أوروبا تخطط لكبح التوغل الصيني

تحديث الاستراتيجية الصناعية تعزيزاً للسوق الموحدة

نائبة رئيسة المفوضية مارغريت فيستاغر خلال الكشف في بروكسل عن خطة لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي على كبح توغل الشركات الصينية (أ.ب)
نائبة رئيسة المفوضية مارغريت فيستاغر خلال الكشف في بروكسل عن خطة لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي على كبح توغل الشركات الصينية (أ.ب)
TT

أوروبا تخطط لكبح التوغل الصيني

نائبة رئيسة المفوضية مارغريت فيستاغر خلال الكشف في بروكسل عن خطة لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي على كبح توغل الشركات الصينية (أ.ب)
نائبة رئيسة المفوضية مارغريت فيستاغر خلال الكشف في بروكسل عن خطة لتعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي على كبح توغل الشركات الصينية (أ.ب)

كشف الاتحاد الأوروبي أمس (الأربعاء)، النقاب عن خطة لخفض الاعتماد على الموردين من الصين وغيرها من الدول في ستة قطاعات استراتيجية، مثل المواد الخام، ومكونات العقاقير، وأشباه الموصلات، بعد ركود اقتصادي بسبب الجائحة.
وأشار الاتحاد الذي يضم 27 دولة، إلى مدى إلحاح المهمة؛ إذ تعتمد أوروبا على الصين في توريد نحو 137 منتجاً يُستخدم في الأنظمة البيئية الحساسة، وهي بصفة أساسية مواد خام وأدوية ومنتجات أخرى مهمة لأهداف رقمية وبيئية للكتلة.
ومن خلال الخطة، تسعى بروكسل لتعزيز قدرتها على كبح توغل الشركات الصينية في الاقتصاد الأوروبي بقانون يعطيها صلاحية التحقيق مع الشركات الأجنبية المدعومة حكومياً والتي تعمل على منافسة الشركات الأوروبية بطريقة غير منصفة.
ومشروع القانون جزء من موقف أوروبا المتشدد تجاه بكين، رغم أن الصين تبقى ثاني أكبر شريك تجاري للقارة بعد الولايات المتحدة. وتحاول بروكسل الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع القوة الأسيوية العظمى، بينما ألمانيا متحمسة لتعزيز علاقاتها مع الصين التي تعد الوجهة الأولى لصادراتها.
وحسب وثيقة رسمية اطّلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية أول من أمس (الثلاثاء)، فإن مشروع القانون يمنح بروكسل صلاحيات جديدة للتحقيق مع الشركات الأجنبية التي تسعى لشراء شركات أوروبية بصفقات تبلغ قيمتها 500 مليون يورو أو أكثر. ويمكن أيضاً فتح تحقيقات بشأن تلقي معونات حكومية مع الشركات التي تشارك في مناقصات للفوز بعقود عامة كبيرة في أوروبا، مثل القطارات أو معدات الاتصالات، بقيمة 250 مليون يورو أو أكثر. ويمكن لمفوضية المنافسة أن تفتح تحقيقات بمبادرة خاصة منها خارج هذه البنود.
وقالت الوثيقة إن الدعم غير القانوني يمكن أن يشمل الشركات التي تتلقى قروضاً من دون فائدة أو معاملة ضريبية تفضيلية أو تمويلاً مباشراً بالشكل التقليدي.
ولا يذكر القانون المقترح الصين كما لا يتقصد رسمياً فتح مواجهة مع أي دولة بشكل خاص، لكنّ مصادر توافقت على أن المخاوف التي تثيرها الصين منذ مدة طويلة كانت محورية لوضع مثل هذه المقترحات.
وتأتي المقترحات بعد فترة وجيزة من المفاجأة التي فجّرتها المفوضية التي تتولى السياسة التجارية للاتحاد الأوروبي عبر إبرام اتفاق استثمار مع بكين بعد تعثر المفاوضات لسنوات.
لكن اتفاق الاستثمار تنتظره عملية مصادقة قاسية، ويمكن لاقتراح مكافحة الشركات المدعومة أن يُطمئن المشككين إلى أن اتفاق الاستثمار الأوروبي مع بكين لا يعني تدقيقاً أقل مع الشركات الصينية.
