يعقد مجلس الأمن جلسة رفيعة المستوى، بعد ظهر اليوم (الخميس)، للنظر في التطورات المتعلقة بالقرار الأحادي لأديس أبابا بالشروع في المرحلة الثانية من ملء «سد النهضة» الإثيوبي الكبير على نهر النيل، من دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم اللتين تعدان الخطوة «تهديداً للأمن المائي والإقليمي».
ويناقش المجلس مشروع قرار قدمته تونس، يطالب بالتوصل إلى حل متوافق عليه من خلال التفاوض بين الدول الثلاث، برعاية الاتحاد الأفريقي. وخلال الجلسة التي يتوقع أن يشارك فيها وزيرا الخارجية المصري سامح شكري، ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، ومسؤولون آخرون من البلدين، من المقرر أن يقدم أحد المسؤولين الأممين الكبار من دائرة الشؤون السياسية وبناء السلام إحاطة حول هذا الملف، بالإضافة إلى إحاطة أخرى من المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن.
وبطلب من مصر والسودان، وبدعم من لجنة المتابعة العربية المكلفة بمتابعة ملف السد في الأمم المتحدة، وزعت تونس مشروع قرار على أعضاء المجلس، يطالب إثيوبيا بوقف عملية الملء الثاني لخزان السد، وعدم التصرف بشكل أحادي. ويطالب المشروع الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا باستئناف المفاوضات، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، داعياً الدول الثلاث إلى «وضع نص اتفاق ملزم في شأن السد خلال ستة أشهر، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يعرض عملية التفاوض للخطر»، ويحض أديس أبابا على الامتناع عن الاستمرار في تعبئة خزان السد من جانب واحد.
- شكري والمهدي
وتشهد نيويورك اجتماعات واتصالات مصرية وسودانية مكثفة حول السد، إذ اجتمع شكري مع مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وقال إنه أجرى اتصالين مع وزيري الخارجية الروسي والصيني، قبل اجتماعه مع مندوبَي الدولتين. وأفادت مصادر دبلوماسية بأن شكري أبلغ المندوبين الروسي والصيني بأنه «يجب على مجلس الأمن أن يدفع نحو التوصل إلى اتفاق ملزم في شأن أزمة ملء وتشغيل السد»، مشدداً على أهمية أن يضطلع مجلس الأمن بمسؤولياته للدفع قدماً نحو التوصل إلى «اتفاق عادل متوازن ملزم قانوناً حول ملء وتشغيل السد، على أن يُراعي مصالح الدول الثلاث، ولا يهضم الحقوق المائية لدولتي المصب».
وعقدت المهدي لقاءات منفصلة مع المندوبين الدائمين لبريطانيا والصين في مجلس الأمن، كما التقت المجموعة العربية المصغرة. وقالت المهدي لدى لقائها المندوب الصيني إن «السودان يتطلع لدور الصين المهم في المجلس لدعم اتخاذ خطوات تعزيز المسار الأفريقي من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم يراعي مصالح الأطراف كافة، وفي فترة زمنية محددة».
وأكد مندوب الصين، بحسب بيان للخارجية السودانية، أن بلاده «ستبذل مساعي داخل المجلس للوصول إلى نتيجة ترضي جميع الأطراف». وأشار البيان إلى أن مندوبة بريطانيا أكدت للوزيرة السودانية «اهتمام بلادها بتوافق الأطراف الثلاثة حول القضية».
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قد استبق الجلسة بإجراء اتصالات بفرنسا والنيجر وتونس وكينيا لحشد الدعم من الدول الأعضاء.
- الأمم المتحدة
وتزامنت هذه التطورات مع تعبير الأمم المتحدة عن مخاوف من أن يقود التصرف الأحادي إلى تقويض فرص التوصل إلى تسوية للأزمة. وقال الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك: «ندعم بقوة الدور الذي يضطلع به حالياً رئيس الاتحاد الأفريقي في تسهيل المفاوضات بين البلدان الثلاثة». وأضاف أنه «من المهم أيضاً ألا يكون هناك عمل أحادي من شأنه أن يقوض أي بحث عن حلول»، داعياً الجميع إلى «التزام المشاركة بحسن نية في عملية حقيقية». وأكد أنه «يجب أن تسترشد الحلول بالقدوة التي عثر عليها الآخرون الذين يتقاسمون الممرات المائية، والذين يتشاركون في الأنهار، والتي تستند إلى مبدأ الاستخدام المنصف المعقول، والالتزام بعدم التسبب في ضرر كبير».
