Possessor
**
> إخراج: براندون كروننبيرغ
> بريطانيا - كندا | رعب (2021)
«تملّك» هو فيلم رعب دموي وعنيف والأول للمخرج براندون كروننبيرغ، ابن المخرج المعروف ديفيد كروننبيرغ. الابن يبدأ من حيث بدأ الأب. ففي السبعينات أنجز ديفيد أفلام رعب متوالية تتميّز بالدموية والعنف ذاتيهما مثل Shivers وRabid وThe Brood... إلخ في تلك الفترة كان هناك عدّة مخرجين متحلّقين حول هذا النوع من السينما بينهم جورج أ. روميرو (أفضلهم) ولاري كوهن وتوب هوبر وجون كاربنتر. أفلام ديفيد كروننبيرغ كانت الأكثر استعراضاً لتشوّهات الجسم وحالات تمزّق الأعضاء أو خروج الوحوش من أبدان البشر.
يستبدل براندون التشوّهات الخارجية التي انصب عليها هوى أبيه بالتشوّهات الداخلية. لكن العنف ودموية التفاصيل البدنية المعروضة تشبه ما مارسه الأب في زمنه. ما يستند عليه «تملّك» في هذا النطاق مسألة استباحة العلم الحديث لاستبدال الأجنّة وخلق شخصية مختلفة داخل الجسم ذاته. ليست الفكرة جديدة على صعيد السينما ولا المهام الموكلة لها كذلك، لكن الفيلم يستعير مادته مما بات محط أبحاث وتجارب فعلية في علم الخلايا والأجنّة.
نحن مقبلون، حسب «تملك»، على نجاح العلم التكنولوجي الحالي بزرع شخصية قاتل في ضحية عادية وتوجيهها لأغراض القتل والاستحواذ والتخريب. طريقة ذلك إجبار الضحية على الاستجابة لحقن الرأس بإبرة تحتوي على ما يلزم لهذا التلقيح (يبدأ الفيلم هكذا ثم تتكرر مشاهد حقن الرأس). بعد ذلك يتوقع المشاهد قيام الشخصية التي تم حقن دماغها ارتكاب الجرائم التي تؤمر بها.
يؤمّ المخرج هذا العرض بعنف زائد عن الحاجة مازجاً بين التشويق والرعب، وذلك المستوى من الخيال العلمي. يرتفع النبض قليلاً عندما تشعر بطلة الفيلم تاسيا (أندريا رايزبوروف) أنها لم تعد قادرة على العودة إلى هويتها الخاصة. خلل يضعها في منطقة لا أحد. هناك عناوين عريضة وتحديد مفقود. أسئلة تتناهى ويتم التغاضي عن إجاباتها. وغموض ناتج عن قصور في المعطيات والأهداف وليس عن تشويق فعلي.
تصوير كريم حسين (الذي يكشف فيلموغرافه عن أن غالبية ما سبق من أعماله هو في إطار سينما الرعب) أقرب إلى لوحات سوداء. الفارق بين تصوير معتّم استجابة لشروط المشهد وبين أن التعتيم الساري على الفيلم بأسره لا يبدو أثار اهتمام صانعي الفيلم. في المقابل فإن اختيارات المخرج من تصاميم الأمكنة وشغله على التنفيذ بأسلوبية مثير للاهتمام من بداية الفيلم حتى نهايته (مهرجان ترايبيكا حالياً).
Never Gonna Snow Again
***
> إخراج: مالغورزاتا شوموڤسكا
> بولندا | كوميديا ساخرة (2020)
من بيت في ضاحية برجوازية إلى آخر ينتقل زينيا (أليك أغوف) ليمارس مهنته في تدليك الأجساد المختلفة لمجموعة من سيدات المنازل اللواتي يرتحن لوجود غريب في البيت يعالجهن من أسباب التعب ويمدهن، عبر التدليك، بالراحة الجسدية والعصبية. لكن تدليك زينيا ليس وقفاً على الأجساد وحدها، بل هو قادر على الذهاب إلى ما بعد. يدخل في الذوات الخاصة بزبائنه ويبدو قادراً على معالجة علل في حياة كل منهم نفسية وعاطفية.
