اقتصاد العالم يحتاج إلى سنوات للتعافي من تداعيات «كورونا»

إجمالي الناتج المحلي للعالم سجل في 2020 أكبر تراجع منذ الكساد الكبير

سماسرة في «وول ستريت» يضعون كمامات خشية {كورونا} التي أصابت اقتصاد العالم في مقتل (رويترز)
سماسرة في «وول ستريت» يضعون كمامات خشية {كورونا} التي أصابت اقتصاد العالم في مقتل (رويترز)
TT

اقتصاد العالم يحتاج إلى سنوات للتعافي من تداعيات «كورونا»

سماسرة في «وول ستريت» يضعون كمامات خشية {كورونا} التي أصابت اقتصاد العالم في مقتل (رويترز)
سماسرة في «وول ستريت» يضعون كمامات خشية {كورونا} التي أصابت اقتصاد العالم في مقتل (رويترز)

يبدو أن التعافي السريع الذي شهده الاقتصاد مؤخراً من تداعيات جائحة فيروس كورونا، يتلاشى. لأنه كما أن بعض المرضى بفيروس كورونا المستجد يظلون يعانون من بعض الأعراض لفترة طويلة بعد شفائهم من الفيروس، فإن الاقتصاد العالمي يخضع لنفس القاعدة.
ففي الوقت الذي أسهمت فيه حزم التحفيز الاقتصادي التي بلغت قيمتها نحو 26 تريليون دولار وتوزيع ما يقرب من مليار جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في تحقيق تعافٍ اقتصادي أسرع من المتوقع، فإن التداعيات الخطيرة للأزمة على التعليم وشطب مئات الملايين من الوظائف ووصول معدلات الدين العام إلى مستويات لم تحدث إلا في أزمان الحروب، وتزايد الفجوة في الدخول بين الأعراق المختلفة وبين النساء والرجال وبين الأجيال وبين المناطق الجغرافية، ستسبب ندوباً غائرة على وجه الاقتصاد العالمي، خصوصاً في الدول الفقيرة لسنوات طويلة مقبلة، بحسب المحللين الاقتصاديين إندا كوران وسيمون كيندي.
وتقول فيلور آرثي، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا الأميركية التي درست الآثار الاقتصادية والصحية طويلة المدى للأزمات الماضية، إنه «من السهل جداً بعد عام شاق أو أكثر أن تشعر بالارتياح حقاً لعودة الأمور إلى مسارها الصحيح، ولكن بعض آثار تلك الأزمة التي نراها تاريخية ستستمر لعقود ولن يكون من السهل علاجها».
وفي التحليل الذي نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، قالت إندا كوران وسيمون كيندي إن كل المؤشرات تقول إن إجمالي الناتج المحلي للعالم سجل في العام الماضي أكبر تراجع له منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين.
وتقول منظمة العمل الدولية إن نحو 255 مليون شخص فقدوا وظائفهم الدائمة بسبب الجائحة. ويقول الباحثون في مركز أبحاث بيو الأميركي إن الطبقة المتوسطة انكمشت لأول مرة منذ تسعينيات القرن العشرين.
ولكن عبء هذه الجائحة لم يقع بالتساوي بين دول العالم. وقد أظهرت بطاقة قياس مؤلفة من 31 مقياساً شملت 162 دولة تحت إشراف مؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس، أن الفلبين وبيرو وكولومبيا وإسبانيا هي الاقتصادات الأشد عرضة للتداعيات طويلة المدى للجائحة، في حين أن أستراليا واليابان والنرويج وألمانيا وسويسرا بين الدول الأفضل في التعافي من الجائحة.
وتقول كارمن رينهارت، كبيرة الباحثين في البنك الدولي، إن العودة إلى معايير ما قبل جائحة كورونا ستستغرق وقتاً.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الاقتصادات المتقدمة هي أقل من تأثر بتداعيات الفيروس خلال العام الحالي وما بعده، في حين أن الاقتصادات الفقيرة والصاعدة ستعاني بصورة أكبر، على خلاف الوضع أثناء الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما كانت الدول المتقدمة الأشد تضرراً، في حين كانت الاقتصادات النامية والصاعدة الأقل تضرراً.
ورغم أن التوقعات تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة سيكون أكبر من التوقعات قبل الجائحة بفضل حزم التحفيز الضخمة، فإن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن أكبر اقتصاد في العالم سيظل يعاني من بعض الندوب الناجمة عن الجائحة. ويقول الخبراء، بمن فيهم آرثي، إنه لن يكون هناك عقد ضائع إذا تم اتخاذ خطوات السياسة الصحيحة، لا سيما في مجالات إعادة تأهيل العمال ومساعدة الذين تضرروا بشدة من الأزمة.
وبحسب كاترين مان، كبيرة المحللين الاقتصاديين في «سيتي غروب»: «الابتكار يدعم نمو الإنتاجية بنسبة أكبر، والاستثمارات الجديدة ترفع مستوى المعيشة... كما يجب وضع الاستراتيجيات التي تضمن استفادة العمال من فرص زيادة الإنتاجية».
وبالفعل، فإن الدول التي كانت أسرع في السيطرة على الفيروس أرسلت إشارات تحذير من الآثار السلبية لاستمرار التفاوت بين دول العالم في سرعة التعافي من الجائحة في المستقبل. ففي حين حقق الاقتصاد النيوزيلندي تعافياً سريعاً خلال العام الماضي، عاد وسجل انكماشاً خلال الربع الأول من العام الحالي بسبب ضعف حركة السياحة الخارجية، ما أدى إلى ثغرة في الاقتصاد لم يتمكن السكان المحليون من سدها. وفي الصين التي كانت الأسرع في احتواء الجائحة، يعاني الاقتصاد من تباطؤ الإنفاق على مبيعات التجزئة، مما يحد من النمو الأوسع نطاقاً للاقتصاد الصيني.
ويقول توم أورليك، كبير المحللين الاقتصاديين في «بلومبرغ»، إن هناك تركيزاً على بيانات إجمالي الناتج المحلي، مع الضجيج الذي تثيره الولايات المتحدة والصين بنجاحهما في تحقيق تعافٍ سريع. ولكن تحت السطح فإن التباين بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة وبين الشركات الكبرى والشركات المنافسة الأصغر وبين العمال الأعلى مهارة والأقل مهارة يشير إلى ندوب ستظل على وجه الاقتصاد العالمي لفترة طويلة قبل أن تلتئم.


مقالات ذات صلة

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

الاقتصاد امرأة على دراجتها الهوائية أمام «بورصة بكين»... (رويترز)

تراجع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة... والصين الأكبر تضرراً

من المتوقع أن يشهد النمو العالمي تباطؤاً في عام 2025، في حين سيتجه المستثمرون الأجانب إلى تقليص حجم الأموال التي يوجهونها إلى الأسواق الناشئة.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد برج المقر الرئيس لبنك التسويات الدولية في بازل (رويترز)

بنك التسويات الدولية يحذر من تهديد الديون الحكومية للأسواق المالية

حذّر بنك التسويات الدولية من أن تهديد الزيادة المستمرة في إمدادات الديون الحكومية قد يؤدي إلى اضطرابات بالأسواق المالية

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد متداولون في كوريا الجنوبية يعملون أمام شاشات الكومبيوتر في بنك هانا في سيول (وكالة حماية البيئة)

الأسواق الآسيوية تنخفض في ظل قلق سياسي عالمي

انخفضت الأسهم في آسيا في الغالب يوم الاثنين، مع انخفاض المؤشر الرئيسي في كوريا الجنوبية بنسبة 2.3 في المائة.

«الشرق الأوسط» (هونغ كونغ )
الاقتصاد لافتة إلكترونية وملصق يعرضان الدين القومي الأميركي الحالي للفرد بالدولار في واشنطن (رويترز)

غوتيريش يعيّن مجموعة من الخبراء لوضع حلول لأزمة الديون

عيّن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مجموعة من الخبراء البارزين لإيجاد حلول لأزمة الديون المتفاقمة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الاقتصاد الاجتماع السنوي الرابع والخمسون للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (رويترز)

المنتدى الاقتصادي العالمي: قادة الأعمال يخشون من الركود وارتفاع التضخم

أظهر استطلاع للرأي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي يوم الخميس أن قادة الأعمال على مستوى العالم يشعرون بالقلق من مخاطر الركود ونقص العمالة وارتفاع التضخم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

تأييد استمرار خفض الفائدة يتزايد داخل «المركزي الأوروبي» حال استقرار التضخم

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

أيد أربعة من صناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي يوم الجمعة المزيد من خفض أسعار الفائدة؛ شريطة أن يستقر التضخم عند هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 في المائة كما هو متوقع.

وخفض البنك المركزي لمنطقة اليورو أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذا العام يوم الخميس، وأبقى الباب مفتوحا لمزيد من التيسير، على الرغم من أن بعض المحللين شعروا أن إشارة رئيسة البنك كريستين لاغارد في هذا الاتجاه كانت أقل وضوحا مما كانوا يأملون.

وبدا أن محافظ البنك المركزي الفرنسي فرنسوا فيليروي دي غالو، وزميله الإسباني خوسيه لويس إسكريفا، والنمساوي روبرت هولزمان، وغاستون راينش من لوكسمبورغ، قد أكدوا الرسالة يوم الجمعة.

وقال فيليروي دي غالو لإذاعة الأعمال الفرنسية: «سيكون هناك المزيد من تخفيضات الأسعار العام المقبل». وفي حديثه على التلفزيون الإسباني، أضاف إسكريفا أنه من «المنطقي» أن «يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة مرة أخرى في اجتماعات مستقبلية» إذا استمر التضخم في التقارب مع الهدف. وكان 2.3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الذي يدفعه على احتياطيات البنوك بمقدار 25 نقطة أساس إلى 3.0 في المائة يوم الخميس، ويتوقع المستثمرون تخفيضات أخرى بقيمة 100 نقطة أساس على الأقل بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

ورفضت لاغارد التكهن بالمسار المستقبلي للأسعار، مشيرة إلى المخاطر التي تتراوح من التعريفات الجمركية الأميركية المحتملة إلى عدم اليقين السياسي في الداخل، حيث إن فرنسا حالياً دون حكومة، بينما تواجه ألمانيا تحديات انتخابات جديدة، فضلاً عن التضخم المحلي المرتفع.

وألقى فيليروي دي غالو، الوسطي الذي أصبح مؤيداً بشكل متزايد للسياسة التيسيرية في الأشهر الأخيرة، بثقله وراء توقعات السوق. وقال: «ألاحظ أننا مرتاحون بشكل جماعي إلى حد ما لتوقعات أسعار الفائدة في الأسواق المالية للعام المقبل».

وحتى محافظ البنك المركزي النمساوي روبرت هولزمان، وهو من الصقور وكان المعارض الوحيد للتيسير، أيد عودة أسعار الفائدة إلى مستوى محايد، لا يحفز الاقتصاد ولا يكبح جماحه، عند حوالي 2 في المائة. وقال للصحافيين: «ستتجه أسعار الفائدة في هذا الاتجاه. وإذا تحققت تقييمات السوق كما هي في الوقت الحالي، فسوف تتطابق مع توقعاتنا. وإذا تطابقت توقعاتنا، فربما يتعين علينا تعديل أسعار الفائدة لدينا لتكون متسقة».

وقال راينيش من لوكسمبورغ، والذي نادراً ما يناقش السياسة في العلن، لوسائل الإعلام المحلية أنه «لن يكون من غير المعقول» أن «ينخفض ​​سعر الودائع إلى 2.5 في المائة بحلول أوائل الربيع»، وهو ما يعني على الأرجح خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) المقبلين.

بينما قلل إسكريفا من احتمال خفض سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، وهو الخيار الذي طرحه بعض زملائه وتبناه البنوك المركزية في سويسرا والولايات المتحدة. وقال محافظ البنك المركزي الإسباني المعين حديثا: «في المناقشات التي أجريناها (الخميس)، كانت الفكرة السائدة هي أنه يتعين علينا الاستمرار في إجراء تحركات هبوطية بمقدار 25 نقطة أساس، وهو الشكل الذي سيسمح لنا بمواصلة تقييم التأثيرات من حيث انكماش التضخم».

في غضون ذلك، ظل الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو دون تغيير في أكتوبر (تشرين الأول) مقارنة بالشهر السابق، متجاوزا التوقعات بانخفاض طفيف، لكن البيانات تشير إلى عدم وجود تعافي في الأفق لقطاع غارق في الركود منذ ما يقرب من عامين. وجاء الرقم الذي لم يتغير، والذي أصدره «يوروستات»، أعلى قليلا من توقعات الاقتصاديين بانخفاض بنسبة 0.1 في المائة، ويأتي بعد انخفاض بنسبة 1.5 في المائة في سبتمبر (أيلول).

وأعلنت ألمانيا وفرنسا وهولندا عن قراءات سلبية خلال الشهر، بينما ظل الإنتاج الإيطالي راكدا، تاركا إسبانيا الدولة الوحيدة من بين أكبر دول منطقة اليورو التي سجلت قراءة إيجابية.

وعانت الصناعة الأوروبية لسنوات من ارتفاع حاد في تكاليف الطاقة، وتراجع الطلب من الصين، وارتفاع تكاليف التمويل للاستثمار، والإنفاق الاستهلاكي الحذر في الداخل. وكان هذا الضعف أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس وخفض توقعاته للنمو، بحجة وجود حالة من عدم اليقين في الوفرة.

وبالمقارنة بالعام السابق، انخفض الناتج الصناعي في منطقة اليورو بنسبة 1.2 في المائة، مقابل التوقعات بانخفاض بنسبة 1.9 في المائة. ومقارنة بالشهر السابق، انخفض إنتاج الطاقة والسلع المعمرة والسلع الاستهلاكية، وارتفع إنتاج السلع الرأسمالية فقط.