- الموقف الأميركي
وحذرت واشنطن أيضاً من أن قرار ملء خزان السد سيؤدي إلى زيادة التوتر. فعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين بدوا أكثر تركيزاً في الوقت الراهن على الأزمة المتفاقمة في منطقة تيغراي الإثيوبية، حيث تتزايد التقارير عن «انتهاكات جسيمة وارتكاب فظائع» تستوجب إجراء تحقيقات دولية، قال الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، رداً على سؤال عن التطورات المتعلقة بالسد: «نواصل دعم الجهود التعاونية البناءة من الأطراف المعنية -وهي إثيوبيا ومصر والسودان- للتوصل إلى ترتيب دائم في شأن سد النهضة»، وأضاف: «نحن نتفهم بالطبع أهمية مياه النيل لجميع هذه البلدان الثلاثة، ونواصل تشجيع استئناف الحوار الذي نأمل في أن يكون مثمراً موضوعياً بناءً».
وأكد دعم الولايات المتحدة للعملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي من أجل «خفض التوترات، وتسهيل المفاوضات المثمرة، وتعزيز التعاون الإقليمي»، ودعا كل الأطراف إلى «الامتناع عن اتخاذ أي إجراء أحادي من شأنه أن يزيد تلك التوترات، ويضع مسافة أكبر بين ما نحن عليه الآن والتوصل إلى حل سلمي»، مشدداً على أنه «ينبغي على كل الأطراف الالتزام بحل تفاوضي مقبول من الجميع».
وعلى الرغم من هذه المواقف، تُصر أديس أبابا على ملءٍ ثانٍ للسد، بعد نحو عام على الملء الأول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مسبق، بينما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي ملزم لضمان سلامة منشآتهما المائية، واستمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل. وكانت إثيوبيا قد أعلنت، الأحد الماضي، عن رفع مستوى تأهب قواتها المنتشرة في منطقة السد لتأمين المرحلة الثانية من عملية ملئه.
- انتقاد عربي لإثيوبيا
ومن جهتها، رفضت جامعة الدول العربية رسالة إثيوبيا إلى مجلس الأمن التي قالت فيها إن تدخل الجامعة لدى المجلس والأمم المتحدة بشأن سد النهضة «غير مرغوب فيه». وحذرت الجامعة، في بيان لها على لسان مصدر مسؤول في الأمانة العامة، من أن تصرف إثيوبيا قد يقوض العلاقات بين الجامعة والاتحاد الأفريقي.
وقال المصدر إن «رسالة إثيوبيا تضمنت مغالطات كثيرة، لكن أخطر ما ورد فيها هو السعي الواضح إلى دق إسفين بين منظمتين إقليميتين طالما احتفظتا -في الماضي والحاضر- بأوثق العلاقات وأكثرها متانة».
وأشار إلى أن «تدخل الجامعة في موضوع سد النهضة يستند إلى قرارات صادرة عن مجلس الجامعة، وهو أمرٌ طبيعي منطقي، باعتبار أن القضية تؤثر على مصالح دولتين من أعضائها، هما مصر والسودان»، مؤكداً أن «مواقف الدولتين العادلة التي تُطالب باتفاق شامل مُلزم لملء وتشغيل خزان سد النهضة هي محل إجماع عربي».
مجلس الأمن يناقش اليوم أزمة «سد النهضة»
مشروع قرار تونسي... رفض أممي وأميركي لـ«أحادية» إثيوبيا ودعوة إلى حل تفاوضي مع مصر والسودان
مجلس الأمن يناقش اليوم أزمة «سد النهضة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة