أنقرة تقتطع أرضًا سورية لبناء ضريح جديد لسليمان شاه.. والنظام يعتبره «عدوانًا سافرًا»

مسؤول: أبلغنا كل من يعنيهم الأمر بالعملية.. ولم نطلب إذنًا

دبابة تركية في أحد شوارع مدينة كوباني السورية بعد الانتهاء من مهمة نقل ضريح سلمان شاه أمس (إ.ب.أ)
دبابة تركية في أحد شوارع مدينة كوباني السورية بعد الانتهاء من مهمة نقل ضريح سلمان شاه أمس (إ.ب.أ)
TT

أنقرة تقتطع أرضًا سورية لبناء ضريح جديد لسليمان شاه.. والنظام يعتبره «عدوانًا سافرًا»

دبابة تركية في أحد شوارع مدينة كوباني السورية بعد الانتهاء من مهمة نقل ضريح سلمان شاه أمس (إ.ب.أ)
دبابة تركية في أحد شوارع مدينة كوباني السورية بعد الانتهاء من مهمة نقل ضريح سلمان شاه أمس (إ.ب.أ)

عدلت الحكومة التركية «اتفاقية أنقرة» الموقعة في عام 1921 بين السلطنة العثمانية وقوات الانتداب الفرنسية، من جانب واحد، متخلية عن سيادتها على قطعة الأرض السورية التي منحتها إياها المعاهدة المذكورة، واقتطعت أرضا توازيها بالمساحة من أرض سورية حدودية نقلت إليها ضريح جد مؤسس السلطنة العثمانية سلمان شاه بعد عملية عسكرية أمنية أبلغت بها الجميع مسبقا، بمن فيهم النظام السوري وتنظيم داعش الذي يسيطر على المكان.
فبعد منتصف ليل أول من أمس، دخلت قوة تركية كبيرة الأراضي السورية، مارة ببلدة كوباني الكردية التي شهدت مواجهات دامية لأشهر بين الأكراد الذين يسيطرون عليها الآن وتنظيم داعش الذي يسيطر على المنطقة التي يقع فيها الضريح. وأحاطت تركيا العملية الأمنية بهالة من الجدية البالغة، تجلت في قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية وكل بث من منطقة الحدود، قبل أن تدخل قوة كبيرة قوامها نحو 570 جنديا ونحو مائة آلية عبرت عبر كزوباني ثم منطقة نفوذ «داعش» وصولا إلى منطقة الضريح التي تقع عند بحيرة الأسد في منطقة تبعد 37 كيلومترا عن الحدود السورية. وقال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إن عملية ضريح سليمان شاه بدأت بدخول 39 دبابة، و57 عربة مدرعة، و100 آلية، و572 جنديا، ووصلت إلى الضريح بعد منتصف الليل، وتزامن ذلك مع توجه قوة عسكرية أخرى إلى قرية آشمة تمهيدا لنقل الرفات إليها.
وأعلن داود أوغلو عن مقتل جندي تركي في العملية «بسبب حادث عرضي»، مؤكدا عدم حدوث أي اشتباكات خلال العملية. وقال: «تم تدمير جميع المباني التي كانت موجودة في مكان الضريح، بعد نقل جميع الأمانات ذات القيمة المعنوية العالية، وذلك لقطع الطريق أمام أي محاولة إساءة استغلال المكان».
وقال داود أوغلو إن قرار العملية اتخذ في أنقرة في إطار القواعد القانونية، دون طلب إذن أو مساعدة من أي جهة، مشيرا في الوقت نفسه إلى إخطار قوات التحالف الدولي والجيش السوري الحر بالعملية، لتفادي وقوع أي ضحايا بين المدنيين، وأخذ العمليات الجوية لقوات التحالف بعين الاعتبار.
وقالت رئاسة الأركان التركية إن عملية ضريح سليمان شاه لم تشهد أي اشتباكات، إلا أن أحد الجنود الأتراك سقط شهيدا، نتيجة حادث وقع خلال المرحلة الأولى من العملية. وأضافت الأركان التركية، في بيان لها، أنه «تم نقل الأمانات التي تحمل قيمة عالية والتي تركها لنا أجدادنا، من ضريح سليمان شاه (في حلب)، الذي يعتبر أرضا تركية وفقا للمعاهدات الدولية، إلى تركيا بشكل مؤقت، تمهيدا لنقلها إلى قرية آشمة في سوريا، وذلك بسبب المشكلات الأمنية في سوريا والضرورات العسكرية».
وبينما قالت مصادر تركية إن أنقرة أبلغت جميع من يعنيهم الأمر بهذا الموضوع قبل حصوله، أعلنت سوريا أن السلطات التركية أبلغت القنصلية السورية في أنقرة بالعملية قبل ساعة من حصولها، لكنها لم تنتظر ردا من دمشق. وفي وقت لاحق اعتبرت وزارة الخارجية السورية أن قيام تركيا بنقل ضريح سليمان شاه من مكان إلى آخر «عدوان سافر». ونقلت وكالة «سانا» الرسمية عن مصدر رسمي في وزارة خارجية النظام أن «تركيا قامت فجر اليوم بعدوان سافر على الأراضي السورية». وأضاف المصدر أنه «على الرغم من قيام وزارة الخارجية التركية بإبلاغ القنصلية السورية في إسطنبول عشية هذا العدوان بنيتها نقل ضريح سليمان شاه إلى مكان آخر، فإنها لم تنتظر موافقة الجانب السوري على ذلك كما جرت العادة وفقا للاتفاقية الموقعة عام 1921 بين تركيا وسلطة الاحتلال الفرنسي آنذاك».
