الجيش اللبناني ينتظر مساعدات دولية تعزز صموده في مواجهة الانهيار الاقتصادي

عناصر من الجيش اللبناني في بيروت (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني في بيروت (رويترز)
TT

الجيش اللبناني ينتظر مساعدات دولية تعزز صموده في مواجهة الانهيار الاقتصادي

عناصر من الجيش اللبناني في بيروت (رويترز)
عناصر من الجيش اللبناني في بيروت (رويترز)

يعوّل الجيش اللبناني، عشية مؤتمر دولي مخصّص لدعمه تنظمه باريس، على الحصول على مساعدات ملحّة، تمكّن عناصره؛ الذين فقدوا قيمة رواتبهم، من الصمود في مواجهة أزمة اقتصادية متفاقمة تعدّ من بين الأسوأ في العالم.
وبخلاف مؤتمرات دولية سابقة هدفت لدعم قدرات الجيش العسكرية وعتاده، ينظر «مؤتمر باريس» في توفير مساعدات عاجلة، تتضمن مواد غذائية وقطع صيانة، عادة ما تُخصص لدول غارقة في النزاعات أو تواجه كوارث طبيعية.
وقال مصدر عسكري لبناني لوكالة الصحافة الفرنسية، اليوم الأربعاء: «نحن بحاجة إلى مواد غذائية... إلى طبابة، وإلى دعم العسكريين» حتى «يستمر الجيش في ظل هذه الأزمة الاقتصادية». وأضاف: «يؤثر تدهور قيمة الليرة على العسكريين... لم تعد رواتبهم تكفيهم».
وعلى وقع أزمة اقتصادية متمادية، صنّفها البنك الدولي من بين الأكثر شدة في العالم منذ عام 1850، وسط شلل سياسي مزمن، لم تبق مؤسسة الجيش بمنأى عن تداعيات الانهيار وتدهور سعر الصرف الذي تجاوز هذا الأسبوع 15 ألف ليرة مقابل الدولار.
وأصبح راتب الجندي العادي يعادل أقل من مائة دولار مقارنة مع نحو 800 دولار قبل بدء الأزمة صيف عام 2019، واضطرت قيادة الجيش قبل عام إلى حذف اللحوم من وجبات العسكريين، قبل أن تعتمد تقشفاً كبيراً في موازنتها.
وتشارك نحو 20 دولة؛ من بينها الولايات المتحدة ودول الخليج ودول أوروبية عدّة، في المؤتمر الافتراضي، فضلاً عن ممثلين من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفق ما أوضحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي خلال اجتماع لمجلس الوزراء؛ الأربعاء.
وأوضحت مصادر بارلي أن الجيش اللبناني يواجه «منذ أشهر عدة... صعوبات في تأمين حاجاته الأساسية» المتعلقة بالغذاء وصيانة العتاد، عادّةً أن «ما يزيد من خطورة المشكلة هو أن الجيش اللبناني مؤسسة أساسية تحول دون تدهور الوضع الأمني في البلاد بشكل كبير».
ويناقش المجتمعون (الخميس) الشكل الذي ستتخذه المساعدات من تحويل أموال، أو إرسال سلع، فضلاً عن قسائم غذائية... وغير ذلك.
وقالت المصادر الفرنسية ذاتها إنّ الجيش اللبناني فصّل «حاجات محددة جداً» على صعيد المواد الغذائية من حليب وطحين وغيرهما، وأدوية، إضافة إلى قطع غيار لصيانة العتاد، ووقود. وتقدر قيمة الاحتياجات «بعشرات ملايين اليوروات».
ولن تشمل المساعدات، وفق باريس، شراء عتاد أو دفع رواتب، في وقت تشترط فيه الأسرة الدولية لتوفير أي دعم اقتصادي ومالي للبنان إجراء إصلاحات بنيوية لم تتبلور حتى الآن مع تعثر تشكيل حكومة.
وتعكس هذه الحاجات «الطابع الحرج» للوضع داخل المؤسسة العسكرية، التي حذّرت قيادتها مراراً من تداعيات ذلك على القيام بواجباتها العسكرية في حال ازداد الوضع سوءاً.
واستبق قائد الجيش جوزيف عون انعقاد المؤتمر (الخميس) بتأكيده (الثلاثاء) أمام عدد من العسكريين، وفق مقطع مصور نشرته قيادة الجيش على «تويتر»: «نقوم بالمستحيل حتى نخفف المعاناة والأعباء الاقتصادية عن العسكر».
وأضاف في معرض حديثه عن المؤتمر: «نضطر للالتجاء إلى الدول الصديقة من أجل الحصول على مساعدات، ولكن (مستعد لـ)أتوجّه (إلى آخر الدنيا) لأجلب مساعدات كي يبقى الجيش» صامداً.
ومنذ انفجار مرفأ بيروت الذي أوقع في 4 أغسطس (آب) الماضي أكثر من مائتي قتيل وأحدث دماراً واسعاً، يعتمد الجيش إلى حدّ كبير على مساعدات غذائية؛ أبرزها من فرنسا ومصر والولايات المتحدة وتركيا. كما قدّمت دول أخرى مساعدات طبية ووقوداً؛ بينها العراق.
وتعدّ الولايات المتحدة الداعم الأبرز للجيش، وقد زادت تمويلها بمقدار 15 مليون دولار هذا العام، ليبلغ الدعم الإجمالي 120 مليون دولار.
وازدادت مؤخراً حدة الأزمة الاقتصادية. ومنذ أيام، ينتظر اللبنانيون في طوابير طويلة أمام محطات الوقود، التي اعتمدت سياسة التقنين في توزيع البنزين والمازوت. ويتزامن ذلك مع انقطاع لعدد كبير من الأدوية وارتفاع في أسعار المواد الغذائية المستوردة بغالبيتها.
ولم يتمكن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري منذ تكليفه في أكتوبر (تشرين الأول)، من إتمام مهمته، رغم ضغوط دولية تقودها فرنسا خصوصاً. وبدلاً من تكثيف الجهود لتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات، لا يزال تبادل الاتهامات بالتعطيل سيد الموقف، خصوصاً بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون. وتتحدث تقارير محلية عن احتمال اعتذار الحريري عن عدم إكمال مهمته.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.