحلّ مكان المخيمات العشوائية.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن مدير هيئة الإغاثة التركية بولنت يلدريم في مايو، أنّ منظمته شيّدت نحو 15 ألف وحدة بمساحة 24 متراً مربعاً، بينما تخطط كل المنظمات العاملة في هذا الإطار لتشييد 50 ألف وحدة جديدة.
ويقول باحثون في «مجموعة الأزمات الدولية»، إن «استثمار» تركيا في إدلب «على المستوى العسكري أو المالي» يهدف بالدرجة الأولى إلى منع تدفق موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى أراضيها، حيث تستقبل نحو 3.6 ملايين لاجئ. ويضيفون، أنه ليس لدى أنقرة إمكانات «اقتصادياً أو سياسياً لاستيعاب موجة جديدة من اللاجئين»، وبالتالي فإن ما ترغب في تحقيقه على المستوى الاستراتيجي هو «الحفاظ على الوضع الراهن وإبقاء السوريين في إدلب على الجانب الآخر من الحدود».



فرض إتاوات في صنعاء على العاملين بقطاع الكهرباء الخاصة

مبنى وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)
مبنى وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)
TT
20

فرض إتاوات في صنعاء على العاملين بقطاع الكهرباء الخاصة

مبنى وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)
مبنى وزارة الكهرباء والطاقة اليمنية الخاضعة للحوثيين في صنعاء (إعلام محلي)

لم تكتفِ الجماعة الحوثية بفصل مئات الموظفين من أعمالهم في قطاع الكهرباء العمومية في العاصمة المختطفة صنعاء بعد حرمانهم منذ سنوات من رواتبهم، بل وسَّعت من حجم ذلك الاستهداف بإجراءات تعسفية جديدة تضيق على عملهم في قطاع الكهرباء التجارية الخاصة.

وكشفت مصادر مطلعة عن صدور تعميمات حوثية تُلزِم ملاك محطات توليد الطاقة التجارية في صنعاء وضواحيها بتقديم كشوف تفصيلية تحوي أسماء وبيانات جميع العاملين لديها، ممَّن كانوا ينتسبون قبل تسريحهم من وظائفهم إلى وزارة ومؤسسة الكهرباء الحكومية.

وكان كثير من مهندسي الكهرباء، وهم من ذوي الخبرات بمجال الطاقة الكهربائية لجأوا إلى العمل في محطات توليد الكهرباء التجارية بصنعاء ومدن أخرى، من أجل تأمين العيش، خصوصاً بعد مصادرة الجماعة رواتبهم منذ سنوات عدة.

ويسعى الانقلابيون من وراء ذلك التحرك، بحسب المصادر، إلى ابتزاز أصحاب محطات الكهرباء التجارية، وإرغامهم على دفع أموال تحت مسمى «بدل خبرات وكفاءات» عن كل موظف أو مهندس ممَّن سبق للجماعة أن فصلته من وظيفته، وحلت بآخر من أتباعها مكانه.

عنصر حوثي خلال تفقده عداداً كهربائياً في صنعاء (إعلام حوثي)
عنصر حوثي خلال تفقده عداداً كهربائياً في صنعاء (إعلام حوثي)

وأفادت المصادر بأن ما تُسمى «وزارة الكهرباء» بالحكومة الحوثية غير المعترف بها دولياً والمؤسسة التابعة لها، تتهمان مُلاك محطات توليد الطاقة التجارية في صنعاء، بسرقة أصحاب الكفاءات والخبرات الذين كانوا ينتسبون إليهما، كما تزعم بأنها أنفقت الأموال في سبيل إقامة دورات وبرامج تدريب لمَن كانوا ينتسبون إليها، قبل أن تقوم الجماعة بتسريحهم من أعمالهم.

وكانت الجماعة أقدمت قبل سنوات على تسريح نحو 1000 موظف ومهندس وعامل من وظائفهم في مؤسسة الكهرباء وديوان عام الوزارة في الحكومة غير الشرعية بصنعاء، بذريعة عدم التزامهم بحضور دورات التعبئة والتطييف.

تضييق وحرمان

يبدي أمين، وهو اسم مستعار لمهندس سابق في مؤسسة الكهرباء الخاضعة للجماعة الحوثية بصنعاء، استنكاره للتحرك الذي يهدف لابتزاز ملاك المحطات التجارية، بالإضافة إلى قطع أرزاق العمال وحرمانهم من العمل في القطاع الخاص.

وذكر أمين، الذي يعمل بمحطة تجارية في مديرية معين، أن مندوبين حوثيين أبلغوا مالك المحطة خلال نزولهم الميداني، بوجود تعليمات تطالبهم بتقديم بيانات تفصيلية عن العاملين من منتسبي قطاع الكهرباء العمومي، تشمل أرقامهم، وأماكن سكنهم، وحجم المستحقات المالية التي يتقاضونها.

مبنى المؤسسة العامة للكهرباء الخاضعة للجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)
مبنى المؤسسة العامة للكهرباء الخاضعة للجماعة الحوثية في صنعاء (فيسبوك)

ويعتقد المهندس أن الجماعة تنوي ابتزاز محطات الكهرباء الأهلية وإرغام أصحابها على دفع إتاوات عن كل مهندس أو موظف يعمل لديها، وكان ضمن المنتسبين إلى قطاع الكهرباء العمومي الخاضع لها.

ويقول عاملون آخرون في محطات تجارية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة تريد تجويعهم والتضييق عليهم رداً على رفضهم المشارَكة ببرامج تعبوية تقيمها الجماعة لجميع فئات المجتمع.

من جهته أكد مالك محطة كهرباء تجارية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، إلزامه من قبل عناصر حوثيين قبل أيام بدفع مبلغ مالي عن كل مهندس أو عامل تم تسريحه في أوقات سابقة من مؤسسة الكهرباء العمومية.

وسبق للجماعة أن نفَّذت قبل أسابيع قليلة حملات تعسف طالت عشرات المحطات التجارية في المنطقتين الثانية والثالثة في صنعاء، بحجة عدم التزام ملاكها بالتسعيرة المقررة، وإلغاء ما يُسمى «الاشتراك الشهري».

كما أقدم الانقلابيون الحوثيون في منتصف 2018 - ضمن مساعيهم الحثيثة لخصخصة المؤسسات الحكومية بمناطق سيطرتهم - على خصخصة محطات الكهرباء الحكومية، حيث حوَّلوها إلى قطاع تجاري خاص.