مفاوضات فيينا: بين اندفاعة واشنطن ومناورات طهران

أوروبا تتوسط للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني

مفاوضات فيينا: بين اندفاعة واشنطن ومناورات طهران
TT

مفاوضات فيينا: بين اندفاعة واشنطن ومناورات طهران

مفاوضات فيينا: بين اندفاعة واشنطن ومناورات طهران

لم تتأخر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في «الوفاء» بوعدها الانتخابي حول الانخراط في مفاوضات مع إيران، وإن كانت غير مباشرة، وذلك بهدف العودة إلى لاتفاق النووي الذي خرج منه سلفه الرئيس السابق دونالد ترمب وعاد ليفرض العقوبات على طهران ويضيف إليها حتى.
«الدبلوماسية» التي يقول بايدن إنها الطريق الوحيد لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، تُرجمت دورتين من مفاوضات غير مباشرة مع طهران، استضافتها منذ مطلع أبريل (نيسان) الجاري العاصمة النمساوية فيينا، التي هي مكان ولادة الاتفاق الأصلي. وهذه المرة لعبت الدول الأوروبية دور الوسيط، إذ كان مسؤولوها ينتقلون بين الفندق الذي يستضيف المفاوضات مع الإيرانيين والفندق الآخر مقابله حيث يقيم الأميركيون، حاملين الرسائل بين الجانبين. ويُذكر أنه رغم تفضيل الولايات المتحدة الحوار المباشر، رفضت إيران العرض منذ البداية، وهي ما زالت ترفض الكلام حتى عن مفاوضات غير مباشرة. وهي تقول إن المطلوب واضح: إعادة العمل بالاتفاق الأصلي الذي توصلت إليه مع الدول الـ5 زائد 1، من دون زيادة أو نقصان.
وبالفعل، يبدو أن واشنطن توصلت إلى قناعة بأن هذه هي المقاربة الأفضل، على الأقل، حتى الآن. وتخلّت، وإنْ مؤقتاً، عن وعود بايدن الانتخابية بتوسيع نطاق الاتفاق ليشمل تدخّلات إيران في منطقة الشرق الأوسط وبرنامجها للصواريخ الباليستية. ولتاريخه، يمكن القول إنه إن تحقق شيء من التقدم في جولتين من التفاوض، ستُستكملان بجولة ثالثة الأسبوع المقبل. ولكن ما الذي تحقق فعلاً؟ وما حظوظ التوصل إلى اتفاق خلال شهر... كما يأمل بعض المشاركين في هذه المفاوضات؟

مدى التفاؤل أو التشاؤم حيال مآل المفاوضات النووية الأميركية الإيرانية يعتمد على مَن تسأل من المشاركين. بيد أن الجميع يتفق على الأقل على أنها تسير على الطريق الصحيح. ففي اليوم الأول من المفاوضات التي انطلقت في 6 أبريل الماضي، أمكن الاتفاق على تشكيل لجنتي خبراء: الأولى تدرس رفع العقوبات الأميركية، والثانية تركّز على عودة إيران لالتزاماتها ضمن «خطة العمل المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي الموقّع عام 2015.
اختتمت الجولة الأولى أعمالها بعد 5 أيام، عادت الوفود بنهايتها إلى دولها للتشاور. الوفد الإيراني يترأسه عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية الإيراني، والوفد الأميركي يترأسه روبرت مالي المبعوث الأميركي الخاص إلى إيران. الرجلان يعرف أحدهما الآخر معرفة جيدة، وسبق لهما أن خاضا المفاوضات الرئيسة معاً ضمن كبار المفاوضين، كلٌّ عن دولته، في الاتفاق الأصلي عام 2015.
إلا أنه لم تمضِ أيام قليلة حتى عادت الوفود مرة جديدة إلى فيينا للجولة الثانية من المفاوضات، بتأخر يوم واحد، تبيّن لاحقاً أنه لأسباب لوجيستية تتعلق بتأخر وصول أحد الوفود الأوروبية على أثر إصابة فرد منه بفيروس «كوفيد - 19» ولكنّ هذا التأخر كان مصحوباً بتوترات ومخاوف في أعقاب تعرّض مفاعل «نطنز» النووي -بوسط إيران- لما وصفته إيران بـ«عملية تخريب إرهابية» دمّرت أجزاء كبيرة منه، ودفعت إيران إلى التصعيد وإعلان رفع تخصيبها اليورانيوم بنسبة 60% من 20%، ما يقرّبها أكثر من درجة النقاوة المطلوبة لتطوير سلاح نووي والتي تصل إلى 90%.
لقد كان واضحاً أن إيران اختارت الخروج بهذا الإعلان من فيينا نفسها. ولكن رغم المخاوف من أن يعرقل هذا التصعيد الذي تبعه بيان أوروبي شديد اللهجة يُدين فيه قرار طهران رفع مستوى تخصيبها اليورانيوم، استمرت المفاوضات. وبينما رأى بايدن نفسه أن هذا الإعلان «لا يساعد» في المفاوضات، فإنه مع ذلك قال إنه لن يدع هكذا إعلان يعرقل المفاوضات.

