الاستثمار في الطبيعة يحمي الإنسان والأرض

مبادرة لاستعادة النُّظم البيئية في يوم البيئة العالمي

الاستثمار في الطبيعة يحمي الإنسان والأرض
TT

الاستثمار في الطبيعة يحمي الإنسان والأرض

الاستثمار في الطبيعة يحمي الإنسان والأرض


أعلنت الأمم المتحدة السنوات من 2021 إلى 2030 عقداً للأمم المتحدة من أجل استعادة النُّظم البيئية في جميع أنحاء العالم. وبمناسبة الاحتفال السنوي بيوم البيئة العالمي في 5 يونيو (حزيران)، أُطلقت دعوة للمبادرة إلى توفير الدعم السياسي والبحث العلمي والتغطية المالية لتوسيع نطاق استعادة النُّظم البيئية على نطاق واسع، بهدف إحياء ملايين الهكتارات من الأوساط الطبيعية الأرضية والمائية.
وتعدّ النُّظم البيئية شبكة الحياة على الأرض التي تجمع الكائنات الحية والتفاعلات فيما بينها ومع الأشياء المحيطة في مكان محدد. وهي توجد على جميع المستويات من حبيبات التربة إلى الكوكب بأكمله، بما فيها الغابات والأنهار والأراضي الرطبة والمراعي ومصبّات الأنهار والشعاب المرجانية. كما تحتوي المدن والأراضي الزراعية على نُظم بيئية مهمة، وإن كانت معدّلة بشرياً.
- الاستثمار في الطبيعة
توفّر النُّظم البيئية فوائد جمّة للإنسان، إذ يقوم نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي على الطبيعة، ويعتمد أكثر من ملياري شخص على القطاع الزراعي لكسب عيشهم. وهي تضمن المناخ المسـتقر والهواء الذي نتنفسه، وإمدادات الميـاه والطعام والمواد من جميع الأنواع، والحماية من الكوارث والأمراض.
وفي كل مكان، تواجه النُّظم البيئية تهديدات كبيرة، حيث يفقد العالم سنوياً 10 ملايين هكتار من الغابات. وتبلغ كلفة تآكل التربة وأشكال التدهور الأخرى أكثر من 6 تريليونات دولار سنوياً في إنتاج الأغذية المفقودة وخدمات النظام البيئي الأخرى. ويتعرض ثلث الأرصدة السمكية العالمية للاستغلال المفرط، بزيادة 10% عمّا كان عليه في عام 1974.
ويرجَّح أن يؤدي تدهور الأراضي إلى خفض الإنتاجية الغذائية العالمية بنسبة 12%، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تصل إلى 30% بحلول 2040. ومن المتوقع أن يهاجر ما يصل إلى 700 مليون شخص بسبب تدهور الأراضي وتغيُّر المناخ في منتصف القرن الحالي. ويمكن أن يؤدي تدهور النظام البيئي إلى زيادة الاتصال بين البشر والأنواع البرية، مما يعزز فرص ظهور وانتشار الأمراض.
وفي المقابل، يمكن أن يؤدي تحقيق هدف «تحدي بون»، المتمثل في استعادة 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والأراضي التي أُزيلت أشجارها في جميع أنحاء العالم، إلى نحو 9 تريليونات دولار من الفوائد الصافية. وتضمن استعادة توازن المناطق الحرجية وحدها توفير الأمن الغذائي لنحو 1.3 مليار شخص. وتؤمّن استعادة الشِّعاب المرجانية في أميركا الوسطى وإندونيسيا عوائد إضافية تصل إلى 2.6 مليار دولار سنوياً. كما تقلل استعادة الأماكن الرطبة والنظم البيئية الأخرى لمستجمعات المياه تكاليف معالجة المياه بنحو 890 مليون دولار سنوياً.
وفي مجال تغيُّر المناخ، تسهم استعادة النُّظم البيئية والحلول الطبيعية الأخرى في إزاحة ثلث الانبعاثات الكربونية المستهدفة بحلول 2030 لإبقاء الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين، إلى جانب مساعدة المجتمعات والاقتصادات على التكيُّف مع تغيُّر المناخ. وتكفي استعادة 15% من الأراضي التي تغيّر استخدامها لمنع انقراض 60% من الأنواع المهددة. كما تسهم استعادة النُّظم البيئية في تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر بحلول سنة 2030، لا سيما القضاء على الفقر والجوع.
ورغم العوائد المجزية والغايات الكبرى التي تكفلها استعادة النُّظم البيئية، لا يزال الاستثمار في الطبيعة غير كافٍ لمواجهة تغيُّر المناخ والحفاظ على التنوع الحيوي ووقف تدهور الأراضي. ويشير تقرير «حالة التمويل من أجل الطبيعة»، الذي صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) ومنظمات أخرى في شهر مايو (أيار) 2021، إلى أن العالم بحاجة إلى 8.1 تريليون دولار للاستثمار في الطبيعة حتى منتصف القرن، بحيث يتضاعف الاستثمار من 133 مليار دولار في السنة حالياً إلى 536 مليار دولار في 2050.
ويقترح التقرير ضرورة إجراء تحوُّلات هيكلية لسد فجوة التمويل، التي تبلغ 4.1 تريليون دولار، عبر التعافي الاقتصادي من جائحة «كوفيد - 19» على نحو أكثر استدامة، ومراجعة الدعم الحكومي للزراعة والوقود الأحفوري، وخلق حوافز اقتصادية وتنظيمية أخرى. ووفقاً للتقرير، ستتطلب إدارة الغابات وحفظها واستعادتها ما يزيد قليلاً على 200 مليار دولار من إجمالي الإنفاق السنوي على مستوى العالم، أي نحو 25 دولاراً لكل إنسان.
