واشنطن تطلب من دمشق الإفصاح عن السلاح الكيماوي وتدميره

أعلنت أن النظام السوري استعمله 50 مرة على الأقل

TT

واشنطن تطلب من دمشق الإفصاح عن السلاح الكيماوي وتدميره

بعد القرار الذي اتخذته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ضد النظام السوري، والرسالة التشريعية التي بعث بها أعضاء الكونغرس إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أعلنت وزارة الخارجية أول من أمس عن تضامنها مع المجتمع الدولي وما توصلت إليه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، داعية نظام بشار الأسد إلى التعاون مع مطالبات المنظمة، والإفصاح عن مخزون الأسلحة لديه وتدميره على الفور.
وقال المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية في بيان، إن التقديرات الأولية تشير إلى أن نظام الأسد استخدم الأسلحة الكيماوية 50 مرة على الأقل منذ الانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية في عام 2013، كما أن القوات الجوية السورية كانت مسؤولة عن ثلاث هجمات باستخدام غاز السارين والكلور في مارس (آذار) عام 2017، في بلدة اللطامنة شمال سوريا.
وأوضح نيد برايس في البيان، أنه في 21 أبريل (نيسان) 2021 في لاهاي، اتخذ مؤتمر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للدول الأطراف قراراً تاريخياً؛ وذلك رداً على استمرار نظام الأسد في استخدام وحيازة الأسلحة الكيماوية، وهو ما يعد انتهاكاً لالتزاماته بموجب المادة الكيميائية في اتفاقية الأسلحة، وفشل النظام في استكمال الإجراءات المنصوص عليها في قرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية الصادر في يوليو (تموز) 2020.
واعتبر أن هذا القرار يفي بالتوصية التي قدمها المجلس التنفيذي رداً على نتائج أبريل 2020 لفريق التحقيق وتحديد الهوية التابع لمنظمة حظر الأسلحة، مشيراً إلى أن الفريق الاستشاري الدولي أصدر منذ ذلك الحين تقريراً إضافياً عن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية في حالة منفصلة؛ مما يضيف إلى مجموعة قوية من الأدلة من قبل هيئات التحقيق الدولية الأخرى على أن النظام استخدم هذه الأسلحة بشكل متكرر ضد شعبه، وتثني الولايات المتحدة على موظفي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لعملهم الشامل والخبير والمهني في إعداد هذه التقارير.
وأضاف «يدين القرار استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية، ويعلق بعض حقوقها وامتيازاتها بموجب الاتفاقية حتى يبلغ المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية المجلس بأن سوريا استكملت الإجراءات المطلوبة، حسب قرار المجلس التنفيذي في يوليو 2020، في ذلك القرار طلب المجلس من سوريا الإعلان عن أي أسلحة كيميائية لا تزال تمتلكها، وكذلك مرافق إنتاج الأسلحة الكيميائية، وغيرها من المرافق ذات الصلة، كما طلبت من سوريا حل جميع القضايا العالقة المتعلقة بالإعلان الأولي عن مخزونها من الأسلحة الكيماوية وبرنامجها».
وأفاد المتحدث الرسمي بأن هذه هي «المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ مثل هذا الإجراء» ضد دولة في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وستقدم نسخة من القرار إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى جانب المجتمع الدولي، حثت الولايات المتحدة نظام الأسد على التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والإعلان عن مخزونه المتبقي وتدميره، والتخلي عن برنامج الأسلحة الكيميائية، والامتثال لالتزاماته بموجب اتفاقية الأسلحة الكيماوية.
وأشار إلى ترحيب الولايات المتحدة بقرار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتثمين التزام المجتمع الدولي المستمر بدعم المعايير الدولية ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، قائلاً «يمثل استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل أي دولة تهديداً أمنياً غير مقبول لجميع الدول، وكما يتضح اليوم، سيواصل المجتمع الدولي السعي وراء المساءلة عن استخدام الأسلحة الكيميائية، التي لا يمكن الإفلات من العقاب عليها».
وفي أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأميركية حول تقيد الدول باتفاقيات والتزامات الحد من التسلح وعدم الانتشار ونزع السلاح والامتثال لها، كشفت عن أن سوريا لا تزال تنتهك التزاماتها بموجب المادة الثالثة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الضمانات الشاملة الخاصة بها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال التقرير، الذي اطلعت «الشرق الأوسط» عليه، الصادر الأسبوع الماضي، إن سوريا فشلت في إعلان وتقديم معلومات التصميم إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبناء مفاعل نووي في الكبر (المعروف أيضاً باسم دير الزور)، والذي تم تدميره في غارة جوية إسرائيلية في سبتمبر (أيلول) من عام 2007، وبناء سوريا السري لمفاعل الكبر واستمرار رفضها طلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للوصول إلى هناك أو تقديم المعلومات المتعلقة بمفاعل الكبر، وكذلك المعلومات المتعلقة بثلاثة مواقع ذات صلة، تعد جميعها انتهاكات واضحة لالتزاماتها بموجب اتفاقية الضمانات الشاملة الخاصة بها، بما في ذلك ما يتعلق بالقانون المعدل 3.1 من الترتيبات الفرعية لاتفاقية الضمان الاجتماعي الخاصة بها.
وأشار التقرير إلى أنه ربما تكون سوريا قد انتهكت المادة الثانية من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛ نظراً لاكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية وجود جزيئات من مركبات اليورانيوم المعالجة كيميائياً في الموقع، وتظل الولايات المتحدة تشعر بالقلق من احتمال وجود مواد نووية غير معلنة في سوريا.
وخلص التقرير إلى أنه في 24 مايو (أيار) 2011، أصدرت المديرية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يقيّم أن المبنى المدمر في الكبر كان «من المحتمل جداً» أن يكون مفاعلاً نووياً، وكان يجب أن تعلن عنه سوريا وفقاً للمادتين 41 و42 من اتفاقية الأمن الشامل والشفرة المعدلة 3.1 من الترتيبات الفرعية الخاصة بذلك، ووافقت الولايات المتحدة على هذه النتيجة، بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الولايات المتحدة أن سوريا تنتهك التزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
وأشار إلى أن الحرب الأهلية المستمرة والوضع الأمني في سوريا لا تؤثر على هذه النتيجة، فلقد قوبلت طلبات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المحددة والمتكررة إلى سوريا للحصول على معلومات إضافية والوصول بشكل متسق بالرفض السوري، بدلاً من توفير المعلومات المطلوبة والمشاورات حول كيفية توفير الوصول المطلوب عندما تسمح الظروف بذلك.
يأتي ذلك بعد أن صوتت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على تجريد سوريا من حقوقها في المنظمة، إثر ثبوت مسؤولية نظام الأسد في عدد من الاعتداءات بأسلحة كيميائية في سوريا، وصوتت الدول الأعضاء في المنظمة بغالبية ثلثي الأصوات لصالح مذكرة دعمتها دول عدة، أبرزها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وتنص على تعليق حقوق دمشق وامتيازاتها داخل المنظمة بما فيها حقها في التصويت.
وتقول المذكرة المطروحة، إن المنظمة «قررت بعد التدقيق تعليق حقوق سوريا وامتيازاتها»، بما فيها حق التصويت وحق الترشح لانتخابات المجلس التنفيذي إضافة إلى حرمانها من تولي أي منصب داخل المنظمة.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.