- جولة ثانية متوترة
وهكذا انطلقت الجولة الثانية، وإنْ بتأخير يوم وبجلسة متوترة، انتقد فيها عراقجي امتناع الدول الأوروبية عن إدانة استهداف مفاعل «نطنز»، الذي اتهمت طهرانُ إسرائيل بتدبيره. ومن ثم، مكثت الوفود أسبوعاً تقريباً بدأت خلاله عملية صياغة الاتفاق على الأمور التي لم تعد محل خلاف، واتفقت في ختامه على تشكيل لجنة ثالثة مهمتها درس «تسلسل الخطوات» التي ستُتخذ في سياق العودة للاتفاق كاملاً. وبذا تكون هذه اللجنة انخرطت في معالجة واحدة من نقاط الخلاف الأساسية في هذه المفاوضات، وهي: مَن سيخطو الخطوة الأولى؟
طهران ما زالت متمسكة بأن ترفع واشنطن كامل العقوبات أولاً، ثم تعود إيران لالتزاماتها بعد أن تتأكد من أن العقوبات رُفعت فعلاً. ولقد كرّر الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا التسلسل في الخطوات بعد اختتام الجولة الثانية قبل أيام. أما واشنطن فتقول إنها لن ترفع العقوبات قبل أن تعود طهران لكامل التزاماتها. وهنا، يسعى الوسطاء خلال العملية التفاوضية إلى إيجاد حل مقبول لاتخاذ خطوات متوازية من الجانبين.
غير أن المشكلات التي تهدد التفاوض لا تقتصر فقط على تسلسل الخطوات. إذ إن ميخائيل أوليانوف، السفير الروسي للمنظمات الدولية الذي يمثل بلاده في هذه المفاوضات، يتحدث عن «العشرات والعشرات» من النقاط التي ما زالت محل خلاف. ويضيف أن نقطة الخلاف الرئيسة تتمثل في تحديد العقوبات التي يمكن رفعها.
وفي حين تطالب إيران برفع كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، ويصل عددها إلى 1600 عقوبة، تقول واشنطن إنها مستعدة لرفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي فقط. ومعلومٌ أن ترمب كان قد فرض عقوبات مرتبطة أيضاً ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية، ودورها المزعزع للاستقرار في المنطقة، وكذلك عقوبات تتعلق بحقوق الإنسان. وراهناً، يخضع البنك المركزي وقطاع النفط في إيران لعقوبات مختلفة مرتبطة بالاتفاق النووي وغيرها. ومقابل ذلك، تطالب طهران برفع كامل للعقوبات المرتبطة بالقطاعين النفطي والمالي ما يسمح لها بأن تبيع نفطها من دون قيود وتُجري معاملات مالية مع الخارج.

- تكتيكات التفاوض الإيراني
وعند هذه النقطة، يرى البعض أن تمسّك إيران بالخطاب نفسه حول رفع الولايات المتحدة كامل العقوبات قبل أن تعود إلى التزاماتها، ليس إلا أداة من أدوات التفاوض. وتقول سنام وكيل، الباحثة في الشؤون الإيرانية في معهد «تشاتام هاوس» بالعاصمة البريطانية لندن، إن هذا الخطاب الإيراني هو «جزء من تكتيكات التفاوض، وهو مهمّ بالنسبة إلى الداخل الإيراني». وهي ترى أن المفاوضات حتى الآن «مثمرة، ولكن الأطراف حذرة لأنه ما زال هناك كثير من العمل المطلوب إنجازه خصوصاً حول تسلسل الخطوات».
مع ذلك لا ترى وكيل، خلال حوار لها مع «الشرق الأوسط» أن هذه الخلافات كبيرة لدرجة أن تعرقل المفاوضات، وتوضح: «واقع أن المفاوضات مستمرة... وأن الجانبين حذران، أمر إيجابي»، مضيفةً أن «هدف الجانبين ما زال نفسه»، وهو إعادة العمل بالاتفاق النووي.
وحقاً، في هذه الأثناء، يسود داخل المفاوضات شعور مشابه بأن الطلبات الإيرانية العلنية محاولة لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب. ويقول أحد المشاركين في المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» إن الإيرانيين «قدموا ورقتين للتفاوض، واحدة توضح توقعاتهم وأخرى تتضمن رؤيتهم... إنها عملية سائرة قدماً، لكنني لا أذكر أي مفاوضات جرى فيها تبني ورقة قدمها أحد الأطراف كما هي».
في أي حال، رغم هذه الخلافات، فإن التزام الطرفين على الأقل يبدو واضحاً. البعض يرى أن مجرد عودة الوفد الإيراني إلى فيينا يشكّل إشارة إيجابية رغم اللهجة التصعيدية العلنية. وواشنطن بعد فوز بايدن في الانتخابات الأخيرة أكّدت مراراً التزامها بإعادة الاتفاق واستعدادها لتقديم تنازلات، رغم الصعوبات. وقد كرّر مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، ذلك بعد الجولة الثانية، في حديث للإعلامية الأميركية المعروفة كريستيان أمانبور –وهي إيرانية الأصل- فقال: «حققنا بعض التقدم، غير أنه ما زالت هناك مسافة يجب قطعها، ولكن في النهاية الولايات المتحدة ملتزمة بالعودة للاتفاق على أساس الامتثال المتوازي». وحسب سوليفان، فإن واشنطن تواجه تحدّيين في هذه المفاوضات: الأول تحديد العقوبات التي يمكن رفعها مقابل الالتزامات التي ستعود إليها إيران. والآخر قضية التسلسل. الأولوية بالنسبة إلى واشنطن الآن تتعلق بـ«المحتوى»، حسب مستشار الأمن القومي، وهو بالفعل عمل اللجنتين اللتين شُكّلتا خلال الجولة الأولى من المفاوضات.
على صعيد متصل، في حين لا تتوافر تفاصيل كثيرة عن الالتزامات التي أبدت إيران جهوزيتها للعودة إليها ضمن أي اتفاق محتمل، فإن معلومات أكثر رشحت عن العقوبات التي يمكن للولايات المتحدة أن ترفعها. وقد نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤول في الخارجية الأميركية قوله إن واشنطن قدّمت لطهران أمثلة عن 3 فئات من العقوبات: فئة أولى تتضمن العقوبات التي يمكن رفعها وفئة ثانية لن ترفعها، وفئة ثالثة مصنّفة «حالات صعبة» ما زالت الإدارة الأميركية تدرس إمكانية رفعها.
ووفق المسؤول الأميركي فإن العقدة الأساسية هي العقوبات المصنّفة في الفئة الثالثة، لأن «إدارة دونالد ترمب -حسب زعمه- فرضت عن عمد عقوبات تحت تسمية الإرهاب، على الرغم من أنها فُرضت فقط بهدف إعاقة أو منع عودة الولايات المتحدة للاتفاق». وقالت الصحيفة إن المسؤول رفض تحديد عدد أو نوع العقوبات المصنفة ضمن كل فئة. وهذا، بينما تحدث البعض عن استعداد واشنطن لرفع عقوبات تتعلق بالبنك المركزي المصنّفة تحت تمويل الإرهاب، مع الإبقاء على العقوبات المرتبطة بالحرس الثوري.