كما قامت المفوضية الأوروبية بتحديث الاستراتيجية الصناعية للاتحاد الأوروبي للتأكد من أنها تأخذ بعين الاعتبار التطورات الجديدة التي أعقبت أزمة وباء «كورونا»، وتساعد في تعزيز التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة ورقمية ومرونة وأكثر تنافسية على المستوى العالمي.
وذكرت المفوضية الأوروبية، في بيان، أن هذه الاستراتيجية المحدثة تؤكد من جديد الأولويات المنصوص عليها سابقاً في مارس (آذار) 2020 والخاصة بالاستجابة للدروس المستفادة من أزمة «كورونا» لتعزيز التعافي الاقتصادي وتعزيز الاستقلال الاستراتيجي المفتوح للاتحاد الأوروبي. وتقترح هذه الاستراتيجية المحدَّثة إجراءات جديدة لتعزيز مرونة السوق الموحدة، خصوصاً في أوقات الأزمات، وأهمية التعامل مع التبعيات الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع تقديم مجموعة أدوات لمعالجتها، فضلاً عن توفير تدابير جديدة لتسريع التحولات الخضراء والرقمية.
وتستجيب الاستراتيجية المحدّثة أيضاً للنداءات المتكررة لتحديد ومراقبة المؤشرات الرئيسية للقدرة التنافسية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي ككل من حيث تكامل السوق الموحدة، ونمو الإنتاجية، والقدرة التنافسية الدولية، والاستثمار العام والخاص، والاستثمار في البحث والتطوير. وتركز كذلك على بُعد الشركات الصغيرة والمتوسطة مع توفير دعم مالي مخصص وتدابير لتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، والشركات الناشئة من احتضان التحولات المزدوجة.
كما تبنّت المفوضية مقترحاً لتنظيم الإعانات الأجنبية التي تشوّه السوق الموحدة، والتي تعد عنصراً أساسياً لتحقيق استراتيجية الاتحاد الأوروبي الصناعية من خلال ضمان تكافؤ الفرص وتعزيز سوق واحدة عادلة وتنافسية.
وفي هذا السياق قالت نائبة رئيسة المفوضية، مارغريت فيستاغر: «تهدف الاستراتيجية الصناعية المحدّثة إلى التأكد من أن صناعاتنا مجهّزة لدفع التحولات الخضراء والرقمية لاقتصادنا مع ضمان القدرة التنافسية لصناعاتنا، وذلك في سياق التعافي من أزمة فيروس (كورونا) وهذا يتطلب استثمارات جديدة الآن -في البشر وفي التقنيات وفي الإطار التنظيمي الصحيح الذي يضمن العدالة والكفاءة. فمن خلال دعم وتوسيع نطاق الأدوات الرئيسية الموجودة بالفعل تحت تصرفنا، فإننا نقدم اليوم دروسنا المستفادة ونعيد تأكيد التزامنا بالعمل جنباً إلى جنب مع جميع الجهات الاقتصادية الفاعلة من جميع أنحاء أوروبا».
ويشار إلى أنه قد تم الإعلان عن تحديث الاستراتيجية الصناعية لعام 2020 من رئيسة المفوضية فون دير لاين، في سبتمبر (أيلول) 2020. ويأتي الإعلان الجديد عن تحديث الاستراتيجية كاستجابة لدعوة قادة الاتحاد الأوروبي لاتّباع سياسة صناعية أوروبية طموحة لجعل الصناعات الأوروبية أكثر استدامة ومرونة وصديقة للبيئة وأكثر قدرة على المنافسة عالمياً. كما دعا قادة الاتحاد الأوروبي المفوضية إلى تحديد التبعيات الاستراتيجية، لا سيما في النظم البيئية الصناعية الأكثر حساسية مثل الصحة، واقتراح تدابير لتقليل هذه التبعيات.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
TT

«الفيدرالي» على وشك خفض الفائدة مجدداً يوم الأربعاء

مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)
مبنى «الاحتياطي الفيدرالي» في واشنطن (رويترز)

من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي تكاليف الاقتراض خلال اجتماعه، يوم الأربعاء المقبل، مع احتمال أن يسلط المسؤولون الضوء على كيفية تأثير البيانات الاقتصادية الأخيرة على قراراتهم بشأن أسعار الفائدة في العام المقبل.

