من مجموع حوالي عشرة ملايين مواطن في إسرائيل، هناك حوالي خمسة آلاف شخص، وربما أقل من ذلك، أشعلوا النيران في النفوس وتمكنوا من جر ملايين المواطنين إلى صدامات دامية وخطابات عداء نارية جعلت رئيس الدولة رؤوبين رفلين يحذر من «وقوع حرب أهلية، أخطر وأبشع من الحرب مع حماس». ويدعو نخبة من رجال الدين والمجتمع من كل الطوائف إلى مقره في القدس داعيا إلى إطفاء اللهيب. وبينما لم تجف فيه بعد الدماء في ساحات المدن التي يعيش فيها يهود وعرب، وما زالت رائحة الحرائق تفوح في أروقة مسجدين إسلاميين ومعبدين يهوديين في اللد ويافا، وفي حين ينشغل الجميع بموعد وقف إطلاق صواريخ غزة وغارات إسرائيل، يحاول كثيرون لملمة الجراح وترتيب الأوراق من جديد ووضع قواعد أخرى للحياة بين اليهود والعرب في إسرائيل.
هؤلاء الخمسة آلاف، هم من اليهود والعرب... منقسمون حسب نسبتهم من السكان، أي خمسهم عرب وأربعة أخماسهم يهود. وهم يتسمون بالعنف والهمجية، من دون علاقة مع الحرب. لكنهم أخذوا على عاتقهم استغلال التدهور في الأوضاع السياسية والأمنية وتحويلها إلى حرب داخلية بين اليهود والعرب. بين هؤلاء ساسة وقادة شرطة وأمن... وأيضاً عصابات إجرام ومتطرفون من مختلف المشارب والتيارات. ولمعرفة كيفية تسللهم إلى صدارة المشهد، لا بد من استعراض تسلسل الأحداث في عجالة.
كانت البداية في أحداث القدس، في الفاتح من شهر رمضان. الشرطة الإسرائيلية، بقيادة الجنرال يعقوب شبتاي، ورئيسه في الحكومة وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، قررت منع الشباب الفلسطيني من إقامة احتفالات الليالي الرمضانية في مدرج باب العامود في القدس الشرقية.
الحجة التي تذرعوا بها هي أن هؤلاء الشباب يرفعون أعلام فلسطين، التي تمنع الشرطة رفعها منذ تدهورت العلاقات بين حكومة بنيامين نتنياهو والسلطة الفلسطينية. لكن الحقيقة هي أن الشرطة كانت تضع أمامها روزنامة، ظهر فيها أنه في يوم 28 رمضان، تحل مناسبة يهودية هي «يوم أورشليم»، الذي تحتفل فيه إسرائيل بـ«تحرير القدس»، أي احتلالها في عام 1967. وفي هذه المناسبة يشارك عادة عشرات الألوف من اليهود في «مسيرة أورشليم»، التي تسير بالقرب من باب العامود. وتخشى الشرطة من احتكاك وربما صدام بين العرب واليهود.
- الغضب من مشاريع الاستيطان
لماذا الاحتكاك؟ لأن الأجواء في القدس متوترة. فثمة غضب فلسطيني عارم من مشاريع الاستيطان الجديدة، التي تتحدث عن بناء حوالي 10 آلاف وحدة سكنية. والفلسطينيون في القدس يشعرون بتهديد وجودي، إذ إن السلطات الإسرائيلية منذ احتلالها عام 1967 شيدت على أراضيهم 12 حياً استيطانيا يضم كل منها بالمعدل 22 ألف نسمة. وهي لا تكتفي بهذا، بل تحاول دفع المستوطنين اليهود للسكن في قلب الأحياء العربية. ففي سلوان يسكن 640 يهوديا، وفي راس العامود 640 يهوديا وفي الشيخ جراح 180 يهوديا. ويسمى هذا في إسرائيل «استيطاناً آيديولوجياً» لأن المستوطنين يزعمون أنهم يستعيدون عقارات كان يملكها يهود قبل حرب 1948، بينما يرفض الفلسطينيون هذا المنطق: أولا لأن إسرائيل لا تتيح للفلسطينيين أن يستعيدوا البيوت والأراضي والعقارات الأخرى التي كانوا يملكونها قبل النكبة. وثانيا لأن صفقات البيع والشراء مشبوهة، تنطوي على ألاعيب سماسرة وعلى تزييف مستندات.
