السودان: تباعد المواقف في مفاوضات «جوبا» قضية العلمانية

الوساطة: لا توجد خلافات جوهرية ونعمل على التوافق بين الطرفين

TT

السودان: تباعد المواقف في مفاوضات «جوبا» قضية العلمانية

عادت قضية علمانية الدولة تعكر صفو الأجواء الإيجابية التي انطلقت فيها المفاوضات المباشرة بين الحكومة الانتقالية في السودانية والحركة الشعبية، فيصل عبد العزيز الحلو، إذ ورد المصطلح في مسودة الاتفاق الإطاري الذي دفعت بها الأخيرة، بالطريقة نفسها التي تسببت في تعثر جولات المفاوضات السابقة، فيما برز توافق كبير بين الطرفين في غالبية بنود ديباجة المسودة.
وتواصلت أمس بفندق «بالم أفريكا» بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، جلسات التفاوض، ورأس وفد الحكومة السودانية، عضو مجلس السيادة، محمد حسن التعايشي، ووفد الحركة الشعبية، برئاسة الأمين العام، عمار أموم، وناقشت الجلسة مسودة «الشعبية» ورد «الحكومة» عليها. وأكد مستشار رئيس حكومة الجنوب، رئيس لجنة الوساطة الجنوبية، توت قلواك لدى لقائه بالخرطوم أمس عضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد حمدان «دقلو» أن المفاوضات بين الوفد الحكومي وفصيل الحلو ستصل إلى نتائج جيدة تدعم عملية السلام والاستقرار في السودان.
وكان الطرفان تجاوزا الخلاف حول علاقة الدين بالدولة في إعلان المبادئ الموقع بينها في مارس (آذار) الماضي، واتفقا على تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية تتضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والجهوية والإثنية والدين عن الدولة. وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الطرفين لم يتوصلا إلى توافق أو اتفاق بشأن تباين وجهات النظر وتباعدها حول الصيغة النهائية لصياغة الموقفين من القضية في مسودة الاتفاق الإطاري.
وأشارت إلى أنه جرى نقاش كبير بين الوفدين في ملف نظام الحكم، إذ طرحت الشعبية في المسودة، اللامركزية، بينما كان موقف الحكومة تبني الفيدرالية، وتم التوافق على أنه لا يوجد خلاف كبير بين النظامين، باعتبار أن الفيدرالية شكل من أشكال الحكم اللامركزي.
وأضافت المصادر أن الحركة الشعبية طالبت في الملف الاقتصادي باسترداد كل المؤسسات والممتلكات العامة التي طالتها سياسة الخصخصة في عهد النظام المعزول، ويتطابق إلى حد كبير مع موقف الحكومة السودانية التي تدعو لاسترجاع كل المؤسسات ومراجعة العقود مع بعض الملاحظات.
وأفادت المصادر بأن عددا من القضايا الجوهرية في مسودة الاتفاق الإطاري وموقف الحكومة طرحت للتداول والنقاش، وتم ترحيلها لوقت لاحق لمزيد من النقاش حولها. وقال عضو فريق وساطة جنوب السودان، لمحادثات السلام السودانية، ضيو مطوك، في تصريح صحافي، إن جلسة التفاوض ناقشت بعض المواضيع المتصلة بالإصلاحات الاقتصادية، والترتيبات الأمنية وآليات المراقبة والتقييم.
وأقر بوجود تباين في بعض المواقف، وأن كل طرف يتمسك بكلمات محددة ويصر على ذلك. وأضاف أن القضايا محل الاختلاف بين الوفدين تحتاج إلى تدخل الوساطة أو المراقبين. وأشار إلى أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين الطرفين، وأن الوساطة تسعى لإيجاد لغة مقبولة تحقق الاتفاق خاصة أن القضايا محل الجدل تم حسمها في مرحلة إعلان المبادئ. وكان عضو وفد الحكومة السودانية المفاوض، والمتحدث الرسمي باسمه، خالد عمر يوسف، أكد أول من أمس، أنه لا يوجد تباعد كبير في القضايا المطروحة للتفاوض مع الحركة الشعبية.
ومن جهة ثانية بدا مقرر فريق الوساطة، ضيو مطوك، في مقابلة مع وكالة السودان للأنباء (سونا) متفائلا بوصول الطرفين إلى اتفاق كامل بحلول السادس من يونيو (حزيران) الحالي، الزمن المحدد حسب جدول التفاوض. وحول جهود الوساطة لإقناع رئيس حركة تحرير السودان، عبد الواحد محمد نور، للانضمام للعملية السلمية، قال: «مطوك «عبد الواحد موجود حاليا في جوبا ويمكن للحكومة السودانية والوساطة التواصل معه».



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.