مصر تلوح بـ«إجراءات» لصد مخاطر السد الإثيوبي مع جمود المفاوضات

«سد النهضة» كما يبدو عبر صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية (أ.ف.ب)
«سد النهضة» كما يبدو عبر صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية (أ.ف.ب)
TT

مصر تلوح بـ«إجراءات» لصد مخاطر السد الإثيوبي مع جمود المفاوضات

«سد النهضة» كما يبدو عبر صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية (أ.ف.ب)
«سد النهضة» كما يبدو عبر صورة التقطت بواسطة الأقمار الصناعية (أ.ف.ب)

لوحت مصر بـ«اتخاذ إجراءات» من شأنها صد المخاطر المتوقعة لسد النهضة الإثيوبي، في ظل جمود المفاوضات، وتعثر الوصول لاتفاق نهائي يُنظم آلية ملء تشغيل السد، المقام على الرافد الرئيسي لنهر النيل. وشدد وزير الري المصري محمد عبد العاطي، على أن بلاده «لن تقبل بحدوث أزمة مائية، ولن تقبل بتصرف أحادي إثيوبي»، مبينا أن «هناك إجراءات من الممكن اتخاذها»، دون أن يوضح ما هي تلك الإجراءات. وتوقفت المفاوضات، الدائرة بشكل متقطع منذ عقد، بعد أن أخفقت آخر جولة عقدت مطلع أبريل (نيسان) الماضي، في عاصمة الكونغو الديمقراطية، في التوصل إلى أي حلول، حيث تطالب مصر والسودان (دولتا المصب) باتفاق قانوني مُلزم يجنبهما أضراراً متوقعة للسد. وتقيم إثيوبيا السد منذ عام 2011؛ بهدف توليد الطاقة الكهرومائية، التي تقول إنها ضرورية لتلبية احتياجات سكانها البالغ عددهم 110 ملايين نسمة من الكهرباء. وأعلنت عزمها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء خزان السد، خلال موسم الأمطار، في يوليو (تموز) المقبل. وقبل نحو أسبوع دعت وزارة الخارجية الأميركية، الدول الثلاث لـ«استئناف المفاوضات على وجه السرعة»، متعهدة بتقديم «دعم سياسي وفني لتسهيل التوصل إلى نتيجة ناجحة». لكن وزير الري المصري، قال في تصريحات نشرتها «وكالة أنباء الشرق الأوسط» أمس، إن «الولايات المتحدة لم تتقدم بأي مقترحات حتى الآن»، مضيفا «هناك تجميد للموقف من ناحية المفاوضات».
وتابع: «رئيس الاتحاد الأفريقي يحاول وجود طرق لإيجاد مقترح ملموس للوصول لحلول للمفاوضات».
وأكد الوزير المصري أن السد الإثيوبي يحتاج إلى تعاون بين الدول الثلاث، وإلى تبادل البيانات والمعلومات لعدم الإضرار بشعوب دول المصب. وتعاني مصر من نقص حاد في الموارد المائية، ووفق وزير الري فإنه يعاد استخدام المياه المستهلكة أكثر من 4 مرات لمواجهة العجز المائي في الحصة المصرية، كما تم تجهيز وإنشاء ما يقارب 120 محطة خلط مياه لسد العجز المائي، لافتا إلى أنه يتم الاستفادة بمخزون السد العالي في حالات الجفاف فقط، وأن الملء الثاني للسد الإثيوبي سيمثل جفافا صناعيا.
وقال عبد العاطي إن الملء الثاني (المنتظر) للسد الإثيوبي دون التوصل إلى اتفاق «سيسبب صدمة مائية لمصر والسودان»، موضحا أن السد الإثيوبي يحجز 27 في المائة من المياه، وبالتالي ستكون هناك «صدمة» إلا في حالة معرفة ذلك مسبقا، من خلال الإمضاء على اتفاقيات وإقرارات ملزمة للتعاون بشأن التخفيف من هذه الصدمة. وأشار إلى أن مصر تريد اتفاق تعاون بشأن سد النهضة، موضحا أن السد العالي سد كبير وسد إثيوبيا كبير، ولا بد أن يكون هناك تعاون وتنسيق وإدارة وتبادل بيانات وإجراءات.
وأضاف أن الدولة المصرية لن تقبل بحدوث أزمة مائية في مصر، ولا تقبل باتفاق أحادي غير قانوني، مشددا على أن هذا من عرف القانون. وتابع قائلا: «مصر قامت باتخاذ إجراءات في هذا الخصوص مثل الري الحديث في الأراضي القديمة، والري بالتنقيط، وتوزيع المقاييس على الفلاحين لقياس الرطوبة في الأرض لمعرفة احتياجاته من المياه ومتى يحتاجها».
وأكد عبد العاطي، أن ملء إثيوبيا لسد النهضة العام الماضي دون تنسيق أحدث فجوة في الثقة بينها وبين السودان، موضحا أن إثيوبيا قامت بحجز 4.5 مليار متر مكعب من المياه دون إعلام مصر والسودان، خلال أسبوع واحد، بما أحدث ضررا كبيرا بالسودان وعرضه للجفاف.
وشدد عبد العاطي على حرص مصر على التوصل إلى اتفاق عادل لملء السد وتشغيله مع وجود آلية عادلة وملزمة لفض النزاعات.
وتابع قائلا: «الدولة المصرية، ما زالت تتمسك بالأمل في الوصول إلى اتفاق، لأن الوصول إلى حلول أخرى أمر صعب جدا». وأوضح وزير الري أنه خلال المفاوضات التي استمرت على مدار الأعوام الماضية، كان هناك تعنت واضح من الجانب الإثيوبي، نافيا أن يكون التعنت من الجانب المصري أو السوداني. وأشار إلى أن مصر قدمت العديد من السيناريوهات التي تضمن لإثيوبيا حقها في التنمية دون الإضرار بمصالح مصر المائية من بينها ضمان 80 في المائة من احتياجاتها من توليد الكهرباء، إلا أن إثيوبيا رفضت ذلك، متابعا «من الواضح أن الجانب الإثيوبي لا يريد أي اتفاق أو التزام في قضية السد». وأكد وزير الري أن قلق المصريين من السد الإثيوبي هو أمر طبيعي، مطالبا في الوقت ذاته الشعب المصري بضرورة ترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.