أيضاً الأجواء في القدس متوترة لأن السلطات الإسرائيلية تمنع بالقوة وصول المسلمين في الضفة الغربية إلى المسجد الأقصى وتقيد وصول حتى المقدسيين إليه. وفي وقت لاحق، اقتحم جنود الاحتلال الأقصى وانتشرت صورهم وهم يدوسون بالبساطير على سجاجيده ويطلقون قنابل الغاز على المصلين فيه. وزاد الطين بلة أن الشرطة، منعاً للاحتكاك، قررت منع احتفالات ليالي رمضان. فبدلاً من تغيير مسار المسيرة اليهودية، ليوم واحد، قررت إلغاء ثلاثين ليلة رمضانية في باب العامود.
هذه الأمور مجتمعة، أثارت موجة احتجاج عارمة لدى الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم، وبضمن ذلك المواطنون العرب في إسرائيل. فالمواطنون العرب في إسرائيل شريحة من شرائح الشعب الفلسطيني. سلختهم النكبة عن شعبهم، وبقوا في الوطن رغما عن الحكومة الإسرائيلية، لكنهم لم يتخلوا يوما عن انتمائهم الوطني لهذا الشعب ولم يحيدوا قيد شعرة عن انتمائهم لأمتهم العربية ولم يبتعدوا عن هموم أمتهم. وكي لا يشكل ذلك اصطداما مع واقعهم كمواطنين في إسرائيل، اعتبروا أنفسهم جزءا من حركة السلام فيها، التي تناضل لأجل إنهاء الصراع ووقف الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب إسرائيل. ثم تطورت مطامحهم الوطنية والمدنية وراحوا يطالبون بالشراكة في إدارة شؤون الدولة، بعدما شاركوا بقوة في بنائها وازدهارها وكان لهم قسط في نجاحاتها وصار لهم موقع مؤثر في حياتها الاقتصادية والعلمية والثقافية. ولئن كانت نسبة هؤلاء من السكان اليوم 18.5 في المائة فإن نسبتهم من الأطباء في المستشفيات تزيد على 25 في المائة، ومنهم مديران لمستشفيين حكوميين. كذلك لهم حضور في معاهد الأبحاث العليا وفي رئاسة معهد الهندسة التطبيقية الذي يحتل الرقم 26 بين أهم الجامعات الهندسية في العالم وفي رئاسة أكبر بنوك إسرائيل وفي قطاع التكنولوجيا المتقدمة وفي صفوف رجال ونساء العمال الكبار وفي الثقافة والفنون، وحتى في منتخب إسرائيل لكرة القدم.
ومن وجهة نظر هؤلاء، التي لا يفهمها كثرة من اليهود، أن هذه الشراكة لا تتحقق على حساب الانتماء الوطني والديني. ولذا، فعندما تفاقمت الممارسات الإسرائيلية في القدس عموماً - وفي الأقصى بشكل خاص - راحوا يتقاطرون إلى الحرم القدسي بالألوف في كل ليلة. ونظموا مظاهرات في بلداتهم. وعندما نشبت حرب الصواريخ، وشاهد العرب صور الدمار واستخراج جثث عشرات الأطفال الفلسطينيين من تحت الأنقاض، عبّروا عن الغضب وراحوا يطالبون بوقف الحرب.
وفي كل مكان تركت الشرطة المتظاهرين بحالهم، يعبرون عن احتجاجهم بالطرق السلمية والقانونية، انتهت المظاهرات بسلام، حتى عندما شارك فيها حوالي 20 ألف متظاهر كما حصل في سخنين يوم الثلاثاء الماضي. بينما في الأماكن حيث تدخلت الشرطة وقمعت المتظاهرين وقعت صدامات.
- دور «الـ5 آلاف»
هنا يأتي دور الـ«خمسة آلاف». بعض هؤلاء هم عرب من فلسطينيي 48 وبعضهم من اليهود المحليين، الذين يظهرون على هامش المظاهرات ويحاولون تحويلها إلى «حرب يهودية عربية». ولقد برزت بينهم هذه المرة مجموعتان واحدة عربية وأخرى يهودية.
المجموعة العربية هي ثلة من عملاء الاحتلال الذين هربوا من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وحاول الاحتلال توطينهم في البلدات العربية لكن فلسطينيي 48 رفضوهم، فأسكنوهم في البلدات المختلطة. وهؤلاء غاضبون على العرب الذين لم يقبلوهم وغاضبون على إسرائيل التي يتهمونها بإهمالهم. وحسب رئيس بلدية اللد، يائير رفيفو، فإنهم «عصابات إجرام مسلحة تجبي الخوّات وتتجبر على السكان العرب واليهود وتمارس العنف منذ سنوات طويلة». كما يقول النائب أيمن عودة، رئيس «القائمة المشتركة»، «لقد حذرنا من نشاط عصابات الإجرام العربية، التي تمارس العنف الدموي في مجتمعنا، وقلنا إنه في حال لم يعالج بشكل جذري فسينتقل سريعاً ليضرب المجتمع اليهودي، لكنهم لم يصدّقونا».
وأما المجموعة اليهودية فهي من المستوطنين الآتين من مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة، بنت أحياء لها ومعابد في يافا واللد والرملة ومعها مجموعة مشهورة باسم «لا فاميليا»، وهي التي تناصب العرب العداء وتنفّذ اعتداءات حتى على اليسار اليهودي والصحافيين. وعندما اشتعلت الصدامات، جاءت لدعمهم ميليشيا من المستوطنين المسلحين في الضفة الغربية. وهؤلاء أيضا معروفون للسلطة الإسرائيلية جيداً، فهم يمارسون الاعتداءات في الضفة الغربية على الفلسطينيين، تحت حماية الجيش. وعندما «يزيدون عيار الاعتداءات»، ويحاول الجيش تقييد نشاطاتهم، يعتدون على الجيش وضباطه أيضاً.
هؤلاء هم الذين أثاروا الصدامات الدامية في البلدات المختلطة. وفي بعض الأحيان نجحوا في جذب شبان محليين متحمسّين. لكن المصيبة أنهم نجحوا أيضاً في جرّ بعض القيادات السياسية والإعلامية.
عوفر كسيف، النائب اليهودي الوحيد في «القائمة المشتركة»، اتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مباشرة بالمسؤولية عن التدهور فقال «هذا الرجل، الذي أعتبره مصابا بمرض نفسي خطير هو مرض الهوس بالحرائق، وبمرض إنساني أخطر، الأنانية، يقود إسرائيل وفقا لأهوائه ومصالحه. يسخّر كل شيء لخدمة أهدافه. عندما كان التحريض على العرب يخدم مصلحته الحزبية والشخصية في الانتخابات راح يحرّض على العرب. وعندما تغيّرت الظروف، راح يسعى للتحالف مع العرب بل مع الحركة الإسلامية، التي كان يعتبرها حليفة مع حماس. واليوم ها هو يدير حرباً ذات مصلحة مشتركة مع حماس، التي تخدمها الحرب هي أيضا في معركتها السياسية ضد حركة فتح والسلطة الفلسطينية. وعندما يرى الأرض تحترق بأهلها، يفتّش عن صورة نصر تخدمه في الانتخابات. ووسط ذلك كله، يحاول تفعيل الشرطة وأدواتها القمعية. وهو ليس بريئاً من وصول المستوطنين إلى البلدات المختلطة».
- ماذا بعد الحرب؟
المشكلة أن الصدامات أنشأت وضعاً متوتراً جداً في الشارع الإسرائيلي بين اليهود والعرب. وإذا أخذنا بالاعتبار أن هذه ليست المرة الأولى التي تتدهور فيها العلاقات بين اليهود والعرب، فإن المهمة لن تكون سهلة. وسيحتاج الطرفان إلى سنين عدة لتبديد المخاوف والشكوك والعودة إلى الحديث عن تعايش سلمي.
اليوم يعيش كثير من المواطنين الإسرائيليين اليهود والعرب في حالة خوف، ليس فقط في البلدات المختلطة، ممتنعين عن مغادرة بيوتهم حتى للعلاج الطبي. وبدأ أفراد من الطرفين يقدمون طلبات للحصول على رخص سلاح، ويتبادل الجميع الاتهامات، وسط أوضاع بالغة التوتر. وكشفت وزارة الداخلية الإسرائيلية أن عدد طالبي رخصة السلاح من اليهود تضاعفت سبع مرات خلال الأسبوع الماضي، من 270 طلباً في العادة إلى 1926 طلباً، علماً بأن هناك نحو 145 ألف يهودي يحملون سلاحاً مرخصاً اليوم. ولا يشمل هذا حملة السلاح من الجنود ورجال الشرطة وغيرهم من العاملين في أجهزة الأمن. وعلق مسؤول أمني على الظاهرة بالقول إن «زيادة الطلب على السلاح رهيبة، لكنها تستند إلى منطق مفهوم». وأشار إلى أن وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، يؤيد منح التراخيص، ويعدها «تدعيماً لقوات الأمن، وخطوة مهمة لحماية المواطنين اليهود من الاعتداءات العربية التي شاهدناها في اللد والرملة ويافا وغيرها. فحيثما يشعر المواطنون الملتزمون بالقانون أن قوات الشرطة غير موجودة، يوفر السلاح عنصر حماية لهم ولعائلاتهم».
من جهته، قال القائد العام للشرطة الإسرائيلية يعقوب شبتاي إن «هناك إرهابيين، يهوداً وعرباً، يسعون لتعكير صفو الحياة المشتركة، والشرطة ستضربهم بيد من حديد». وأردف خلال لقاء له مع مجموعة من القيادات الجماهيرية للمواطنين العرب في مدينة اللد، إنه يسعى لتوفير الأمان لجميع السكان بلا تمييز. وبينما شكك العرب في كلامه، متهمين الشرطة بالتحيز لليهود والمشاركة في قمع العرب والبطش بهم، هاجمه الوزير المسؤول عنه، رافضاً المقارنة بين اليهود والعرب، وقال إن ما يظهر في الشارع هو أن «العرب هم الذين يهاجمون اليهود». وبعدها، راح وزراء ونواب من اليمين يطالبون بإقالة شبتاي من قيادة الشرطة.
أيضاً يتعرض الصحافيون الإسرائيليون لاعتداءات دموية بأيدي اليمين اليهودي المتطرف، وتلقى أربعة منهم تهديدات بالقتل واضطرت مؤسساتهم لوضع حراسة دائمة عليهم، لاتهامهم بأنهم يستضيفون عرباً ويساريين يهودا في برامجهم التلفزيونية والإذاعية.
- مخاوف... ومحاولات إنقاذ
ونتيجة لهذه الأجواء المتوترة، انتشر الخوف والقلق، بشكل واسع لدى الطرفين. فشكا العديد من العمال العرب من تلقي أوامر الفصل من العمل، وامتنع طلاب الجامعات العرب عن التوجه إلى جامعاتهم. وكشفت إدارات عدة مستشفيات عن تغيب أطباء وممرضين عرب عن العمل، قالوا صراحة إنهم يخشون الاعتداءات. وفي المقابل، امتنع يهود عن دخول البلدات العربية. وشكا سكان بلدات يهودية نائية في منطقتي الجليل والنقب من أنهم لا يستطيعون الخروج من البيت خوفاً من الاعتداءات العربية المتوقعة. وشكا طلاب عرب في جامعة بئر السبع من هجوم نشطاء اليمين عليهم لمشاركتهم في مظاهرة. وجرى توثيق إقدام مدير مدرسة يهودي على رمي حجارة على عرب في يافا.
في المقابل، تثير الأوضاع ردود فعل متصاعدة من قوى يهودية وعربية تعمل معاً وبإصرار على إعادة العلاقات بين الطرفين إلى طبيعتها. وحقاً، نظمت حملة إعلامية تم نشرها على شاشات القنوات التلفزيونية والشبكات الاجتماعية، يظهر فيها يهود وعرب متعانقين ويعملون في مكان واحد، تحت شعار «مصرون على مواصلة الطريق معاً». كما خرجوا في مظاهرات مشتركة تحت عنوان «يهود وعرب يرفضون أن يكونوا أعداء». وفي سياق الحملة، تبنّت بلدية حيفا مشروع «الحياة المشتركة» الذي يظهر فيه المواطنون من الطرفين في نشاطات مشتركة. وبادرت عدة مؤسسات كبيرة، مثل البنوك والمستشفيات وصناديق المرضى والشركات الكبرى، إلى حملات شبيهة في الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام.
وتوجه النائب منصور عباس، رئيس «قائمة الحركة الإسلامية» في الكنيست، بزيارة الكنيس اليهودي الذي يشتبه بأن عرباً أحرقوه، وأبدى الاستعداد لإعادة ترميمه. وعندما هاجمه السياسيون من الأحزاب العربية الأخرى، وكذلك بعض رفاقه في الحركة، وبينهم الأمين العام إبراهيم حجازي، رد قائلاً إن «الإسلام لا يجيز الاعتداء على معابد». وتشكّل الآن عدة معاهد أبحاث إسرائيلية حلقات بحثية حول السبل للخروج من هذه الأزمة وإدارة حوارات يهودية عربية حول طبيعة الصراع وأسبابه وسبل العودة إلى علاقات رتيبة بين الشعبين تعيد الأمل للتعايش المشترك. وحسب الكاتب والباحث مرزوق الحلبي، من دالية الكرمل، فإن «إسرائيل الرسمية تحاول إقناع الإسرائيليين قبل الفلسطينيين أن الحرب هي الطريقة الوحيدة والمُثلى لتصريف الصراع التاريخي مع الفلسطينيين، لأنها الطريقة الوحيدة التي تعرفها هي. سنقع في الفخّ إذا صدّقناها، لكن هناك ألف طريقة أخرى». ويضيف «المعركة على وعي شعبنا لا تقلّ أهمية من المعركة على وعي الشارع اليهودي. احكوا مع شعبنا كي يصمد ويحافظ على عنفوانه. بالنسبة للجمهور اليهودي، ينبغي البحث عن قنوات أخرى للوصول إليه، خاصة أن جزءاً كبيراً منه يُدرك أن نتنياهو أثار الحرب ليخلّص روحه لكنهم (مسقوفون) من ناحية ثانية، بالصواريخ».
- معاناة فلسطينيي 48... الإصابات تقول شيئاً
المواطنون العرب في إسرائيل، يدفعون في كل حرب ثمناً مضاعفاً، يعبر عن حالتهم الفريدة. فهم يتلقون الضربات من الطرفين، باستمرار. في «حرب لبنان الثانية»، على سبيل المثال، قتل 44 مواطنا مدنيا و12 جنديا في إسرائيل. وقسم كبير من صواريخ «حزب الله» سقط داخل البلدات العربية كالناصرة وحيفا ومجد الكروم وشفاعمرو وغيرها. وقد قتل 19 عربيا في هذا القصف، أي 43 في المائة من مجموع القتلى المدنيين. ويضاف إلى ذلك أن أقارب هؤلاء المصابين، سكان الجنوب اللبناني ومخيمات اللاجئين تعرضوا للقصف الإسرائيلي.
وفي الحرب على غزة سنة 2014 التي سُمّيت في إسرائيل «الجرف الصامد»، قتل ستة مدنيين، أحدهم عامل أجنبي من تايلاند والثاني مواطن من فلسطينيي 48 من النقب، عودة الودج (31 سنة) وأصيب ثلاثة من أبناء عائلته بجراح. وتبين لاحقا أن ثلاثة من أقاربه الذين يعيشون في قطاع غزة قتلوا من القصف الإسرائيلي في الحرب نفسها.
وهذه المرة قتل أربعة مواطنين عرب من سكان إسرائيل الفلسطينيين: خليل عوض (52 سنة) وابنته نادين (16 سنة) إثر سقوط صاروخ على سيارتهما في اللد، وموسى حسونة (31 سنة) من سكان اللد أيضا وقد قتله مواطن من المدينة نفسها بإطلاق الرصاص خلال اشتباكات بين الجهتين، والفتى محمد محمود كيوان (17 سنة)، من أم الفحم، الذي قتل برصاص رجال الشرطة خلال مظاهرة نظمها اتحاد الطلاب الثانويين في المدينة تضامنا مع القدس وغزة.
هذه النتيجة تعكس حال فلسطينيي 48، كمواطنين يقعون في ملتقى الضربات ويتلقون الإصابات من الجميع.
في بعض الأحيان، يبدو ذلك كوضع شائك مليء بالتعقيدات. وثمة مَن يقول إن العرب في إسرائيل ممزّقون ما بين مواطنتهم الإسرائيلية، التي تحتّم عليهم قواعد حياة ونصال مختلفة عن بقية شرائح شعبهم، وبين انتمائهم العربي والفلسطيني، الذي يحتّم عليهم اتخاذ موقف مغاير ومعاكس للمواقف والسياسة والممارسات الإسرائيلية. لكن هناك مَن يرى الأمور بطريقة مختلفة ويعتبرون هذه الحالة تحديا يستحق التضحية لأجله. فهم، ومن باب الإخلاص لانتمائهم القومي والوطني والإخلاص لمواطنتهم في الدولة العبرية ينتمون إلى معسكر السلام الإسرائيلي الذي يناضل ضد الاحتلال ومن أجل الاستقلال الفلسطيني في دولة عاصمتها القدس الشرقية والسعي إلى سلام حقيقي بين إسرائيل والعالم العربي والإسلامي. وهم يقولون في هذا الصدد «التعايش السلمي بين اليهود والعرب في إسرائيل المبني على المساواة والاحترام المتبادل، ضرورة حيوية لا تنازل عنها. فإذا لم ينجح اليهود والعرب في إسرائيل بالعيش معا بسلام، وتقديم نموذج للحياة المشتركة، فلن يتحقق سلام حقيقي بين إسرائيل والفلسطينيين وسائر العرب».