وتضع الأسواق المالية في الحسبان احتمالات بنسبة 97 في المائة أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح النطاق بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

ومع ذلك، تضاءل مبرر بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة مؤخراً بعد التقارير التي تشير إلى أن التضخم لا يزال مرتفعاً بشكل مستمر مقارنةً بالهدف السنوي لـ«الفيدرالي» البالغ 2 في المائة، في حين أن سوق العمل لا تزال قوية نسبياً. وكان البنك قد خفض أسعار الفائدة في سبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بعد أن أبقاها عند أعلى مستوى في عقدين طوال أكثر من عام، في محاولة للحد من التضخم المرتفع بعد الوباء.

ويؤثر سعر الأموال الفيدرالية بشكل مباشر على أسعار الفائدة المرتبطة ببطاقات الائتمان، وقروض السيارات، وقروض الأعمال. ومن المتوقع أن تكون أسعار الفائدة المرتفعة في الوقت الحالي عقبة أمام النشاط الاقتصادي، من خلال تقليص الاقتراض، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد لتخفيف الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي.

لكن مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لا تقتصر فقط على مكافحة التضخم، بل تشمل أيضاً الحد من البطالة الشديدة. وفي وقت سابق من هذا الخريف، أدى تباطؤ سوق العمل إلى زيادة قلق مسؤولي البنك بشأن هذا الجزء من مهمتهم المزدوجة، مما دفعهم إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر. ورغم ذلك، تباطأ التوظيف، فيما تجنب أصحاب العمل تسريح العمال على نطاق واسع.

توقعات الخبراء بتخفيضات أقل في 2025

تدور الأسئلة المفتوحة في اجتماع الأربعاء حول كيفية موازنة بنك الاحتياطي الفيدرالي بين أولويتيه في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل، وكذلك ما سيقوله رئيس البنك جيروم باول، عن التوقعات المستقبلية في المؤتمر الصحفي الذي سيعقب الاجتماع. وبينما تبدو التحركات المتعلقة بأسعار الفائدة في الأسبوع المقبل شبه مؤكدة، فإن التخفيضات المستقبلية لا تزال غير واضحة.

وعندما قدم صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي آخر توقعاتهم الاقتصادية في سبتمبر، توقعوا خفض المعدل إلى نطاق يتراوح بين 3.25 في المائة و4.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025، أي بتقليص بنسبة نقطة مئوية كاملة عن المستوى المتوقع في نهاية هذا العام.

وتوقع خبراء الاقتصاد في «ويلز فارغو» أن التوقعات الجديدة ستُظهر ثلاثة تخفيضات ربع نقطة فقط في عام 2025 بدلاً من أربعة، في حين توقع خبراء «دويتشه بنك» أن البنك سيُبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون خفضها لمدة عام على الأقل. فيما تتوقع شركة «موديز أناليتيكس» خفض أسعار الفائدة مرتين في العام المقبل.

التغيير الرئاسي وتأثير التعريفات الجمركية

يشكّل التغيير في الإدارة الرئاسية تحدياً كبيراً في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد، حيث يعتمد مسار التضخم والنمو الاقتصادي بشكل كبير على السياسات الاقتصادية للرئيس المقبل دونالد ترمب، خصوصاً فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية الثقيلة التي تعهَّد بفرضها على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة في أول يوم من رئاسته.

وتختلف توقعات خبراء الاقتصاد بشأن شدة تأثير هذه التعريفات، سواء كانت مجرد تكتيك تفاوضي أم ستؤدي إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة. ويعتقد عديد من الخبراء أن التضخم قد يرتفع نتيجة لنقل التجار تكلفة التعريفات إلى المستهلكين.

من جهة أخرى، قد تتسبب التعريفات الجمركية في إضعاف الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، مما قد يضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والحفاظ على سوق العمل. كما يواجه البنك تحدياً في فصل تأثيرات التعريفات الجمركية عن العوامل الأخرى التي تؤثر في التوظيف والتضخم.

وتزداد هذه القضايا غير المحسومة وتزيد من تعقيد حسابات بنك الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يدفعه إلى اتباع نهج أكثر حذراً بشأن تخفيضات أسعار الفائدة في المستقبل. كما أشار مات كوليار من «موديز أناليتيكس» إلى أن التغيرات المحتملة في السياسة التجارية والمحلية تحت إدارة ترمب قد تضيف طبقة إضافية من عدم اليقين، مما يدعم الحاجة إلى نهج الانتظار والترقب من لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية.