تونس: سياسيون يبحثون عن حل لأزمة تسيير الدولة بـ«رأسين»

نتائج استطلاعات الرأي تؤكد تقدم «الدستوري الحر» على «النهضة» في «التشريعيات»

تونس: سياسيون يبحثون عن حل لأزمة تسيير الدولة بـ«رأسين»
TT

تونس: سياسيون يبحثون عن حل لأزمة تسيير الدولة بـ«رأسين»

تونس: سياسيون يبحثون عن حل لأزمة تسيير الدولة بـ«رأسين»

في ظل استمرار وتفاقم الأزمة السياسية والدستورية التي تعصف بمؤسسات الدولة التونسية، وعدم ظهور مخرج سياسي أو دستوري ينهي الانقسام الحاد بين رأسي السلطة التنفيذية، ممثلة في رئيس الجمهورية قيس سعيد من ناحية، وهشام المشيشي رئيس الحكومة من ناحية أخرى، بات عدد كبير من السياسيين يطرحون اقتراحات ومبادرات تروم حل أزمة تسيير الدولة بـ«رأسين»، يجمعهما القليل، ويفرقهما الكثير.
ويؤكد عدد من المراقبين أنه حتى الآن لا تلوح في الأفق أي بوادر لحل الأزمة بين الطرفين، خصوصاً بعد أن استنصر المشيشي، المدعوم من حركة «النهضة»، بالبرلمان الذي يقوده رئيسها راشد الغنوشي للمصادقة على التعديل الوزاري المعطل منذ نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، فيما تمسك الرئيس سعيد، المدعوم من قبل عدد من أحزاب المعارضة، بضرورة احترام الدستور، ورفض التعديل الوزاري الذي بقي معلقاً، كما رفض قبول الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، مثلما ينص على ذلك دستور 2014.
ورغم محاولة الاتحاد التونسي للشغل المساهمة في التخفيف من حدة الانسداد السياسي الكامل، بالدعوة إلى إجراء حوار سياسي واجتماعي لتجاوز الأزمة السياسية، إلا أن الخلافات بين المشيشي وسعيد تفاقمت أكثر، إثر دعوة هذا الأخير إلى إسقاط حكومة المشيشي، الذي رفض وفق مراقبين «البقاء تحت جلباب الرئيس، ولعب دور رئيس وزراء من أجل التمتع بكامل صلاحيات رئيس حكومة»، وهو ما مثّل الشرارة الأولى للخلاف السياسي الحاد بين الطرفين.
وعلاوة على بادرة الاتحاد التونسي للشغل، دعا سمير ديلو، القيادي في حركة النهضة، بدوره، إلى إجراء حوار سياسي عاجل بين الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان)، بهدف إيجاد حلول مناسبة لتجاوز الأزمة السياسية التي غرقت فيها تونس منذ أشهر. وطالب الرئيس سعيد بتزعم هذه المبادرة، معرباً عن رفضه لأي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في حل الأزمة. كما عبر عن استغرابه من طلب استقالة رئيس الحكومة كشرط لبدء الحوار، مؤكداً أن مبادرة الاتحاد العام للشغل «يمكن أن تمثل أرضية مناسبة لإجراء الحوار، والخروج بحلول للأزمة السياسية التي تضرب مؤسسات الدولة».
في السياق ذاته قال ناجي العباسي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»، إن الطرفين «أغلقا باب الحوار ولم يقتنعا بجدوى الجلوس إلى جانب الغنوشي حول طاولة واحدة. وهنا يجب التذكير بأن الرئيس سعيد أكد من خلال برنامجه الانتخابي، والانتقادات الكثيرة التي وجهها لنواب البرلمان، ولمنظومة الحكم بأكملها، أنه بات يرفض منظومة الحكم الحالية، ويتهمها بالفشل في حل الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وأنه يسعى للتخلص منها، غير أنه يصطدم بتمسك الأحزاب السياسية بالشرعية التي أفرزتها انتخابات 2019، التي مكنت سعيد نفسه من الفوز بكرسي الرئاسة».
في غضون ذلك، أكدت نتائج سبر الآراء تقدم الحزب «الدستوري الحر» الذي تتزعمه عبير موسي، في نوايا التصويت في الانتخابات البرلمانية على حساب حركة النهضة، وذلك بواقع 36 في المائة مقابل 18.6 في المائة فقط بالنسبة لحركة النهضة. وتواصل هذا التقدم الذي يحققه «الدستوري الحر» منذ أشهر، ما حدا بمراقبين للحديث عن الاستقطاب السياسي الثنائي الذي بات واقعاً ملموساً بين «الدستوري الحرّ» وحركة النهضة. فيما تؤكد المؤشرات أن الخزان الانتخابي للدستوري الحرّ بات يمثل قرابة ضعف رصيد حركة النهضة، وذلك بنحو 970 ألف صوت للدستوري الحرّ مقابل نحو 500 ألف لحركة النهضة.
أما بالنسبة لمنافسات الرئاسة، فإن نوايا التصويت ما زالت تميل لفائدة الرئيس الحالي سعيد، الذي يتقدم على أقرب منافسيه بشكل كبير. غير أنه بات يحتاج لدورة رئاسية ثانية للبقاء في منصبه، إذ إنه لم يتمكن منذ أشهر من حسم التنافس بحصوله على أكثر من 50 في المائة من الأصوات.
ومن خلال أحدث سبر للآراء، فإن سعيد سيحصل على نسبة 43.3 في المائة من الأصوات، ويتنافس في ذلك مع عبير موسي التي تحتل المرتبة الثانية بـ14.5 في المائة، ثم يأتي في المرتبة الثالثة نبيل القروي بـ11 في المائة، والصافي سعيد بنحو 10.8 في المائة.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».