مبادرة مصرية لمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية و«حماس»

تتم في المبنى نفسه ولكن في غرف منفصلة

وزير الخارجية سامح شكري في رام الله الأسبوع الماضي في حراك دبلوماسي مصري لتحريك ملف السلام بالمنطقة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية سامح شكري في رام الله الأسبوع الماضي في حراك دبلوماسي مصري لتحريك ملف السلام بالمنطقة (أ.ف.ب)
TT

مبادرة مصرية لمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية و«حماس»

وزير الخارجية سامح شكري في رام الله الأسبوع الماضي في حراك دبلوماسي مصري لتحريك ملف السلام بالمنطقة (أ.ف.ب)
وزير الخارجية سامح شكري في رام الله الأسبوع الماضي في حراك دبلوماسي مصري لتحريك ملف السلام بالمنطقة (أ.ف.ب)

في الوقت الذي كشفت فيه مصادر سياسية في تل أبيب عن حراك دبلوماسي مكثّف ستشهده القاهرة، تمهيداً لإجراء مفاوضات حول عدة مواضيع بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحركة «حماس»، نشرت مصادر عسكرية معلومات عن قرار قيادة الجيش التأهب لاحتمال انفجار الحرب مجدداً.
وقالت المصادر العسكرية المقربة من الجيش، إن «مواقف (حماس) في المفاوضات التمهيدية تدل على أنهم لا يحسنون قراءة خريطة الحرب الأخيرة، ولذلك ليس مستبعداً أن نعود إلى المربع الأول». وحسب تلك المصادر فإن رئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، أصدر تعليماته إلى قادة الألوية، للوقوف على أهبة الاستعداد لاحتمال تجدد الحرب في الجنوب. وقال رئيس حركة «حماس» في غزة يحيى السنوار، في تصريحات صحافية، أمس، إن «التهدئة» التي تم إبرامها مؤخراً مع الجانب الإسرائيلي «هشّة» ولم تتضمن «حل جذور المشكلة».
كانت مصادر سياسية قد تحدثت في الصباح عن مفاوضات جدّية يُجريها المصريون من خلال لقاءات في كل من تل أبيب وغزة ورام الله، وذلك تمهيداً لإجراء مفاوضات مفصّلة حول عدة قضايا أساسية، في مقدمتها تثبيت وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة وتبادل الأسرى والتوصل إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد. وقالت إن مصر دَعَت كلاً من إسرائيل والسلطة الفلسطينية وحركة «حماس» إلى عقد مباحثات في القاهرة، لضمان وقف إطلاق نار طويل بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل. وأوضحت أن المحادثات تهدف إلى بحث إمكانية التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة والتوصل إلى صفقة تبادل أسرى بين حركة «حماس» وإسرائيل.
وقالت المصادر إن جنرالاً مصرياً كان قد وصل إلى تل أبيب يوم الجمعة الماضية، لبحث المبادرة المصرية وعرضها على الجانب الإسرائيلي. واشترطت إسرائيل لاستجابتها للمبادرة المصرية «عقد المباحثات عبر قنوات منفصلة وليس بالتوازي»، بالإضافة إلى ربط التقدم في جهود إعمار غزة بقضية الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في القطاع. وقالت القناة الرسمية «كان 11» إن الإدارة الأميركية التي ستكون شريكة في المحادثات ومشرفة عليها، اتفقت مع القاهرة على أن تتم المحادثات بشكل غير مباشر بين إسرائيل والفلسطينيين، بحيث تتم في المبنى نفسه، إنما في غرف مختلفة، يتنقل بينها الوسيط المصري، على غرار المفاوضات الإسرائيلية - اللبنانية حول الحدود البحرية.
من جهتها، كشفت إذاعة الجيش، أمس (الخميس)، أن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي، سيتوجه إلى القاهرة خلال الأيام المقبلة. وتوقعت الإذاعة أن يغادر أشكنازي على رأس وفد إسرائيلي صغير، بعد غد (الأحد). ولكن هذه الزيارة لن تكون بغرض مفاوضة «حماس»، إذ إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يريد أن يفاوض باسمه، رئيس مجلس الأمن القومي في مكتبه مئير بن شبات.
ويجري الحديث عن المفاوضات في إسرائيل وسط أجواء معارضة، إذ إن عائلات الأسرى الإسرائيليين الأربعة لدى «حماس»، تتهم الحكومة بإهمال قضيتهم. وانضمت إليهم أمس رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي، فهاجمت نتنياهو على ما عدّته «تقوية حماس». وقالت ميخائيلي: «هناك أنباء تفيد بأن مصر تروّج لمفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل و(حمـاس) بشأن عودة الأسرى والمفقودين الإسرائيليين. نتنياهو هنا يفعل مرة أخرى بعكس ما وعد به، ويقوّي بذلك (حماس)، ويسمح لها بالبقاء في الحكم».
هذا ويُتوقع أن يصل أولاً إلى مصر وفد «حماس» الذي يرأسه رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية. ويناقش المصريون مع «حماس» ثلاثة ملفات مهمة: التهدئة، والإعمار، وإنجاز صفقة تبادل أسرى.
وقال يحيى السنوار قائد الحركة في غزة، إن الكرة في الملعب الإسرائيلي فيما يخص التهدئة، مؤكداً أن حركته لن تأخذ «فلساً واحداً» من أموال إعادة إعمار قطاع غزة والعملية الإنسانية. وأشار إلى أن الحركة ستسهّل مهمة إعادة الإعمار في قطاع غزة على الجميع، «وسنحرص على أن تكون العملية شفافة ونزيهة، وستحرص (حماس) على ألا يذهب أي فلس لـ(حماس) أو لـ(القسام)».
وحول صفقة تبادل الأسرى، قال السنوار: «نحن مقتنعون بأنه توجد فرصة الآن لتحريك هذا الموضوع بجدية». لافتاً إلى أن «الحالة السياسية لدى الاحتلال غير مستقرة خلال العامين الماضيين، وهذا ما عطل من إنجاز صفقة تبادل أسرى». وأردف: «الأسرى (الفلسطينيون) لهم منّا العهد والوعد أن نفرج عنهم ليكونوا على موعد مع التحرير».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.