ويؤكد التقرير حاجة الشركات والمؤسسات المالية إلى المساهمة أكثر في دعم الحلول القائمة على الطبيعة، من خلال تقاسم المخاطر والالتزام بتعزيز التمويل والاستثمار بطريقة طموحة وبأهداف واضحة ومحددة زمنياً. ويشير التقرير إلى أن فقدان ربع الغطاء الشجري العالمي خلال العقد الماضي كان بسبب سبعة أنشطة زراعية فقط هي تربية الماشية وإنتاج نخيل الزيت وفول الصويا والكاكاو والمطاط والبن وألياف الخشب. ومن المتوقع أن تستمر الخسائر في الغابات والمساحات البرية الأخرى في الارتفاع، مما يؤدي في النهاية إلى تعريض الصناعات التي تعتمد على الموارد الطبيعية للخطر.
إن كثيراً من الأصول المالية العالمية عُرضة للخطر في حال فقدان شيء صغير مثل النحل. هذه الحشرة التي لا تحظى بالتقدير، شأنها شأن الخفافيش والطيور والحشرات الأخرى التي تنقل اللقاح، تلعب دوراً حاسماً في غذاء الإنسان وصحة النُّظم البيئية. ويوفر نحل العسل وحده خدمات تلقيح تتراوح قيمتها بين 15 و20 مليار دولار سنوياً. ولا يمكن إنكار تأثير فقدان التنوع الحيوي على جميع قطاعات الاقتصاد، حيث يشير أحد التقديرات إلى أن كلفة فقدان الكائنات الناقلة للقاح تزيد على 500 مليار دولار سنوياً.
- مبادرات طموحة ونجاح منقوص
خلال السنوات القليلة الماضية أصبحت استعادة النُّظم البيئية المتدهورة أو إنشاء أنظمة جديدة هدفاً عالمياً طموحاً. الصين، على سبيل المثال، تعمل على تشجير 35 مليون هكتار في مناطقها الشمالية القاحلة بحلول 2050. والحكومة الاسكوتلندية تعتزم إنفاق 250 مليون جنيه إسترليني على ترميم أراضي الخث على مدى السنوات العشر المقبلة. كما أعلنت السعودية مؤخراً عن مبادرة إقليمية تحت عنوان «الشرق الأوسط الأخضر» تلحظ استصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة.
ويؤكد تقرير «الكوكب المحمي»، الذي صدر عن «يونيب» في مايو 2021، إحراز المجتمع الدولي تقدماً كبيراً في تحقيق الهدف العالمي المتمثل في حماية ما لا يقل عن 17% من الأراضي والمياه الداخلية، و10% من البيئة البحرية، بحلول 2020.
ويوجد حالياً 22 مليون كيلومتر مربع (16.6%) من النُّظم البيئية للأراضي والمياه الداخلية، و28 مليون كيلومتر مربع (7.7%) من المياه الساحلية والمحيطات، ضمن المناطق الموثّقة المحمية والمحافظ عليها. وهي مساحات تزيد بمقدار 21 مليون كيلومتر مربع على مساحات المناطق المحمية في سنة 2010.
وعلى الرغم من التقدم الحاصل، يرى التقرير أن العالم فشل في الوفاء بالالتزامات المتعلقة بجودة هذه المناطق المحمية، ذلك أن ثلث مناطق التنوع الحيوي الرئيسية على الأرض أو المياه الداخلية أو المحيط ليست محمية على الإطلاق. كما أن أقل من 8% من الأراضي المحمية متصلة وتتيح للأنواع الحية التحرك بشكل طبيعي وتسهم في صون العمليات البيئية، أما البقية فتقطع أوصالها مشاريع وإنشاءات تمنع التواصل.
ويدعو التقرير إلى مزيد من الإجراءات بشأن الإدارة العادلة لهذه المناطق، بحيث لا يتحمل السكان المحليون تكاليف الرعاية بينما يتمتع الآخرون بفوائدها. وتعد هذه الخطوة أساسية نحو بناء شبكات حماية تحظى بدعم ومشاركة الناس في كل مكان.
ويُعد توفير الحماية للموائل الطبيعية مدخلاً للحفاظ على التنوع الحيوي، وهو النهج الذي يسير عليه مجمل المبادرات العالمية لاسترجاع النُّظم البيئية. وفي الوقت ذاته، يفترض أغلب هذه المبادرات أن المناطق التي تستوجب الحماية هي الأماكن التي لا يخالطها النشاط البشري. وهذا تصور خاطئ، لأن كثيراً من النظم البيئية يعمل بشكل جيد بفضل الإشراف البشري. ويسجل التاريخ حالات انسجام كثيرة بين الإنسان والنظم البيئية، كما في العلاقة بين غابات الأمازون وسكانها الأصليين، وبين أدغال أفريقيا والقبائل المحلية.
إن استعادة النُّظم البيئية تسهم في الحفاظ على التنوع الحيوي، وتحسّن صحة الإنسان ورفاهيته، وتزيد الأمن الغذائي والمائي، وتوفر السلع والخدمات والازدهار الاقتصادي، وتدعم التخفيف من آثار تغيُّر المناخ والقدرة على الصمود والتكيُّف معه. وأياً تكن التحديات التي تَحول دون إعادة النظم البيئية المتدهورة إلى ما كانت عليه سـابقاً، يمكن بمبادرات مخلصة ومدروسة جعلها تعمل بطريقة طبيعية وأكثر استدامة تحمي ما تبقى وتُصلح ما تضرر.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.