تراجع الكهرباء في العراق... والحكومة تتهم «مخربين» باستهداف أبراج الطاقة

البصرة تعطل أسبوعاً... وإسفلت الشوارع في بغداد يقترب من درجة الغليان

TT

تراجع الكهرباء في العراق... والحكومة تتهم «مخربين» باستهداف أبراج الطاقة

يشهد العراق هذه الأيام موجة حر غير مسبوقة، خاصة في محافظات وسط وجنوب البلاد، فاقم من حدتها التراجع الكبير في مستويات تجهيز الطاقة الكهربائية إلى منازل المواطنين، ليصل في بعض الأحيان إلى نحو 8 ساعات فقط في اليوم الواحد في العاصمة بغداد؛ ما أثار استياء المواطنين.
وبعد ظهر أمس، أعلنت دائرة توزيع كهرباء محافظة ميسان عن حدوث «إطفاء عام بالمنظومة الكهربائية في محافظات الجنوبية، ميسان والسماوة وذي قار والبصرة»، وأكد مسؤول آخر في محافظة ذي قار الخبر، وقال إن «أسباب الإطفاء غير معروفة». وأعلنت أكثر من محافظة جنوبية، أمس، تعطيل الدوام الرسمي في الدوائر الحكومية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة التي واصلت ارتفاعها مؤخراً، ويتوقع أن تتجاوز الـ50 درجة مئوية في الأيام المقبلة في بعض المحافظات، ويقول المتنبئ الجوي صادق عطية: إن «درجة الحرارة في أحد شوارع بغداد، تجاوزت، أمس، الـ73 درجة مئوية».
وإلى جانب الغليان المناخي شديدة الوطأة على السكان والحكومة، تواجه الأخيرة سلسلة متواصلة من الضغوط والتحديات الخدمية والسياسية، خاصة بعد موجة التصعيد الأميركي الأخير ضد الفصائل الحشدية الموالية لإيران، واقتراب موعد الانتخابات النيابية العامة؛ ما دفعها إلى اتهام جماعات وصفتها بـ«التخريبية» بالوقوف وراء استهداف أبراج الطاقة في محافظة صلاح الدين ومدن أخرى بهدف إحراج حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي التي تقول، إنها حققت نجاحاً نسبياً في ملف الطاقة في السنة الأخيرة.
وفي اجتماعه أول من أمس ناقش المجلس الوزاري للأمن الوطني الذي يرأسه الكاظمي بإسهاب أزمة الكهرباء الخانقة وعمليات الاستهداف التي تتعرض لها خطوط الطاقة الكهربائية. وقال المجلس في بيان «في الوقت الذي بدأ إنتاج الطاقة الكهربائية بالارتفاع ووصل إلى أكثر من 20 ألف ميغاواط، وهو الأعلى في تأريخ الدولة العراقية، فضلاً عن الطاقة المستوردة، من أجل توفير الطاقة الكهربائية للمواطنين، فإن هناك مجاميع تخريبية وإرهابية تسعى لإرباك الأوضاع باستهدافها المحطات والأبراج؛ ما تسبب بفقدان الطاقة المجهزة للمناطق في بغداد والفرات الأوسط، وفاقم من معاناة المواطنين». وفي مجال «تبريره» لأزمة الطاقة الأخيرة، ذكر المجلس أن «الشبكة الوطنية تحتوي على 46 ألف برج، وإن كلفة إصلاح كل برج متضرر تصل إلى 30 مليون دينار، كما أن هناك مستحقات متأخرة للمستثمرين بالمليارات، وللدول التي نستورد منها الطاقة والغاز، وأن هذه المستحقات لم يجر تضمينها في الموازنة، حيث تعرّضت بعض التخصيصات إلى الحذف خلال المناقشة البرلمانية».
وفي حين سرت، أمس، أنباء غير مؤكدة عن تقديم وزير الكهرباء ماجد حنتوش استقالته وقبولها من قبل رئيس الوزراء، عزا المتحدث باسم الوزارة أحمد العبادي أزمة الطاقة إلى «استمرار انحسار إطلاقات وقود الغاز المجهز لمحطات الطاقة من إيران وزيادة الأحمال والطلب على التيار واقتران ذلك بارتفاع درجات حرارة الجو، فضلاً عن عدم التزام المحافظات بالحصص المقررة لها». وفيما يتعلق بالاستهدافات التي تتعرض لها أبراج نقل الطاقة، أكد العبادي، أن «الوزارة سجلت في الـ10 أيام الماضية استهداف 31 خطاً ناقلاً للطاقة».
من جهة، أخرى، قررت الحكومة المحلية في محافظة البصرة جنوب البلاد التي تعرف بشدة الرطوبة وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، تعطيل الدوام الرسمي للدوائر الحكومية كافة المرتبطة بالمحافظة، باستثناء الصحة والدوائر الخدمية والأمنية. وقال محافظ البصرة أسعد العيداني في تصريحات، إن «العطلة ستبدأ اعتباراً من يوم غد (أمس/الثلاثاء) ولمدة أسبوع، ومن ثم يكون الدوام إلى الساعة الواحدة ظهراً أو الثانية عشرة ظهراً بسبب ارتفاع درجات الحرارة».
وحذت محافظتا النجف والديوانية، أمس، حذو محافظة البصرة، لكنهما قررتا تعطيل الدوام في يوم الخميس فقط من كل أسبوع، لحين عودة الأوضاع المناخية ودرجات الحرارة إلى معدلاتها الطبيعية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.