المصريون يتدفقون على منفذ العودة.. وآلاف عالقون في ليبيا

النيابة المصرية تأمر بفتح تحقيقات في جرائم «داعش».. ووعود بتوظيف العائدين

عشرات المصريين العائدين من ليبيا لدى وصولهم إلى مطار القاهرة أمس (إ.ب.أ)
عشرات المصريين العائدين من ليبيا لدى وصولهم إلى مطار القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

المصريون يتدفقون على منفذ العودة.. وآلاف عالقون في ليبيا

عشرات المصريين العائدين من ليبيا لدى وصولهم إلى مطار القاهرة أمس (إ.ب.أ)
عشرات المصريين العائدين من ليبيا لدى وصولهم إلى مطار القاهرة أمس (إ.ب.أ)

بينما يتدفق بضعة آلاف من المصريين على منفذ الحدود البرية بين مصر وليبيا شرقا، ونجح مئات آخرون في الوصول إلى الأراضي التونسية غربا من أجل اللحاق بالجسر الجوي الذي أعلنت القاهرة عن إقامته مع تونس لإجلاء رعاياها، يؤكد عدد كبير من العائدين وأسر الرعايا المصريين على الأراضي الليبية أن عشرات الآلاف من المصريين عالقون هناك بين رحى المعارك وسندان الخوف من الانتقام.
وأوضحت مصادر مصرية رفيعة لـ«الشرق الأوسط» أمس أن «الدولة تبذل أقصى جهودها من أجل إجلاء المصريين، سواء عبر الجهود الدبلوماسية المعلنة، أو جهود أخرى بالتنسيق مع قبائل وعرقيات محلية في ليبيا من أجل توفير طرق آمنة وإخراج العالقين». لكن المصادر أشارت إلى أن هناك أيضا نقطة أخرى مهمة يجب وضعها في الحسبان وسط الوضع الملتهب، ألا وهي أن «هناك بعضا من المصريين العاملين في ليبيا لا يرغبون بالأساس في العودة، وهؤلاء لا يمكن إرغامهم على شيء».
ولا يمكن احتساب أو إحصاء عدد المصريين الموجودين داخل الأراضي الليبية بشكل دقيق، نظرا لأن هناك عددا من المصريين الموجودين هناك بصورة غير رسمية، إلى جانب دخول عدد آخر من أبناء «القبائل المشتركة» بين مصر وليبيا دون إجراءات تسجل ذلك في كثير من الأحيان.. إلا أن التقييمات العامة تتراوح بين 600 ألف ومليون مصري.
وأشارت بعض عائلات المصريين في ليبيا إلى أن أبناءهم ربما يحجمون عن العودة نظرا لظروفهم الاقتصادية السيئة وعدم تمكنهم من إيجاد فرص عمل حال عودتهم. وقال شاب لـ«الشرق الأوسط» إن أخاه الموجود في طرابلس «يفضل الموت هناك بينما يمكنه العمل والتكسب للصرف على أسرته، على أن يعود ويموت مع أسرته جراء البطالة».
لكن الحكومة المصرية تسعى جاهدة لتوفير بدائل محلية استعدادا لعودة المصريين الموجودين في ليبيا. وقالت ناهد العشري، وزيرة القوى العاملة والهجرة، أمس، إن وزارتها «أعدت استمارة في مكاتب العمل في المحافظات للعائدين للقيام بكتابة مستحقاتهم المالية التي تركوها في ليبيا لتعويضهم خلال الفترة المقبلة، ثم يتم التحقق من بياناتهم، وبعدها نطالب السلطات الليبية بحقوقهم مثلما حدث في العراق»، لافتة إلى أنه من الممكن اللجوء إلى المحاكم الدولية، مؤكدة أن الوزارة لديها العديد من الوظائف ستوفرها للعائدين من ليبيا.
من جانب آخر، وبسؤال المصادر الرفيعة عن إمكانية تدخل قوات مصرية خاصة في حالة محاصرة عدد من المصريين بأي من المدن الليبية، قالت المصادر إن «هذا الأمر وارد، لكن له حسابات كثيرة.. ومصر لن تتأخر عن نجدة أي من أبنائها إذا تطلب الأمر، مهما تكلف ذلك الأمر».