ونفى الناطق في وزارة الخارجية التركية طانجو بيلتش الرد على أسئلة «الشرق الأوسط» حول ما إذا كانت أنقرة أبلغت تنظيم داعش بالعملية، كما رفض التعليق على معلومات أكدتها المعارضة التركية عن وجود تنسيق مباشر مع التنظيم، وأن عناصر «داعش» كانوا يزودون الجنود المحاصرين بالطعام والماء خلال فترة حصارهم التي استمرت نحو 6 أشهر لم تستطع خلالها القوات التركية إجراء عملية التبديل الروتيني التي تجريها كل شهر للجنود الـ40 الذين يحرسون المقر. وقال الناطق بلسان الخارجية التركية: «لا يخفى على أحد أن ضريح سليمان شاه الذي يقع ضمن الأراضي السورية والمخفر التابع له يعد أرضا تركية وفقا للاتفاقيات المعقودة في إطار القوانين الدولية»، وأضاف: «ونتيجة للتقييمات التي جرت، تم نقل ضريح سليمان شاه والمخفر التابع له ورفات سليمان شاه إلى أرض مساوية بالمساحة للأرض التي يقع فيها الضريح وواقعة إلى الشمال من قرية آشمة السورية المجاورة للحدود التركية، مشددا على أن عملية النقل المؤقت للرفات التي تمت استنادا إلى التقديرات الأمنية لا تعتبر تغييرا في وضع ضريح سليمان شاه والمرافق التابعة له وفق ما هو ثابت ومحدد في الاتفاقيات.
واعترف مصدر تركي رسمي لـ«الشرق الأوسط» بأن «داعش» أبلغت بالأمر كغيرها، «لكن بقنوات غير مباشرة»، قائلا إن «جميع من يعنيهم الأمر قد أبلغوا بطريقة أو بأخرى» بالعملية التركية، وإن أنقرة «كانت واضحة بأنها سوف تستعمل كل إمكاناتها لمنع التعرض للقوة»، مشيرا إلى أن حجم القوة التي شاركت في العملية «يوضح النية التركية».
وفي الوقت الذي كانت فيه القوة التركية تصل إلى الضريح وتجري عملية النقل بعد «مراسم دينية» قام بها رجال دين رافقوا القوة، كانت مجموعة أخرى من الجنود الأتراك ترفع العلم التركي على مساحة من أرض سورية اقتطعت لبناء ضريح جديد لسليمان شاه تبعد فقط 200 متر عن الحدود مع تركيا.
وأكد مصدر في رئاسة الوزراء التركية لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده قامت بما يتوافق مع الاتفاقية الدولية، معتبرا أن التعرض للضريح كان يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل كبيرة، وأن أنقرة احتفظت بالمساحة نفسها التي تخلت عنها وهي 10092 مترا مربعا بالتحديد.
وقالت وكالة أنباء الأناضول التركية التي رافق مراسلوها الوحدات التي سيطرت على منطقة الضريح الجديد إنه لدى صدور أمر انطلاق العملية تم فحص المنطقة بالمناظير الليلة أولا، وبعد التأكد من أن المنطقة آمنة بدأت مجموعة من الدبابات التركية في عبور الحدود إلى الجانب السوري من جهة قرية آشمة التركية الموجود في منطقة بيرجيك.
وقامت فرق إزالة الألغام بتمشيط المنطقة وإنشاء ممر آمن سلكته الآليات العسكرية التركية للوصول إلى المنطقة التي سيتم تخصيصها لضريح سليمان شاه، في محيط قرية آشمة السورية، ومن ثم بدأت آليات البناء العسكرية في تجهيز المنطقة التي ستستضيف الضريح، وحافظ الجنود الأتراك على تيقظهم خلال العملية. وتمت إحاطة المنطقة بالأسلاك الشائكة، وقامت مجموعة من الجنود الأتراك برفع العلم التركي عليها، ومن ثم أداء مراسم تحية العلم. وقالت الوكالة إنه ضمن الإجراءات الأمنية المتخذة تم تحويل فوهات المدافع الميدانية التابعة لوحدات حرس الحدود التركية باتجاه الجانب السوري.
وفي هذا الإطار، قال المسؤول المحلي في كوباني إدريس نعسان إن العملية التي قام بها الجيش التركي داخل سوريا نفذت بالتنسيق مع «غرفة عمليات الفرات» في كوباني المؤلفة من فصائل الجيش الحر ووحدات حماية الشعب الكردي. وبينما رفض إعطاء تفاصيل عسكرية عن هذا التنسيق، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه ومنذ كانت كوباني تحت سيطرة النظام كان يتم تبديل فرق حرس ضريح سليمان شاه، لكن ومنذ 5 أشهر، حين بدأت المعارك بين «داعش» والأكراد، عمد التنظيم إلى منعهم من الوصول إلى الضريح عبر كوباني وأجبروا على سلوك طريق جرابلس، أما اليوم وبعد تحرير كوباني كان القرار التركي بنقل الضريح، وتم ذلك بالتنسيق مع الأطراف المسؤولة في المنطقة وعبر معبر مرشد تينار الوحيد بين تركيا وكوباني.
وأكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أن عملية ضريح سليمان شاه تكللت بالنجاح، بعد نقل الرفات، والجنود الأتراك الذين يحرسون الضريح إلى داخل الأراضي التركية، تمهيدا لنقل الرفات مجددا إلى قرية آشمة السورية غرب مدينة عين العرب (كوباني). وأضاف داود أوغلو في المؤتمر الصحافي الذي عقد في مقر هيئة الأركان التركية بالعاصمة أنقرة أن قطعة أرض مجاورة لقرية آشمة وضعت تحت سيطرة الجيش التركي، وتم رفع العلم التركي عليها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.