يوماً بعد آخر، تتأكد المخاوف والتحذيرات، التي أطلقها خبراء ومراقبون بشأن العقبات التي سيشكلها «تجار الحرب» والمستفيدون من استمرارها، أمام عمل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي اتهم، قبل أيام، أطرافاً لم يسمّها بالسعي إلى «إشعال فتيل الحرب بالبلاد عبر تعطيل الخدمات العامة والكهرباء».
وطرح عدد من السياسيين والباحثين الليبيين تساؤلاتهم ورؤاهم بشأن قدرة حكومة «الوحدة الوطنية» خلال مدة عملها القصيرة نسبياً، والتي تنتهي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على التصدي للمستفيدين من استمرار الحرب.
يقول عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، إن «المعركة مع هؤلاء غير هينة على الإطلاق، لأنهم أطراف متعددة تتضمن مهربي السلاح الذين غنموا أموالاً طائلة من اشتعال الصراع، وقيادات التشكيلات العسكرية التي تاجرت بالسلاح بعضها مع بعض، وهي تشعر الآن بالخطر من احتمالية تهميشها بالمشهد مع التقدم تدريجياً بخريطة الطريق وإجراء الانتخابات، بالإضافة إلى أن بعضهم لديه آيديولوجيات وتوجهات خاصة».
ونوّه الزرقاء كذلك بـ«تجار الخردة الذين جمعوا ثروات ضخمة من مخلفات المعارك سواء أسلحة ومعدات ثقيلة، ويرون أن توقف الحرب يعني تقليل مكاسبهم بالمستقبل، كما يبرز دور مهربي الوقود والبشر، وعصابات سرقة الأسلاك الكهربائية والموظفين الفاسدين ممن استغلوا الفوضى التي نجمت عن هذا الصراع، وللأسف هؤلاء لا يزالون إلى الآن متحكمين بمجريات الأمور»، وفق قوله.
وكان الدبيبة، أعلن بعد اجتماع مسؤولي «الشركة العامة للكهرباء» صباح الجمعة الماضي، أن «انقطاع الكهرباء غير المبرر عن معظم أرجاء البلاد بعد 20 يوماً من عمل الشبكة بكفاءة تم (بفعل فاعل) وأنه قد تم إحالة الملف للنائب العام».
ولا يستبعد الزرقاء «إمكانية عقد تحالف بين بعض تلك الأطراف (المستفيدة بالحرب) لإفساد المشهد، وقد يكونون وراء تدمير محطات الكهرباء، أما الأخطر فإنه يتمثل بمحاولة خلق الاحتقان بين أطراف المشهد الليبي، وخاصة الحكومة والجيش الوطني، بهدف إرجاع البلاد لمربع الحرب».
وسبق للدبيبة القول خلال لقاء مع نواب وأعيان منطقة تاجوراء شرق العاصمة، القول إن «من يشعل الحرب، ومن يقطع الكهرباء، ومن يحدث مشكلات في الطوابير أمام محطات الوقود، ومن يمنعنا من التواصل مع أهالينا في جميع أنحاء ليبيا هم (أعداء الشعب الليبي)».
ولا يختلف الكاتب ورئيس تحرير جريدة «الحقيقة» الليبية، مختار الجدال، عن الرأي السابق، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أستبعد قيام هؤلاء من تجار الحرب بدفع مختلف الأطراف نحو حروب جديدة يحددون هم أماكنها وأزمنتها». وواصل: «للأسف حكومة الدبيبة قد لا تملك كثيراً لمواجهة من يمارسون السرقات وتهريب السلاح، خاصة بالمنطقة الغربية، نظراً لاعتماد هؤلاء ذات بضاعتهم، أي السلاح لحماية مصالحهم».
إلا أنه عاد مستدركاً: «لا أستثنى أحداً، فالفساد الإداري والتهريب والمستفيدون منه موجودون شرقاً وغرباً، هؤلاء ممن تهمهم مصلحتهم قبل مصلحة الوطن مع الأسف».
أما محمد معزب، عضو المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، فركز بدوره على «العمر الزمني القصير لحكومة الدبيبة»، ما «لا يؤهلها للتعامل مع زمرة المستفيدين من الصراع» حسب تقديره.
ورأى معزب أن «المواجهة مع الأطراف المعرقلة لاستقرار الأوضاع في البلاد تحتاج إلى برنامج طويل الأمد، ومدعوم من حكومة منتخبة وقوى إقليمية ودولية»، وشرح: «قد تكون معالجة قضية (المرتزقة) أسهل بكثير لكونها تتعلق بتفاهمات دولية، أما الميليشيات المحلية فإنها تجذرت في أعماق الواقع الليبي وبالتالي جهد اقتلاعهم وتفكيكهم لا يتناسب إطلاقاً وطاقة وقدرات السلطة الانتقالية الراهنة».
وكان الدبيبة تطرق لقضية المرتزقة خلال لقاءاته مع نواب وأعيان تاجوراء، قائلاً: «لم نستطع الدخول لمطار سرت وهو ليبي وعلى أرض ليبية بسبب وجود المرتزقة به»، وأوضح أن «القوات المتمركزة هناك طلبت منهم الدخول إلى سرت براً، لكن الحكومة رفضت... قلنا لهم سنأتي بالطائرة وهذا مطار ليبي ولا يمكن لأي شخص أن يمنعنا من النزول في مطارات الليبيين».
وخلافاً للآراء السابقة، يرى المحلل السياسي السنوسي إسماعيل الشريف أن «حكومة الدبيبة قد تكون قادرة على مواجهة تجار الحرب عبر الاقتراب من الشارع الليبي من زاوية الالتزام بخريطة الطريق التي تقود لإجراء الانتخابات العامة، وتعزيز دور وزارة الداخلية لضبط الأمن، شريطة توفير كل دعم ممكن محلي ودولي لتلك الوزارة».
ودعا الشريف، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، الدبيبة إلى «الاستفادة من الدعم الإقليمي في حل قضية المرتزقة، والعمل على توسيع مشاركة أصحاب الطموح السياسي بعموم البلاد، وخاصة في الشرق والجنوب من الداعمين لمبدأ وحدة البلاد، وذلك لقطع الطريق على خلق أي أجسام موازية لحكومته هناك».
«تجار الحرب»... التحدي الصعب للحكومة الليبية
«تجار الحرب»... التحدي الصعب للحكومة الليبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة