الانتخابات التشريعية تفشل في إطلاق «جزائر جديدة» وعد بها تبون

سجلت امتناع 77 % عن التصويت... وتكريس هيمنة الأحزاب التقليدية

الانتخابات التشريعية عرفت مقاطعة أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين (أ.ف.ب)
الانتخابات التشريعية عرفت مقاطعة أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين (أ.ف.ب)
TT

الانتخابات التشريعية تفشل في إطلاق «جزائر جديدة» وعد بها تبون

الانتخابات التشريعية عرفت مقاطعة أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين (أ.ف.ب)
الانتخابات التشريعية عرفت مقاطعة أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين (أ.ف.ب)

كرست الانتخابات التشريعية في الجزائر، التي قاطعها أكثر من ثلاثة من كل أربعة ناخبين، فوز الأحزاب الحاكمة منذ عقود، بعيدا عن التجديد الذي وعد به النظام، فيما اعتبره معارضوه «هروبا إلى الأمام».
فبعد 30 شهرا على بدء الحراك الشعبي المناهض للنظام، ورغم وعود بـ«جزائر جديدة» روج لها الرئيس عبد المجيد تبون، لن يختلف المجلس الشعبي الوطني، المنبثق عن انتخابات 12 يونيو (حزيران) الجاري، كثيرا عن برلمانات عهد عبد العزيز بوتفليقة، حسب بعض المحللين، بعد أن أظهرت النتائج المؤقتة، فوز حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر كتلة نيابية في البرلمان المنتهية ولايته، في انتخابات تميزت بامتناع تاريخي عن التصويت، بلغت 77 في المائة.
ونتيجة لذلك، يتوقع المحلل السياسي منصور قديدير أن يبقى «الوضع على حاله... ولا أعتقد أن هناك تجديدا»، حسب تعبيره.
وحلت «جبهة التحرير الوطني»، الحزب المرتبط بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، في المركز الأول أمام مجموعة متباينة من المستقلين والإسلاميين، والتجمع الوطني الديمقراطي، حليف السلطة منذ زمن. وبهذا الخصوص قالت أستاذة العلوم السياسية، لويزة دريس أيت حمادوش، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن النتائج المؤقتة «تظهر أن الرئيس فشل في حشد قاعدة اجتماعية مختلفة عن تلك التي كان يتمتع بها الرئيس السابق».
كنتيجة لذلك، يجد تبون نفسه اليوم أمام «مجلس بعدم شرعية مضاعفة... ومشاركة ضعيفة للغاية، وأحزاب سياسية فاقدة للمصداقية»، بحسب تعبير أيت حمادوش.
وتلقى بوتفليقة خلال فترة حكمه، بين 1999 و2019، دعم حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، والإسلاميين في حركة مجتمع السلم، بالإضافة إلى عدد قليل من المستقلين. ولذلك توقع مراقبون أن يشهد المجلس الشعبي الوطني الجديد التحالفات نفسها، خاصةً بعد أن كشفت «حركة مجتمع السلم»، التي غادرت التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة في 2012، أول من أمس، أنها مستعدة لدراسة أي عرض للانضمام إلى الحكومة.
ورأى المحلل السياسي إسماعيل دبش أن «فوز الأحزاب التقليدية يجد تفسيره في أن المرشحين فضلوا الاعتماد عليها لتحقيق الفوز». لكن هذا النجاح شابته نسبة مشاركة هي الأضعف في تاريخ الجزائر (23.03 في المائة)، بحسب أرقام رسمية من السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، حتى أن المحللين وصفوا الامتناع عن التصويت بأنه «أكبر حزب في الجزائر».
واعتبر الحراك، وجزء من المعارضة العلمانية واليسارية، اللذان وجها دعوة لمقاطعة الانتخابات، أن ما حصل «مهزلة انتخابية»، و«هروب إلى الأمام» من طرف النظام. وقد أثبتت نتيجة الاقتراع «صحة» ما يدينه الحراك، الذي قمعته السلطة بشدة، على ما أكدت آيت حمادوش بقولها إن «18 مليون جزائري الذين لم يصوتوا أثبتوا أن انعدام الثقة (في السلطة) أقوى من الحراك نفسه».
من جانبه، أكد المحلل السياسي، منصور قديدير، أن الانتخابات التشريعية «أعطت الحراك حجة كبيرة»، ورأى أن هذا «يعني أن كل ما تم ترديده في المسيرات كان صائبا، وأن النظام السياسي يرفض التغيير».
وهذه أول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر منذ اندلاع الحراك في 22 من فبراير (شباط) 2019، بشكل سلمي وغير مسبوق، ومن دون شخصية قيادية. وإذ أشار محللون إلى أن هذا الاقتراع يمثل الفشل الثالث لتبون بعد انتخابه بنتيجة ضعيفة نهاية العام 2019، والاستفتاء على الدستور في نوفمبر (تشرين الثاني)، الذي قاطعه الجزائريون، اعتبر آخرون أن الرئيس «بات الآن حر اليدين لتطبيق خريطة الطريق» الخاصة به.
ويبدو أن السلطة مصممة على «تطبيع» عمل المؤسسات، واستعادة السيطرة على الوضع بعد زلزال الحراك، لكنها تتجاهل مطالب الشارع، المتمثلة في دولة القانون، والانتقال الديمقراطي والسيادة الشعبية والقضاء المستقل. وبهذا الخصوص علق الكاتب الصحافي عابد شارف قائلا: «النتيجة خسارة كبيرة، مع سلطة تدور حول نفسها، وبلد راكد، ومجتمع غير منظم، ومؤسسات بلا محتوى، وحراك ممزق».
أما الخطوة التالية فقد تكون في تجديد الثقة في رئيس الوزراء الحالي عبد العزيز جراد لتشكيل حكومة جديدة، قبل الانتخابات المحلية المقررة في الخريف. لكن آيت حمادوش حذرت من أن «الصعوبة الأولى ستكون تشكيل حكومة متماسكة»، في الوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة.



هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

هل يتحول فيروس «الميتانيمو» البشري إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.