في أعقاب مصرع 44 شخصاً وإصابة 150 آخرين جراء التدافع، خلال مناسبة دينية يهودية في إسرائيل، رفض المواطنون أن تقوم الشرطة بالتحقيق مع نفسها، وطالبوا بتشكيل لجنة تحقيق لمعاقبة المسؤولين عن الكارثة.
واستُقبِل رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بهتافات «ارحل» عندما زار مكان الحادث، أمس (الجمعة)، وارتفعت مطالبات بإقالة وزير الداخلية ووزير الأمن الداخلي وقادة الشرطة ومحاسبة كبار رجال الدين اليهود المسؤولين عن تنظيم المهرجان.
وشهدت إسرائيل، طيلة يوم أمس، حالة من الهلع من جراء الحادث. وانشغلت الطواقم الطبية في معالجة الجرحى وجمع وجبات دم من المتبرعين. واستضاف المواطنون العرب في قرى الجليل، المجاورة لمكان الحادث، ألوف المصلين اليهود الذين دخلوا في حالة ضياع وصدمة نفسية. وانشغل ألوف المواطنين في مساعدة أهالي الضحايا في العثور عليهم وفي التفتيش عن ألوف التائهين من الأطفال والنساء والمسنين. وأعلنت الحكومة عن يوم حداد وطني، اليوم (الأحد).
وكان الحادث قد وقع قبيل منتصف ليلة الخميس -الجمعة، عندما كان نحو مائة ألف مؤمن يهودي يقيمون الصلوات والاحتفالات لمناسبة «عيد الشعلة» اليهودي عند ضريح الحاخام شمعون بار يوحاي، في جبل الجرمق، قرب مدينة صفد في أعالي الجليل. وعيد الشعلة المعروف أيضاً كـ«عيد البواكير»، وبالعبرية بـ«لاغ بعومر»، وتعني اليوم الثالث والثلاثين لتعداد أيام الغمر، أي حزم السنابل بعد الحصاد، يأتي كيوم احتفالي يتم فيه إيقاد المشاعل لإحياء ذكرى ثورة الشعب اليهودي في أرض إسرائيل بقيادة شمعون باركوخبا ضد الرومان. وكان ذلك في عام 132 الميلادي، أي بعد مرور 62 عاماً على خراب «الهيكل المقدس الثاني»، حسب التعبير اليهودي. ومن التقاليد البارزة التي يتسم بها عيد لاغ باعومر: إقامة عشرات حفلات الزواج، لأنه اليوم الوحيد الذي يجوز فيه شرعاً إقامة الأفراح والمسرات خلال الأسابيع السبعة التي تفصل بين عيد الفصح (بيسح) وعيد الأسابيع (شفوعوت).
ولكن مكان الضريح يعد ذا مساحة ضيقة ووجود كمية هائلة من الناس فيه يعد خطراً على الحياة. وقد حذر مراقب الدولة من وقوع كارثة فيه بسبب ذلك. إلا أن الحكومة امتنعت عن علاج المشكلة. فلا هي مستعدة لتقييد الوصول إلى هناك، حتى لا تصطدم بالأحزاب الدينية الشريكة في الائتلاف الحكومي، ولا هي تسعى بتوسيع المكان وتنظيمه حتى يتسع للجماهير الغفيرة. وتحولت زيارة الضريح إلى تجارة مربحة للسياحة الداخلية لبعض الشركات والجمعيات الدينية.
وفي هذه السنة، بلغ عدد المشاركين في المهرجان 100 ألف شخص، بينهم كثير من الأطفال والنساء والمسنين. وحضر أيضاً كل من وزير الأمن الداخلي، أمير أوحانا، والمفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، وقائد المنطقة الشمالية للشرطة، شمعون لافي ونواب كثيرون في البرلمان من الأحزاب الحاكمة.
