تشدد في المفاوضات يسبق انفراجة محتملة في غزة

وزير الخارجية الألماني في إسرائيل لإطلاق محادثات مع السلطة

مدرسة تابعة للأونروا في غزة تحولت ملاذاً للعائلات التي نزحت بسبب القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
مدرسة تابعة للأونروا في غزة تحولت ملاذاً للعائلات التي نزحت بسبب القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

تشدد في المفاوضات يسبق انفراجة محتملة في غزة

مدرسة تابعة للأونروا في غزة تحولت ملاذاً للعائلات التي نزحت بسبب القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)
مدرسة تابعة للأونروا في غزة تحولت ملاذاً للعائلات التي نزحت بسبب القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

قالت مصادر فلسطينية في قطاع غزة مطلعة على مباحثات التهدئة الجارية بين إسرائيل وحماس، إن الطرفين، مستعدان لوقف إطلاق النار، لكنهما متمسكان بشدة بشروطهما، ولا يقدمان أي تنازلات، ما أبطأ جهود الأطراف رغم الضغوطات الكبيرة.
وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل ترفض أي اشتراطات من قبل حماس، وتقول إنها مستعدة بعد انتهاء عمليتها، (الخميس)، لوقف النار إذا أوقفته الفصائل الفلسطينية فقط، بدون أي تفاهمات في هذه المرحلة، وذلك حتى لا تبدو كمن توصل إلى اتفاق معهم أو رضخ لشروطهم، لكن الفصائل رفضت واشترطت أن توقف إسرائيل النار وتتعهد بوقف إخلاء حي الشيخ جراح ووقف أي تصعيد في القدس والضفة. وبحسب المصادر، فإنه رغم تصاعد وتكثيف الضغوط، لم يتراجع الطرفان عن مواقفهما حتى الأمس. وقالت إنه طالما هناك قصف إسرائيلي، ستستمر حماس والجهاد والفصائل بإطلاق الصواريخ والنار، ولن يتوقفوا وهذا ما يحدث كل يوم.
وتحدثت التقارير أمس، عن اقتراح مصري للتهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة يدخل حيز التنفيذ اليوم الخميس، بدءاً من الساعة الـ6 صباحاً. وجاءت التقارير مع تلميحات إسرائيلية بانتهاء العملية حتى الخميس، لكن حماس نفت وجود اتفاق من هذا النوع. وكانت القناة «12» الإسرائيلية، قد قالت إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أبلغ الولايات المتحدة، مساء الاثنين، أن تل أبيب مستعدة لوقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية خلال يومين أو ثلاث. وذكرت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو يريد يومين أو 3 أيام قبل إنهاء حملته على صورة نصر أو يخرج منها كمن حقق إنجازات واسعة.
وتضغط الولايات المتحدة ومصر وروسيا وقطر وألمانيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل وقف النار. ورجحت المصادر أن يصار إلى اتفاق وقف نار فوري، على أن تطلق بعد ذلك مباحثات جدية حول إدخال تسهيلات على غزة وتبادل أسرى، لكن بدون أن يكون ذلك مرتبطا فورا بوقف لإطلاق النار الحالي. ويفترض أن يصل وزير الخارجية الألماني إلى تل أبيب، الخميس، من أجل الدفع باتجاه وقف إطلاق النار يتلوه دفع مفاوضات بين السلطة وإسرائيل، وهي خطة تعمل عليها أيضاً الولايات المتحدة.
وقال البيت الأبيض أمس إنهم يعملون جاهدين لدعم وقف إطلاق النار والتوصل إلى هدوء دائم وبناء طريق لمعالجة أسباب الصراع.
وأكد البيت الأبيض أن بايدن تحدث مع نتنياهو 4 مرات بشأن خفض العنف، وأضاف: «أجرينا أكثر من 60 اتصالاً هاتفياً منذ الأسبوع الماضي مع مسؤولين في إسرائيل والسلطة ودول أخرى».
ونشر موقع «واللا» العبري بأن بايدن تحدث مجدداً مع نتنياهو أمس وأخبره بأنه يتوقع خفضاً كبيراً في مستوى التوتر والتصعيد نهاية اليوم مع غزة، كما توقع من نتنياهو أن يكون في طريقه لوقف إطلاق النار.
وأكدت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية أن هيكو ماس يبحث في إسرائيل اليوم الخميس محاولات وقف إطلاق النار في غزة. وقال ماس في كلمة أمام البرلمان الألماني أمس إنه يريد دفع خطة من ثلاث خطوات: وقف فوري لإطلاق صواريخ حماس، والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، واستئناف المحادثات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

وأعلنت إسرائيل أنها تجري تقييماً للتأكد مما إذا كانت شروط «وقف إطلاق النار» مستوفاة لكنها تستعد «لأيام أخرى» من القتال بعد أسبوع من التصعيد مع الفصائل المسلحة الفلسطينية في غزة.
وقال مصدر عسكري إسرائيلي لصحافيين الأربعاء: «نبحث عن الوقت المناسب لوقف إطلاق النار»، ولكن «نستعد لأيام أخرى»، وأضاف: «نحن نقيم ما إذا كانت إنجازاتنا كافية، وما إذا كان هدفنا في إضعاف القدرة القتالية لحركة حماس في غزة قد تحقق».
وتساءل المصدر ما إذا كانت حماس ستفهم «الرسالة» التي تقول إن قصفها الصاروخي لإسرائيل لا يمكن أن يتكرر.
ولم تمنع الجهود المكثفة لوقف النار في غزة الهجمات الإسرائيلية المكثفة على القطاع، وهي هجمات ردت عليها الفصائل الفلسطينية وقتلت إسرائيل في اليوم العاشر من الهجوم على غزة 10 فلسطينيين على الأقل، في غارات استهدفت منازل الفلسطينيين في مناطق واسعة.
وقال سلامة معروف، رئيس المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان له إن طائرات المحتل شنت أكثر من 194 غارة في اليوم العاشر، معظمها تركز شرق مدينة غزة وجنوب قطاع غزة من ضمن أكثر من 1810 غارات واعتداءات شنت منذ بداية العدوان، طالت مختلف مناطق القطاع، وتركزت بالقصف على البيوت والمباني السكنية والمقار الحكومية والبنى التحتية من طرق وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي.
وأوضح أن العدوان خلّف واقعاً إنسانياً صعباً سيما مع نزوح أكثر من 107 آلاف مواطن من منازلهم بسبب القصف، منهم 44 ألفا في مراكز الإيواء وأكثر من 63 ألفا خارج المراكز لدى الأقارب.
وأكد أن خسائر مادية كبيرة وأضراراً لحقت بالبنى التحتية ومنازل المواطنين والمزارع بلغت في تقديراتها الأولية أكثر من 322.3 مليون دولار، منها 246.7 مليون دولار الخسائر المباشرة، فيما تم تقدير الخسائر غير المباشرة بقرابة 75.6 مليون دولار.
وردت الفصائل الفلسطينية بصواريخ على مدن ومستوطنات إسرائيلية وقواعد جوية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.