مع تسريع عملية سحب القوات الأميركية والدولية من أفغانستان، وتأكيدات عدد من القادة العسكريين بأن العملية قد تنتهي في غضون أيام، أي قبل الموعد الرسمي الذي كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد حدده ليتزامن مع هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، تتحدث تقارير عن أن الأهداف الأميركية التي وضعت جراء اجتياح أفغانستان، قد لا تتحقق بتاتاً. لا، بل حذر قادة عسكريون أميركيون من أن البلاد قد تنزلق إلى حرب أهلية، على حد قول قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال سكوت ميللر، في ظل تحقيق مقاتلي «طالبان» مكاسب سريعة في ميادين المعارك. وكالة «بلومبرغ» ذكرت في تقرير لها، أن هذه المكاسب قد تعرض الجيش الأفغاني للانهيار، بعد توقف الغطاء الجوي الذي كانت تؤمّنه له القوات الأميركية، فضلاً عن مساعدته على صيانة معداته، بمجرد انسحاب آخر جندي أميركي، وهو الأمر الذي أكده المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي. يضيف التقرير، أن ما كان يصبو إليه المجتمع الدولي عبر منع تحول أفغانستان مرة أخرى إلى ملاذ للتنظيمات الإرهابية، تحيط به شكوك فعلية، في ظل احتفاظ حركة «طالبان» بعلاقات وثيقة مع كل من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، ويمكن أن يشكل ذلك تهديداً مجدداً للولايات المتحدة في غضون أقل من عامين. وقد تنخفض هذه المدة الزمنية حال سقوط حكومة كابول في قبضة «طالبان» أو انزلاق البلاد إلى أتون حرب أهلية. وفي حين تواصل القوات الأميركية انسحابها، لم تقدم وعود الرئيس الأميركي جو بايدن لنظيره الأفغاني أشرف غني في لقائهما في البيت الأبيض بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية، أي ضمانات بعدم حصول سيناريو الانهيار.
بايدن وعد بمساعدات إنسانية بقيمة 266 مليون دولار وأخرى أمنية بقيمة 3.3 مليار دولار. لكن غني الذي أعرب عن شكره لا يمكنه أن يعيش في الأوهام. فالولايات المتحدة تغادر البلاد وهو في حالة ضعف شديد، حتى ولو لم تتقطع فيه السبل في الوقت الحالي. وسوف تتقلص قدرة واشنطن على التأثير في الأحداث بمجرد اكتمال الانسحاب الرسمي. وبحسب التقرير، فإنه بدءاً من الآن، يحتاج بايدن إلى أن يكون واضحاً بالنسبة لما سيحدث من أمور سيئة، في الوقت الذي يبذل فيه قصارى جهده للتخفيف من الضرر الحتمي. ومن دون وجود أميركيين على الأرض، سوف يفقد رجال المخابرات أي اتصال مباشر بالأشخاص الذين يزودونهم بالمعلومات، ولن تتمكن قوات العمليات الخاصة من شن غارات إلا في حالات نادرة. ومن المرجح أن يكون أي وصول إلى قواعد في بلدان مجاورة مقيداً بشدة. من جهة أخرى، سوف يستغرق القيام بمهام جوية انطلاقاً من الخليج وقتاً أطول مما يقلص بشكل كبير الوقت الذي يمكن أن تقضيه الطائرات فوق الهدف. وتابع التقرير، أن تمركز حاملة طائرات قبالة السواحل سوف يحد من القدرات في أماكن أخرى؛ إذ إن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تستطيع الولايات المتحدة، في ظل مثل هذه القيود، أن تحمي مصالحها الحيوية. وكما أشار أحد كبار القادة الأميركيين بالفعل، فإن ذلك يعني على الأرجح قصر الأهداف على الكيانات التي تشكل تهديداً على المستوى العالمي مثل «القاعدة» وتنظيم «داعش». وحتى في ذلك الوقت، لن تكون الولايات المتحدة لديها القدرة على الحفاظ على ممارسة الضغط الدائم على مثل هذه الجماعات مثلما تفعل الآن.
في المقابل، هناك من يشير إلى أن قرار الانسحاب الأميركي الاستراتيجي من أفغانستان سيلقي بكرة «النار» على اللاعبين الإقليميين، لتتحول مشكلة الإرهاب إلى قضية محلية وإقليمية على حد سواء، مع وجود لاعبين كثر، يستعدون لملء الفراغ المسموم، من باكستان إلى إيران وروسيا والصين وحتى الهند. يقول تقرير الوكالة، إنه لتفادي هذه الأخطار، تدرك تلك البلدان أنه مهما كانت خلافاتها مع الولايات المتحدة، فهي عرضة بالمثل، إن لم يكن أكثر، للهجمات التي تنطلق من أفغانستان. وبمجرد خروج القوات الأميركية من المنطقة، يتعين عليها أن تكون أكثر استعداداً لدعم جهود مكافحة الإرهاب المحددة الأهداف. وإذا كانت أولوية الولايات المتحدة وحلفائها هي تفادي حصول هجمات إرهابية عليها، يتعين على تلك البلدان التوصل إلى ترتيبات أكثر رسمية لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة، لتدمير القواعد ومعسكرات التدريب التي ربما يتجمع فيها المجندون. وحتى تحقيق تلك الأهداف الأكثر تواضعاً سوف يتطلب مصادر جديدة لمعلومات استخباراتية يتعين تطويرها بسرعة. كما يتعين على الولايات المتحدة أن تستثمر الآن في زيادة القدرات الأفغانية، وأن تعمّق العلاقات مع الأشخاص أصحاب النفوذ المحليين وقادة المجموعات العرقية، الذين لديهم أسبابهم الخاصة لمعارضة المتطرفين الأجانب. وبإمكان تلك الدول المجاورة أيضاً أن تبذل المزيد من الجهد لمنع حدوث انهيار في أفغانستان يتيح للجماعات المتطرفة بأن تزدهر، ناهيك عن دفع اللاجئين والمخدرات والإرهابيين عبر حدودها. وذكرت «بلومبرغ»، أنه يتعين على الولايات المتحدة الضغط على تلك الدول لاستخدام نفوذها مع وكلائها الأفغان، بما في ذلك «طالبان» لإحياء عملية السلام المتوقفة بين الأفغان. ويتعين على القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن تقوم بتدريب القوات الأفغانية خارج البلاد، مع ممارسة الضغط للقيام بإصلاحات لتأسيس جيش أقل حجماً وأكثر استدامة. والأمر الأهم من ذلك، هو أنه يتعين عليهما مساعدة الحكومة الأفغانية على دفع المال للشركات المعنية للحفاظ على قوتها الجوية، والتي من دون ذلك قد تصبح عديمة الفاعلية في غضون أشهر.
وينهي التقرير بالتحذير من غياب الوضوح بعدما أدى قرار الولايات المتحدة بتسريع عملية الانسحاب، إلى انتشار المخاوف والشكوك في كل دوائر الحكومة والجيش والمجتمع في أفغانستان، وحدوث مزيد من الارتباك الذي سيقود فقط إلى زيادة الخطر المتمثل في قيام «طالبان» بتحقيق انتصارات سريعة، قائلاً، إن ترك أفغانستان لمصيرها يمثل بالفعل خيانة شائنة، كما أن تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأكثر ولاءً هناك سيترك وصمة عار أخلاقية ربما لا تتمكن من محوها مطلقاً.
تسريع الانسحاب الأميركي يترك أفغانستان لمصيرها... وكرة النار في ملعب جيرانها
تسريع الانسحاب الأميركي يترك أفغانستان لمصيرها... وكرة النار في ملعب جيرانها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة