700 ألف مدني في الغوطة يعانون الحصار والقصف.. وقدرات المعارضة الطبية تُستنزف

دوما الأكثر عرضة للغارات بحكم وجود مقرات «جيش الإسلام» وقيادته فيها

مقاتل من لواء الفرقان يكتب على أحد الصواريخ التي كان سيطلقها أمس على مواقع تجمع قوات النظام  في سلحب بريف حماه عبارة «كلنا دوما» انتقاما للقصف اليومي عليها (رويترز)
مقاتل من لواء الفرقان يكتب على أحد الصواريخ التي كان سيطلقها أمس على مواقع تجمع قوات النظام في سلحب بريف حماه عبارة «كلنا دوما» انتقاما للقصف اليومي عليها (رويترز)
TT

700 ألف مدني في الغوطة يعانون الحصار والقصف.. وقدرات المعارضة الطبية تُستنزف

مقاتل من لواء الفرقان يكتب على أحد الصواريخ التي كان سيطلقها أمس على مواقع تجمع قوات النظام  في سلحب بريف حماه عبارة «كلنا دوما» انتقاما للقصف اليومي عليها (رويترز)
مقاتل من لواء الفرقان يكتب على أحد الصواريخ التي كان سيطلقها أمس على مواقع تجمع قوات النظام في سلحب بريف حماه عبارة «كلنا دوما» انتقاما للقصف اليومي عليها (رويترز)