زينيا أوكراني وفي مطلع الفيلم نراه يجتاز الحدود صوب بولندا وسريعاً بعد ذلك يقوم بتدليك رأس الضابط الذي توجه زينيا إليه لمنحه حرية العمل والإقامة. هل مارس عليه تنويماً مغناطيسياً يبدو زينيا قادراً عليه أيضاً؟ محتمل. ها هو يسير حاملاً عدّته وداخل بيوت الناس في ذلك الحي الراقي الذي يبدو قريباً من حي فيلم تيم بيرتون في «إدوارد سيزرهاندز» (1990). هناك يقوم جوني دب بقص النباتات وتجميلها في بيوت وحدائق الرخاء. هنا يقوم المهاجر الأوكراني بالتعامل مع نباتات آدمية من النساء و(بعض الرجال) وبالصورة الكوميدية الساخرة ذاتها مع إضافة بعد يتمتع به عنوة عن فيلم بيرتون وهو البعد الاجتماعي والدلالات الرمزية لذلك المداوي باللمس والتنويم. فالمجتمع الذي يعمل زينيا فيه مرفّه، يشعر بالذنب ولا يعترف، وكثير الشكوى من الحياة ومن فيها. بعض الشكاوى تطال أفراد العائلة وبعضها تطال الآخرين كما تعلن إحداهن موقفها الازدرائي من المهاجرين قبل أن تضيف «لكنك تختلف طبعاً».
زينيا هو واحد في كل المواقف. شخصية غامضة التاريخ وغامضة النوايا. أداة الفيلم ليبحر في ذلك المجتمع الذي يسكن منازل من زجاج رقيق. أليك أغوف لديه حضور مناسب للدور الذي يؤديه. لا يفتر وجهه عن تعابير ولا ينطق بما يفصح عن نواياه وسريرته. والمخرجة تتعمّد إبقاءه على هذه الحالة وتوظيفه لنبش الحال الاجتماعي لأناس وضعوا خنادق بين مجتمعهم ومجتمعات الآخرين (جوائز الفيلم البولندي، مهرجان غوتبيرغ)
Ballad of a White Cow
***
> إخراج: مريم موغدام، بهتاش سنيها
> إيران | دراما اجتماعية (2020)
البقرة موجودة في العنوان كما في المشهد الأول عندما تزور بطلة الفيلم مينا (مريم موغدام) زوجها المحكوم عليه بالإعدام قبل تنفيذ الحكم به. لقد رفض القضاء التماساته وتأكيداته بأنه لم يرتكب جريمة القتل التي حكم عليه بسببها بعدما فبرك أحد الشهود أقوالاً كاذبة أدّت لصدور القرار.
إذ تعود مينا وابنتها الصغيرة إلى منزلها يتقدّم رجل غريب (علي رضا سانيفار) مدّعياً أنه مدين للراحل ببعض المال ويريد سداده. يخفي الغريب أنه القاضي الذي أبرم حكم الإعدام وأنه لا صحة لادعائه بأن الزوج أدانه مالاً في حياته. في بال الرجل، وقد أدرك خطأه، أن يعالج، عبر مساعدة الأرملة، معالجة ذلك الخطأ بمساعدتها على تدبير شؤون حياتها. يؤجرها منزلاً يملكه ويساعدها في تأمين انتقالها إليه ويقودها بسيارته إلى المصنع الذي تعمل فيه تارة ومنه تارّة أخرى. وعندما يرفع والدها قضية لانتزاع حضانة ابنتها الصمّاء البكماء (آفين بور راووفي) منها يتصل القاضي بمعارفه في المحكمة لرد الدعوة المرفوعة. ستكتشف مينا حقيقة الرجل لاحقاً وستدعوه لموعد على العشاء ينتهي (كما الحال في فيلم محمد خان، 1981) بتسميمه.
ضمير القاضي من النوع النادر هو شخص صادق (استقال من منصبه بسبب خطأه) ولا نيات مبيّتة عنده. في وسط الفيلم يصبح الحال كما لو أنه حل محل الزوج كرب للعائلة. ثم هناك مشهد يقترح احتمال أن تكون مينا دخلت غرفته لكي تمارس الحب معه ذات ليلة.
للفيلم معطياته التي تجعل النقد غير المبطّن للقضاء الذي يخفق في تحقيق العدالة في إيران واضح وواقعي. وهناك سعي للذهاب إلى أقصى ما تسمح به الرقابة من تصوير مجتمع قائم على فقدان العدالة حتى في الطريقة التي يتعامل فيها الأفراد بين بعضهم بعضاً.
لجانب نقد قانون الإعدام وخطأ القضاء هناك أيضاً نقد لوضع المرأة في ظروف العوز الاجتماعي مع تجمع طبقات من المشاكل. في النهاية مينا (وتمثيل مريم موغدام متماسك) هي ضحية في غمار فيلم يبدأ بوتيرة أعلى مما ينتهي إليه. يتبلور كعمل آخر من تلك الدراميات الآمنة التي أمّتها السينما الإيرانية لكن من دون تغليب أسلوب فني على المادة المعالجة بلا شوائب تُذكر (عروض مهرجان قابس التونسي).