- نشاطات إيران الإقليمية
وحول موضوع العقوبات أيضاً، صرّح متحدث باسم الخارجية الأميركية بعد انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات، بأن رفع بعض العقوبات عن إيران «لا يعني أننا لن نواصل مواجهة تصرفات إيران المزعزعة (للاستقرار) في المنطقة وهي تصبّ ضمن مصالحنا وصد مصالح شركائنا في المنطقة». ويرى آخرون أن واشنطن لن ترفع كامل العقوبات التي فرضها ترمب وذلك من أجل استخدامها لاحقاً لإجبار طهران على العودة للتفاوض حول أمور أخرى. وحسب سنام وكيل، فإن «إدارة بايدن تريد الإبقاء على بعض العقوبات بهدف إعادة الإيرانيين للتفاوض حول توسيع الاتفاق لتضمينه دور طهران مثلاً في المنطقة وأموراً أخرى». وترى وكيل أن ثمة «حاجة إلى العودة والتفاوض حول القضايا الأخرى، المتعلقة بدور إيران في المنطقة وبرنامجها للصواريخ الباليستية، لمواجهة (مخاوف إسرائيل ودول المنطقة)، ولتفادي المزيد من التصعيد العسكري في الشرق الأوسط». وتشير إلى أن هذا سيكون أيضاً في مصلحة إيران الباحثة عن انفتاح اقتصادي يريحها من تدهور الوضع.

- مخاوف أميركية من تكرار خطأ تقديرات أوباما
ترفض الولايات المتحدة تحديد سقف زمني لمفاوضات فيينا، وتشدد على أنها ما زالت في بداية الطريق. وبهذا الشأن، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن ما تبقى من طريق المفاوضات «أطول مما مرّ»، وهذا، رغم زعم الرئيس الإيراني أن ما بين 60% و70% من الاتفاق أُنجز بالفعل، ويمكن تحقيق اتفاق كامل «إذا استمر الأميركيون بالتفاوض بصدق».
ومع استمرار هذه المفاوضات، تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على إدارة الرئيس جو بايدن لتحاشي «المغامرة» بإعادة العمل باتفاق من دون كثير من الضمانات. وبينما يكثف الإسرائيليون مشاوراتهم مع الأميركيين لمعرفة تفاصيل ما تقدمه الإدارة من إعفاءات لإيران، يتحرك الجمهوريون في واشنطن بقيادة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، في الكونغرس، للدفع باتجاه فرض مزيد من العقوبات على إيران وتعقيد العودة للاتفاق. كذلك، يحذّر شركاء واشنطن في الشرق الأوسط من مخاطر العودة لاتفاق قد يؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة ويزيد من تدخلات إيران في دولهم في حال بدأت تجني مكاسب مالية من الاتفاق.
وحول هذا الجانب، قال فريديريك هوف في ورقة أعدها لمعهد «أتلانتيك إنستيتيوت» إن إدارة باراك أوباما كانت تأمل عند توقيعها الاتفاق مع إيران عام 2015، أن يسهم ذلك في خفض عدائية إيران وتدخلاتها في المنطقة، ولكن هذا لم يحصل.
ويذكّر هوف بتقرير الاستخبارات الأميركي السرّي عن إيران الذي كشف عنه أخيراً، والذي يقدّر أن إيران ستستمر «بتشكيل تهديد للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة على المدى المنظور».
ومن ثم، تساءل هوف عما إذا كانت الاستخبارات الأميركية تقدّر اليوم أن إعادة العمل بالاتفاق النووي ستردع إيران عن تدخلاتها في المنطقة «كما ظن أوباما ذات يوم». وأضاف أنه «يأمل ألا تؤدي دبلوماسية بايدن النووية إلى دفع طهران عن غير قصد لتطوير سلاح ترى أنه في مصلحتها، وبأمل أن تجديد الاتفاق النووي معها لن يمكّنها من فعل أسوأ ما يمكّنها فعله في الشرق الأوسط، لأن عواقب ذلك سيكون قاتلاً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الإقليمية وللمدنيين الأبرياء الذين يكافحون يومياً في الدول التي تعاني من الوجود الخبيث لإيران وأدواتها».


مقالات ذات صلة

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».