أكدت مصادر المعارضة السورية في ريف دمشق لـ«الشرق الأوسط»، أن طفلين قضيا خلال هذا الأسبوع في الغوطة الشرقية لدمشق، نتيجة نقض التغذية، أضيفا إلى عشرات الأطفال الذين قتلوا نتيجة الغارات الجوية التي نفذتها القوات الحكومية، منذ مطلع الشهر الحالي، في حملة عسكرية غير مسبوقة على الغوطة الشرقية، بعد إطلاق صواريخ منها باتجاه أحياء دمشق، على الرغم من استمرار الغارات منذ سنتين.
وليس الأطفال في الغوطة، إلا جزءاً من معاناة إنسانية كبيرة، يعاني منها السكان المدنيون المحاصرون منذ عامين، ويقارب عددهم الـ700 ألف مدني، يتوزعون في 46 بلدة في الغوطة، بعدما نزح أكثر من 800 ألف مدني من سكانها بدءا من عام 2012. ويقول ناشطون إن الغوطة الشرقية، تعاني اليوم من نقص في الأدوية والكوادر الطبية، ونقص في الغذاء.
ويقول عضو اتحاد تنسيقيات الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني لـ«الشرق الأوسط»، إن الغوطة الشرقية «هي من أكثر المناطق السورية التي اختبرت المجازر منذ عام 2012، إذ يستحيل، أن يمر شهر من دون وقوع مجزرة يذهب ضحيتها عشرات المدنيين». ويشير إلى أن الحصار أرهقها من الداخل، لكن مقدرات الصمود في الغوطة، أكبر من إمكانية إجبارها على الاستسلام، نظراً لوجود أراض زراعية شاسعة في المنطقة، مما يوفر الغذاء على الأقل لثمانية أشهر في السنة».
وتحاول قوات النظام اقتحام المدينة منذ فترات طويلة، عبر محاولات الاختراق من مناطق مخيم الوافدين، وحوش سارة، ومن جهة العتيبة. وفي ظل الفشل في التقدم من الجهتين الشرقية والشمالية، تواصل قوات النظام قصفا جويا مركزا على مناطق الغوطة، مما ضاعف المأساة الإنسانية. ويقول الداراني إن أبرز المشكلات التي تعاني منها الغوطة، تتمثل في النقص بالكادر والمواد الطبية، مشيراً إلى أن المشافي الميدانية «تعرضت للاستهداف، في حين يعتبر هذا الجانب مشكلة تستنزف مقدرات المعارضة في الداخل».
وتعتمد الغوطة أيضا على أنفاق تهريب يسيطر عليها «جيش الإسلام»، يجري فيها تهريب المواد الإغاثية والسلاح والذخيرة والمواد الطبية. ويتهم معارضون من الغوطة «جيش الإسلام» بأنه «يحتكر التهريب عبر الأنفاق، مما يجعل تهريب المصابين وإخراجهم، خاضعا للمحسوبيات».
وتعد مدينة دوما، كبرى مدن وبلدات الغوطة الشرقية لدمشق، وتعرف بمساحاتها الزراعية الواسعة، وبأنها مدينة الإبل في غوطة دمشق. وساهمت مساحتها الشاسعة في أن تتحول إلى مقصد للسكان، إذ كان يسكنها قبل اندلاع الأزمة السورية، نحو 300 ألف شخص، تضاءل عددهم الآن بسبب القصف الذي تتعرض له.
ويقول الداراني إن الحملة العسكرية العنيفة الأخيرة على دوما «تعود إلى أنها تتضمن مقرات قيادة تنظيم (جيش الإسلام)، ومعظم قيادييه وعناصره، بينهم زعيمه زهران علوش»، مشيرا إلى أن المنطقة تعد «حصنا لمقاتلي التنظيم، كما تضمنت منصات لإطلاق الصواريخ التي استهدفت دمشق أخيرا». ويشير إلى أن «جيش الإسلام»، يحاول «منع النظام من اقتحامها والتقدم فيها، لأن ذلك يعني سيطرة النظام على نصف الغوطة الشرقية»، فضلا عن أن المدينة «تتمتع برمزية كبيرة، كونها كانت المدينة الأولى بريف دمشق التي ثارت ضد نظام الرئيس بشار الأسد».
وينظر مراقبون إلى أن «التحدي بين زهران علوش والنظام، يدفع ثمنه المدنيون في دوما والغوطة الشرقية». ويوضح مصدر معارض رفض الكشف عن اسمه، أن علوش «يحكم سيطرته على الغوطة، إلى جانب قائد الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام المعروف بأبو محمد»، مشيرا إلى أن «كل ما يجري في الغوطة، يجب أن يمر عبرهما». ويشير المصدر إلى أن قوة زهران علوش في الغوطة «جعلت أمر التسوية مع النظام، تشمل كل الغوطة الشرقية، ولا يمكن لبلدة في الغوطة أن تعقد تسوية بشكل منفصل مثل محاولات التسوية في عربين، وهو الأمر الذي اضطره إلى إقصاء (جيش الأمة) قبل شهرين، بعد معلومات عن محاولته التواصل مع النظام للتوصل إلى تفاهم وتسوية».
وبعد سيطرة قوات المعارضة على الغوطة الشرقية لدمشق، تأسس مجلس محلي يضم فعاليات من بلدات الغوطة، واتفقت مع العسكريين على تأسيس مجلس موحد، يتضمن مجلس قضاء أعلى، وشرطة وأمن. وتعرضت تلك المراكز للاستهداف من قبل طائرات النظام الحربية خلال الأسابيع الماضية، علما أنها موجودة بين أحياء يسكنها المدنيون، وبينها مركز القيادة، ومركز الأمن الذي كان مركزا ثقافيا.
ويقول الداراني إن تلك المراكز «كانت في الأساس، مراكز رسمية تابعة للنظام، ومشيدة ضمن الأحياء المدنية، وباتت مراكز أمنية أو قضائية تابعة للجيش السوري الحر»، معتبرا أن «ذريعة النظام لاستهداف المدنيين بأن المقرات موجودة بين أحياء المدنيين، أو أن الصواريخ أطلقت من بينها، هي مجرد حجة، لأن القصف لم يتوقف أبدا على الغوطة طوال عامين منذ حصارها».
ويقول ناشطون سوريون إن قوات المعارضة التي تطلق الصواريخ على العاصمة السورية، تستخدم مناطق قريبة من أحياء المدنيين، مما يدفع بقوات النظام إلى الرد عليها، مما رفع نسبة القتلى المدنيين إلى أكثر من 150 قتيلا خلال 10 أيام.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.