وكانت تقارير غير رسمية أشارت على مدار الأيام الماضية إلى عمليات تنسب إلى قوات مصرية خاصة داخل الأراضي الليبية، لكن المصادر المصرية الرسمية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» لم تنف أو تؤكد حدوث ذلك، مشيرة إلى أن العملية المصرية في ليبيا «قائمة»، وأن اجتماعات مجلس الدفاع الوطني لا تزال تدور، بحسب ما أعلنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فجر الاثنين الماضي، مؤكدة أن ذلك كله يجري بالتزامن مع تنسيق القاهرة مع القوى الإقليمية والدولية في الشأن الدبلوماسي لمواجهة الإرهاب.
وشهد منفذ السلوم الحدودي البري تدفق آلاف المصريين، خاصة عقب تلقي المصريين تهديدات من عدد من القوى على الأرض الليبية، وسط وضع ملتبس إلى حد كبير حول أي من تلك القوى يعاون الدولة الليبية الشرعية أو يعاون الإرهاب. وأوضح مدير منفذ السلوم البري، أمس، في تصريحات إعلامية، أن العدد الإجمالي للمصريين العائدين عبر منفذ السلوم البري على الحدود المصرية الليبية بلغ نحو 11.5 ألف مواطن مصري منذ بداية الأزمة حتى الآن، مشيرا إلى أن من بينهم أكثر من ثلاثة آلاف عائد خلال الساعات الـ24 الأخيرة.
بينما توجهت طائرة مصرية ثانية مساء أمس إلى مطار جربا التونسي الدولي لنقل الرعايا المصريين الذين نجحوا في الوصول إلى الأراضي التونسية، وتقدر أعدادهم بالمئات. وكانت الرحلة الأولى أول من أمس، حيث عاد على متن الطائرة 192 مصريا.
وتعمل الدبلوماسية المصرية من جهتها على متابعة الرعايا الموجودين في ليبيا عبر «خلية الأزمة» المشكلة من الخارجية ووزارات سيادية مصرية أخرى. وكانت الخارجية قد حظرت السفر إلى ليبيا «تحت أي مسمى» منذ بدء الأزمة، كما طالبت الرعايا بالمغادرة، وذلك عقب إعلان تنظيم داعش الإرهابي عن ذبحه 21 مواطنا يوم الأحد الماضي.
وعلى صعيد مواز، أصدر المستشار هشام بركات، النائب العام المصري، قرارا أمس بفتح تحقيقات موسعة في شأن الجرائم الإرهابية التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي ضد المواطنين المصريين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها. وأمر النائب العام بتشكيل لجنة فنية تتولى فحص وتحليل جميع المواد الفيلمية المصورة الموجودة على شبكة «الإنترنت»، وتكليف الجهات المعنية بإجراء التحريات اللازمة وجمع المعلومات ذات الصلة، وإدراج أسماء بعض المتهمين ذوي الارتباط بهذا التنظيم الإرهابي على النشرة الدولية الحمراء.
وأكد المستشار هشام بركات أن هذا الإجراء يأتي انطلاقا من كون النيابة العامة هي النائبة عن الشعب المصري في مجال الدعوى الجنائية، وهي الساهرة على حقوق المجني عليهم والقصاص للمجتمع من الجرائم التي ترتكب فيه حق.
وذكرت النيابة العامة أن التحقيقات الموسعة التي تباشرها تتضمن الجرائم المرتكبة بمعرفة تنظيم داعش الإرهابي في حق المصريين، وأيضا وقائع انضمام مصريين لهذا التنظيم، مؤكدة أنها ستتخذ العديد من الإجراءات على المستوى الدولي بالاستفادة من جميع آليات التعاون القضائي الدولي والاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب، وكذلك المستوى الوطني باتخاذ كل الإجراءات والتدابير المنصوص عليها قانونا للذود عن مصلحة المجتمع المصري في هذا الشأن.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.