جدل بين دمشق وباريس حول «شرعية» الانتخابات السورية

«المرشح المعارض» محمود مرعي ينتقد الموقف الأميركي

صور في دمشق للرئيس بشار الأسد في الـ18 من الشهر الحالي (رويترز)
صور في دمشق للرئيس بشار الأسد في الـ18 من الشهر الحالي (رويترز)
TT

جدل بين دمشق وباريس حول «شرعية» الانتخابات السورية

صور في دمشق للرئيس بشار الأسد في الـ18 من الشهر الحالي (رويترز)
صور في دمشق للرئيس بشار الأسد في الـ18 من الشهر الحالي (رويترز)

أعلنت باريس أن الانتخابات الرئاسية السورية «باطلة لا شرعية لها»، وأنها «تفتقر للمعايير اللازمة، ولا تسمح بالخروج من الأزمة»، الأمر الذي ردت عليه دمشق بالقول إن الانتخابات «شأن سيادي سوري بامتياز لا يحق لأي طرف خارجي التدخل به».
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر رسمي في الخارجية السورية قوله إن دمشق «تدين بشدة تصريحات المتحدث باسم الخارجية الفرنسية حول الانتخابات الرئاسية، وتؤكد أن المقاربات الخاطئة للحكومة الفرنسية لن تستطيع إعاقة عملية توطيد الاستقرار في سوريا».
وأضاف المصدر أن «الانتخابات شأن سيادي سوري بامتياز لا يحق لأي طرف خارجي التدخل به، والسوريون وحدهم أصحاب القول الفصل فيه». وقالت الخارجية إن «توافد السوريين بكثافة إلى مراكز الاقتراع على امتداد العالم، بما في ذلك باريس، يشكل الرد الأبلغ على هذه التصريحات».
كانت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، قد قالت، أول من أمس، في بيان، إن الانتخابات الرئاسية التي ستجري في سوريا «باطلة لا شرعية لها»، وأضافت أنها «تفتقر للمعايير اللازمة، ولا تسمح بالخروج من الأزمة».
وأكدت الخارجية الفرنسية أن «الانتخابات التي ينظمها النظام السوري في الداخل والخارج، مثل الانتخابات الرئاسية التي ستجري خلال أيام أو الانتخابات التشريعية العام الماضي، لا تستوفي الشروط، وتفتقر للمعايير».
وكانت فرنسا قد سمحت بإجراء التصويت في الانتخابات الرئاسية السورية على أراضيها، بينما رفضت دول أخرى ذلك، مثل تركيا وألمانيا.
إلى ذلك، قال المرشح للانتخابات الرئاسية في سوريا محمود مرعي إنه يقبل بما ينتج عن صناديق الاقتراع، وأكد أنه يريد «الديمقراطية والتعددية والحريات والإفراج عن المعتقلين وعودة المهجرين». ودعا في مقابلة مع قناة «الإخبارية» الرسمية السورية السوريين للتوجه إلى صناديق الاقتراع، والاطلاع على البرامج، واختيار «الأكفأ لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة»، وأضاف: «أنا أقبل بالنتائج، وما ينتج عن صناديق الاقتراع... أقبل به، وأتمنى كل الخير لسوريا وشعبها».
وتحدث مرعي عن دول «صديقة ومحايدة أدلى المواطن السوري فيها بصوته بكل حرية»، وقال: «لفتني أن صور المرشحين الثلاثة موجودة في الغرف السرية، ليقوم الناخب باختيار من يرغب منهم»، وأضاف أنه يعتقد «أن الصور الثلاث ستكون موجودة أيضاً في الغرف السرية في أراضي الجمهورية العربية السورية، ليختار المواطن السوري البرنامج والشخص الأكفأ لقيادة سوريا في المرحلة المقبلة».
وقال مرعي إن الولايات المتحدة «تريد تدمير سوريا، وتحتل مساحات كبيرة من الأراضي السورية، وتسرق ثرواتها، بهدف إضعاف الدولة السورية... واشنطن تفرض حصاراً اقتصادياً، هي ومن يدور في فلكها، وهذا الحصار استهدف المواطن السوري».
وأشارت «سانا»، أمس، إلى أن القوات الأميركية أخرجت رتلاً من 15 شاحنة محملة بالقمح من الأراضي السورية إلى العراق، مؤكدة أن القوات الأميركية تخرج تباعاً كميات من القمح السوري باتجاه العراق، ويوم الأربعاء الماضي أخرجت 27 شاحنة محملة بالقمح من صوامع تل علو عبر المعبر ذاته، وقبل ذلك بأيام، تحديداً في الـ16 من الشهر الحالي، أخرجت 38 شاحنة وصهريجاً تحمل كميات من النفط والقمح عبر معبر الوليد. وطالب مرعي أفراد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تسيطر على مساحات واسعة شمال سوريا بأن «يعودوا إلى فتح حوار سوري - سوري مع الدولة السورية كي نصل إلى حل سياسي، واستثمار الموارد المهمة في منطقة الجزيرة، وألا تستغلكم الولايات المتحدة فهي ليست لديها صداقات دائمة وعداوات دائمة، بل في لحظة تستدير وتغادر وتترككم إلى مصيركم».
ومن جهته، أعلن المرشح لانتخابات الرئاسة السورية عبد الله سلوم عبد الله أن ترشحه للمنصب جاء تنفيذاً لقرار حزبي صدر عن حزب «الوحدويين الاشتراكيين».
وأوضح عبد الله، في مقابلة له مع التلفزيون الرسمي السوري، أنه تبلغ بالقرار، والتزم بتنفيذه، دون تشاور مع أحد من الأعضاء لإبداء رأيه في التكليف الموكل إليه، معتبراً أنها مهمة كُلّف بها، وما عليه سوى التنفيذ.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.