وحسب التحقيقات الأولية، فإن أحد المصلين كان يرقص بفرح هائج فانزلق وأسقط عدداً من المحتفلين الذين كانوا يقفون أمامه على السلالم. فبدأ الناس يتراكضون للهرب، وراحوا يدوسون الواحد على الآخر بهلع شديد. ولم يكن هناك سوى مخرج واحد، لأن الشرطة أغلقت أحد المداخل بالقرب من المدرج، الأمر الذي أدى إلى حشر المئات في ممر ضيق واحد، كل منهم يسابق الآخر على الخروج. وفي انتهاء الحدث، تبين هول المصيبة، إذ توفي 45 شخصاً وأصيب 150 آخرون، جميعهم من اليهود المتدينين والمتزمتين (الحريديين). وتم إجلاء المصابين في المكان إلى المستشفيات بست طائرات مروحية تابعة للجيش والشرطة وعشرات سيارات الإسعاف، فيما عملت وحدة الإنقاذ التابعة للجيش الإسرائيلي على تخليص مشاركين عالقين في منطقة الحادث.
وفي أعقاب الحادث، أعلنت الشرطة عن فتح تحقيق. لكن المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، منعها من التحقيق مع نفسها وقام محققو «ماحاش»، وهي دائرة في وزارة القضاء تحقق في مخالفات الشرطة، بمعاينة المنطقة وباشرت التحقيق. لكن كثيراً من السياسيين والصحافيين وذوي الضحايا رفعوا مطلب تشكيل لجنة تحقيق رسمية نزيهة تكون قادرة على محاسبة المسؤولين وكشف الشبهات الجنائية لمسؤولي الشرطة ومن فوقهم في الحكومة وفي المؤسسة الدينية. ورفض ضباط كبار في الشرطة الاتهامات بتحميلهم مسؤولية الحادث المأساوي، لكن قائد المنطقة الشمالية للشرطة، شمعون لافي، صرح قائلاً: «أتحمل المسؤولية الشاملة، ومستعد لأي تحقيق تقصي حقائق. ونحن في مرحلة جمع الأدلة والقرائن من أجل الوصول إلى الحقيقة». وعندما وصل نتنياهو، أمس، إلى مكان الحادث استقبله مواطنون بالصراخ: «أنت المسؤول عن الكارثة». وألقى مواطنون زجاجات باتجاه موكبه.
وقال نتنياهو: «مأساة جبل ميرون تعد إحدى أكثر المآسي ألماً في تاريخ دولة إسرائيل. نحزن على الضحايا وقلوبنا مع العائلات والمصابين الذين نتمنى شفاءهم الكامل. وقعت هنا مشاهد تمزق القلب: أناس قتلوا في التدافع، بمن فيهم الأطفال. لم يتم بعد تشخيص عدد كبير من الضحايا وألتمس الامتناع عن ترويج الإشاعات في مواقع التواصل الاجتماعي لأن هذا يمزق قلوب العائلات. اسمحوا للسلطات بأداء واجباتها». ودافع نتنياهو عن الشرطة قائلاً: «الشرطة قامت هنا بعملية إجلاء سريعة ونحن ممنونون لقوات الإجلاء والأمن التي حالت دون وقوع مأساة أكبر بكثير. سنقوم بفحص جذري وجدي ومعمق كي نضمن أن مثل هذه المأساة لن تتكرر».
يذكر أن سكان القرى والبلدات العربية القريبة في شمال إسرائيل أقاموا عشرات المحطات لتقديم الطعام والشراب المجاني لآلاف المصلين اليهود الذين كانوا يحاولون الخروج من منطقة ميرون الجبلية في أعقاب المأساة التي وقعت ليلاً. وقال راضي نجم، رئيس المجلس المحلي لقرية بيت جن القريبة من جبل ميرون (الجرمق)، إن بلدته فتحت منشآتها وإن عائلات كثيرة فتحت منازلها للأشخاص الذين تم إجلاؤهم والمنقذين من موقع الكارثة. وفي تل أبيب، اصطف مئات الإسرائيليين للتبرع بالدم في وحدات متنقلة تابعة لمنظمة نجمة داوود الحمراء في ميدان رابين، بعد أن أصدرت المنظمة نداء للمواطنين طلباً للمساعدة في أعقاب حادثة التدافع المميتة.
مطالب بلجنة تحقيق وإقالة وزراء بعد مقتل 45 بحادث تدافع في إسرائيل
حداد واتهامات لنتنياهو ولرجال الدين... والعرب يستضيفون جيرانهم اليهود المنكوبين
مطالب بلجنة تحقيق وإقالة وزراء بعد مقتل 45 بحادث تدافع في إسرائيل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة