انشغل قطاع واسع من السياسيين والقيادات المحلية في ليبيا بقرار رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، تخصيص مبلغ 500 مليون دينار للإنفاق على البلديات من الميزانية العامة للدولة لأسباب عدة، من بينها عدم التقيّد بخطة للإنفاق.
وكان الدبيبة قد صرح خلال مشاركته في الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للإدارة المحلية بالعاصمة طرابلس أن «كل عميد سينال صُرة يصرف منها على بلديته... هي ليست مبالغ كبيرة واحسبوها عيدية». لكن آراء الليبيين تباينت كثيراً حول هذه الخطوة، بين مؤيد لها، ومعارض للفكرة من الأساس بحجة أنها قد «تفتح بابا للفساد»، بحسب قول بعض الرافضين.
وقال عميد بلدية طرابلس المركز، إبراهيم الخليفي، إنه «لم يُصرف للبلديات أي مخصصات منذ عام تقريباً، وبالتالي فهذه المبالغ ضرورية لعلاج الأزمات الطارئة فقط، مثل المياه والصرف الصحي والطرق»، مؤكداً أنها «ليست بديلاً عن خطط التنمية الموضوعة من أغلب المجالس البلدية، والتي تحتاج لميزانية أكبر».
وبخصوص عملية توزيع المخصصات، أضاف الخليفي في تصرح لـ«الشرق الأوسط» أن المبالغ «ستوزع على 120 بلدية طبقاً لمعايير المساحة وعدد السكان، وحصتنا نحن تقترب من 16 مليون دينار، سنوظفها في علاج أزمات المرور، والعمل على فتح مسارات وإنشاء طرق، إلى جانب دعم الأسر محدودة الدخل لشراء أضاحي للعيد ومواد غذائية».
في مقابل ذلك، قال المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي إنه «كان من الأفضل توظيف أي أموال في خطط موسعة ومدروسة، تضمن برامج دائمة بدلاً من الحلول التسكينية المؤقتة، التي لجأت لها الحكومة الراهنة، ومن قبلها حكومة الوفاق في التعاطي مع ملف تنمية البلديات»، مبرزاً أن «هذه الحلول لم يشعر بها المواطن وتبخرت سريعاً».
كما لمح المهدوي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الدبيبة «يستهدف مغازلة عمداء البلديات للاعتماد عليهم في المرحلة المقبلة إذا ما قرر الترشح للرئاسة»، ورأى أن ذلك «هو الدافع من وراء منحهم هذه الأموال دون تخصيص واضح، وهذا ما قد يفتح الباب للفساد»، فضلاً عما شهدته عملية التوزيع من «تمييز بين البلديات».
وفيما يتعلق بعميلة توزيع المخصصات، ذهب المهدوي إلى أن «أغلب مدن الغرب خصوصاً مصراتة، موطن الدبيبة، حصلت على حصص مهمة، كما حصلت بلدية بنغازي على نحو 40 مليون دينار في محاولة لترضية مواطنيها، بسبب عدم زيارة رئيس الوزراء لهم حتى الآن»، في حين «لم تتحصل بلديات الجنوب، منبع الثروات والأكثر تهميشاً، على حصص كافية».
من جانبه، رفض وكيل ديوان بلدية طبرق للشؤون المالية، مسعود الوهراني، الطرح السابق حول احتمال أن تفتح المبالغ المخصصة للبلديات «باب الفساد»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حديث رئيس الوزراء العفوي حول توزيع الأموال بدون حساب هو ما دفع البعض لترجمة الأمر، وتأويله بشكل خاطئ، والقول بأن هذه المبالغ لن تخضع لرقابة مالية ليس حقيقياً»، مبرزاً أن البلديات «تتمتع بأنظمة مراقبة مالية صارمة فيما يتعلق ببنود الإنفاق، إلى جانب خضوعها لأجهزة الدولة الرقابية المختلفة».
وأضاف الوهراني موضحاً «الوضع ليس مثالياً، وقد تحدث بعض التجاوزات في البلديات. لكنها تظل في إطار محدود جداً، وهذا يرجع لسهولة الإجراءات التي تكفل للمواطنين مساءلة أعضاء المجلس البلدي وعميده عن أوجه إنفاق الأموال، التي تم تخصيصها لبلدياتهم».
كما رأى الوهراني أن المبالغ التي سيتم اعتمادها حالياً «غير كافية لعلاج مجمل أزمات البلديات الضاغطة، لكنها أفضل من عدم تقديم أي شيء في ظل صعوبة الأوضاع الراهنة، وعدم إقرار الميزانية حتى الآن من مجلس النواب». مشيراً إلى أن بلديته طبرق، التي تضم 280 ألف نسمة، سيكون نصيبها ما يقارب 9 ملايين دينار فقط، بسبب ما تعانيه من مشاكل وأزمات تحتاج لحلها 59 مليون دينار.
من جانبه، أشار أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة، عبد الحميد فضيل، إلى أن القرار قد يكون محاولة من الدبيبة لإلقاء الكرة في ملعب البلديات، بعد تزايد شكاوى المواطنين من سوء الخدمات، واعتبر قرار الدبيبة جيداً إذا ما تم توظيف المبالغ بشكل سليم.
كما تحدث فضيل عن وجود رقابة مالية، لكنه قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «تقارير ديوان المحاسبة تشير لوقائع إهدار للمال العام ممنهج في كل مؤسسات الحكومية، علماً بأن البلديات أقل فساداً». منتقداً طريقة توزيع هذه الأموال على البلديات، بقوله: «كان يجب توزيعها بالنظر لحجم تهالك البنية التحتية بها، بحيث تحصل البلدية الأكثر تضرراً على الحصة الأكبر، للبدء في التنمية المستدامة ومعالجة مشاكل البلديات بشكل حقيقي».
ميزانية البلديات تفتح باب الجدل في ليبيا إثر «عيدية» الدبيبة
بعضهم رأى أن اعتمادها من دون حساب «يساعد على ترسيخ الفساد»
ميزانية البلديات تفتح باب الجدل في ليبيا إثر «عيدية» الدبيبة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة