أحداث دامية في عدن.. وإحباط محاولة موالين للحوثيين للسيطرة على المدينة

4 محافظات يمنية جنوبية تشكل حلفًا لإدارة شؤونها «ذاتيًا»

أحد عناصر اللجان الشعبية التابعة للحراك الجنوبي خلال دورية بأحد شوارع عدن (أ.ف.ب)
أحد عناصر اللجان الشعبية التابعة للحراك الجنوبي خلال دورية بأحد شوارع عدن (أ.ف.ب)
TT

أحداث دامية في عدن.. وإحباط محاولة موالين للحوثيين للسيطرة على المدينة

أحد عناصر اللجان الشعبية التابعة للحراك الجنوبي خلال دورية بأحد شوارع عدن (أ.ف.ب)
أحد عناصر اللجان الشعبية التابعة للحراك الجنوبي خلال دورية بأحد شوارع عدن (أ.ف.ب)

سيطرت اللجان الشعبية الجنوبية، التي يوالي بعضها الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، على محافظة عدن بعد اشتباكات عنيفة مع قوات الأمن الخاصة المحسوبة على جماعة الحوثي، أدت إلى مقتل مساعد في القوات الخاصة وإصابة 3 آخرين، في الوقت الذي تبادل الطرفان الاعتقالات في صفوف كل منهما، فيما أكد محافظ عدن أن الوضع تحت السيطرة، في حين يشهد جنوب اليمن مواقف وتطورات متناقضة لفصائل وقوى، الأمر الذي ينذر بخروج الأوضاع عن طبيعتها في تلك المحافظات.
وقال مسؤول اللجان الشعبية بمطار عدن الدولي أبو ذر اللودري لـ«الشرق الأوسط» إن اشتباكات عنيفة دارت، بين اللجان الشعبية بعدن وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقا)، التي يقودها عبد الحافظ السقاف الموالي لجماعة الحوثي، حيث داهمت القوات الخاصة، مقرا للجان الشعبية المتواجدة في معسكر النصر القريب من المطار، في وقت متأخر من مساء أول من أمس، مستخدمين 4 مدرعات وطقمين وسلاح 23 سبعة وتمكنوا من أسر 12 عنصرا من اللجان، كما قامت قوات الأمن الخاصة بهجوم مفاجئ على اللجان الشعبية المتواجدة في عدد من المباني الحكومية وعدد من الأحياء.
وتشهد مدينة عدن مواجهات بين اللجان الشعبية وقوات الأمن الخاصة التي يقودها العميد عبد الحافظ السقاف، حيث تقول اللجان الشعبية إن السقاف يحاول فرض سيطرته على المدينة لتسليمها لميليشيات الحوثي الموالي لها وأنه بات يشكل خطرا على المدينة، وأوضح أبو ذر اللودري في سياق تصريحه لـ«الشرق الأوسط»، أن اللجان الشعبية تفاجأت بهجوم آخر فجر أمس، لكنها ردت بقوة على ذلك الهجوم وأدى إلى مقتل مساعد في القوات الخاصة وجرح 3 آخرين، كما تمكنت اللجان الشعبية من اعتقال 40 جنديا تابعين للقوات الخاصة مع أسلحتهم وما زالوا رهن الاعتقال، حيث أكد أن اللجان الشعبية تمكنت من السيطرة على الموقف بشكل كلي حيث فرضت سيطرتها على الشوارع الرئيسية وتمكنت من طرد قوات الأمن الخاصة من كافة المرافق التي حاولوا السيطرة عليها، بينها مبنى الأمن السياسي (المخابرات) بمحافظة عدن، فيما أكد محافظ عدن الدكتور عبد العزيز بن حبتور أن الوضع في المحافظة تحت السيطرة وأن مجاميع من اللجان الشعبية دخلت في مهاترات مع أفراد من الجيش وقوات الأمن الخاصة في ساعة مبكرة من فجر أمس ما لبثت أن تطورت إلى اشتباكات بين الجانبين، أسفرت عن سقوط ضحايا ومصابين ويجري حاليا معالجة ما حدث.
وشهدت شوارع مدينة عدن الرئيسية، إغلاقا تاما خاصة في الأحياء التي وقعت فيها الاشتباكات حيث أغلقت المحلات وأحرقت الإطارات ووضعت الحجارة في الشوارع، فيما سارعت القيادات العسكرية والأمنية وقيادة السلطة المحلية في عدن لعقد اجتماع طارئ لمحافظي محافظات: عدن، أبين ولحج، حيث أقر الاجتماع تكليف لجنتين لمعالجة تلك الأحداث وتكونت اللجنة الأولى من وكيل الجهاز المركزي للأمن السياسي عدن لحج أبين اللواء ناصر منصور هادي، وهو شقيق الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، بالإضافة إلى محافظ محافظة أبين جمال العاقل وقائد فرع قوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن العميد عبد الحافظ السقاف وقائد اللجان الشعبية عبد اللطيف السيد، حيث ستتولى هذه اللجنة متابعة إطلاق المحتجزين من اللجان الشعبية الموجودين لدى فرع قوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن وكذا إطلاق المحتجزين من فرع قوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن الموجودين لدى اللجان الشعبية مع كافة الأسلحة والأمانات التي تم أخذها من نقطة العلم.
وحسب مصادر رسمية فقد تكونت اللجنة الثانية من القائم بأعمال مدير عام شرطة عدن العميد محمد مساعد قاسم وأركان فرع قوات الأمن الخاصة بمحافظة عدن العميد أحمد المغني، بالإضافة إلى نائب مدير الأمن السياسي بمحافظة عدن العميد أحمد المصعبي، ومدير الاستخبارات العسكرية بالمنطقة العسكرية الرابعة العقيد مهيوب محسن، وكذلك القيادي أحمد الميسري المشرف والمسؤول المباشر عن اللجان الشعبية بمحافظة عدن، حيث تتولى هذه اللجنة تقصي الحقائق ومعرفة ملابسات وأسباب إطلاق النار والاشتباكات التي حدثت بين اللجان الشعبية وقوات الأمن الخاصة مساء الأحد وصباح يوم الاثنين ومعرفة الجهة التي بدأت بإطلاق النار والتي كانت بداية لما حصل من مستجدات مؤسفة.
عاشت العاصمة اليمنية صنعاء في اليوم الأول لصدور قرار مجلس الأمن الدولي الخاص باليمن، في ظل إجراءات أمنية استثنائية، حيث قطعت ميليشيا الحوثيين وقوات الأمن الموالية لهم، معظم شوارع العاصمة، وبالأخص في وسط المدينة، وذلك بالعربات والسيارات العسكرية المدرعة، بحجة أن القصر الجمهوري يشهد اجتماعا للجنة الثورية بأعضاء مجلس النواب (البرلمان) المنحل.
هذا ودانت الهيئة الوطنية الجنوبية المؤقتة للتحرير والاستقلال (الهيئة)، تعرض اللجان الشعبية في عدن لاعتداء من قبل قوات الأمن الخاصة، وقالت: «الهيئة»، في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إنها تدين «الاعتداء الآثم على اللجان الشعبية الجنوبية التي ناضلت، وتناضل، في سبيل الجنوب وأمنه واستقراره وحريته وهي التي قاومت الإرهاب في أبين النضال وقدّمت التضحيات الجسام وهي اليوم التي تناضل في العاصمة عدن، مع أبنائها، للمساهمة في تحقيق أمنها واستقرارها وهي التي تصدت لاعتداءات القوى المساندة للحوثي في عدن، تلك القوى التي تعمل للتمهيد له للسيطرة على عدن».
وأبدت الهيئة التي يتزعمها السياسي اليمني المعروف، عبد الرحمن الجفري استغرابها لأن «تقف بعض جهات السلطة المحلية في عدن مع القوى التي تمهد لتسليم عدن للحوثي، وتحارب اللجان الشعبية الجنوبية، وتمنع صرف مخصصاتها بل وتُستخدم كغطاء للاعتداء عليها وقتل رجالها الأبطال»، وأضاف البيان أن هذه «هي نفس القوى التي استهدفت الثورة الحراكية السلمية الجنوبية بالأمس بمحاولة عقد مؤتمر مهين لكل أهداف نضال شعب الجنوب العربي، وتقوم بالدور المزدوج هذا ضد جهات جنوبية تقدّم التضحيات من أجل الجنوب وشعبه وقضيته. والأشد غرابة، أن مؤتمرهم الذي منعه شعب الجنوب بالأمس، كان يدّعي أنه ضد الحوثي وسيطرته على صنعاء وغيرها وبحراسة من الأمن المركزي المعروف بولائه للحوثي»، ووصفت «الهيئة» ما يحدث بـ«الألاعيب مع كل ما هو، ومن هو، ضد الجنوب العربي وشعبه وأهداف ثورته»، وقالت: «إنهم مع الاحتلال اليمني للجنوب، أكان حوثيًا أو مشتركيًا أو عهدا سابقًا أو لاحقًا حتى أنهم منعوا الذخائر والأسلحة عن أبطال الجنوب المرابطين على حدود الوطن للدفاع ضد الغزو الحوثي».
ويعيش الجنوب على وقع هذه التطورات في ظل انقسام للمواقف الجنوبية وتعدد الفصائل في «الحراك الجنوبي» وأهدافها وزعاماتها، وتتفق معظم الفصائل على ضرورة انفصال الجنوب عن الشمال، غير أن عدم وجود موقف موحد، يؤخر، حتى اللحظة، اتخاذ هذه الخطوة، وأكدت مصادر سياسية جنوبية لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين يسعون إلى «طمأنة الجنوبيين من أنهم سوف يحصلون على حقوقهم كاملة غير منقوصة، كما كان في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح»، وذلك «في محاولة لاستمالة بعض القوى لتسهيل دخول الحوثيين إلى المحافظات الجنوبية وبالأخص عدن»، غير أن تلك المصادر تؤكد، بشكل قاطع، أن «قوى وفصائل الحراك الجنوبي ترفض تماما التعامل مع الحوثيين على اعتبار أنهم وجه واحد مع النظام السابق في اليمن».
وفي تطور لاحق، عقد مشايخ قبائل ومقادمة حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى، لقاء وصف بالتاريخي، شاركت فيه المكونات السياسية والسلطات المحلية في تلك المحافظات، واتخذ المشاركون في الاجتماع جملة من القرارات التي تشير إلى عدم تدخل تلك المناطق فيما يجري في بقية أرجاء البلاد وفصل ذلك الجزء من اليمن تلقائيا عن محيطه الرسمي، حيث نصت القرارات على: «العمل الموحد والتنسيق فيما بينهم لمحاربة ورفض الظلم والاستبداد وعدم القبول بالهيمنة والتسلط والوصاية والعمل على درء المخاطر عن هذه المحافظات وعدم الاعتداء على الآخرين أو السماح لأي جهات أخرى للاعتداء على الغير انطلاقا من أراضيهم وبعد أن وصلت الأزمة السياسية إلى طريق مسدود، فيما بين القوى المختلفة الحاكمة، أو التي تسعى للحكم وأن منطقتنا تنأى بنفسها عن هذه الصراعات العبثية التي لا تخدم أبناؤها ولن ينجروا لتأييد أي طرف منها ضد الآخر»، وأيضا قرار بـ«إبقاء الإيرادات النفطية والجمركية وغيرها داخل هذه المحافظات وكل في محافظته وعلى قاعدة (الأقربون أولى بالمعروف)، والحفاظ على الإيرادات والثروات الطبيعية في هذه المحافظات باعتبارها ملكية عامة لأبناء كل محافظة والتصدي لأعمال النهب والسرقة والتلاعب بها دون وجه حق من قبل أي جهات فرديه أو حكومية»، إضافة إلى «حفظ الأمن والسكينة العامة والسلم الاجتماعي في كل محافظة، يكون من مهام أبنائها وبواسطة أجهزتها الأمنية والعسكرية المحلية مع إيجاد التنسيق والعمل المشترك والموحد للحفاظ على الأمن الشامل في هذه المحافظات مجتمعة ومع المحافظات المجاورة على مبدأ التعامل الندي ورفض منهج التابع والمتبوع. وأن يتم تسليم المعسكرات المختلفة لأبناء المحافظات كل في أرضه والتسريع لتجنيد خمسة آلاف عسكري وأمني في كل محافظة ويتم البحث عن توفير مستلزماتهم من إيرادات كل محافظة وعلى اللجنة الأمنية ترتيب تنفيذ القرار»، إضافة إلى قرارات أخرى لتشكيل مجلس أعلى ومجالس فرعية لإدارة شؤون تلك المحافظات.



انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
TT

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)
سوق شعبية للملابس في صنعاء التي يعاني سكانها من انفجار أسعار كبير (الشرق الأوسط)

تراجعت القدرة الشرائية لغالبية اليمنيين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، بعد موجة غلاء شديدة ضربت الأسواق، وارتفعت معها أسعار المواد والسلع الأساسية والغذائية، على الرغم من تراجعها عالمياً للشهر الثالث على التوالي.

وارتفعت الأسعار في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وجميع المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية؛ ما اضطر كثيراً من العائلات إلى خفض استهلاكها من بعض السلع، أو الاستغناء عن بعض الأصناف، مثل الخضراوات والفواكه، في حين رفعت المطاعم أسعار الوجبات التي تقدمها، رغم تراجع الإقبال عليها.

وتقول مصادر تجارية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن أسعار بعض السلع الغذائية زادت، خلال الأسابيع الماضية، بشكل كبير ومفاجئ، في حين حدثت زيادات تدريجية لسلع أخرى، دون أن يصدر حول ذلك أي بيانات أو توضيح من الجماعة الحوثية التي تسيطر على القطاع التجاري، أو إجراءات للحد من ذلك.

وزاد سعر كيس الدقيق زنة 50 كيلوغراماً نحو 3 دولارات؛ حيث ارتفع أحد أنواعه من 12400 ريال يمني إلى نحو 14 ألف ريال، وتفاوتت الزيادة في أسعار كيس الأرز بين 3 و6 دولارات، حسب النوع، بينما ارتفع سعر زجاجة الزيت (5 لترات) بمقدار دولارين لغالبية أنواعه، وتجاوز سعر كرتونة البيض 4 دولارات، بعد أن وصل إلى 2200 ريال. (تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار يساوي 535 ريالاً يمنياً).

اتهامات للحوثيين بفرض جبايات لتعويض خسائرهم من العقوبات الأميركية والغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

وتقول أروى سلام، وهي معلمة وربَّة منزل، لـ«الشرق الأوسط»، إنها اضطرت منذ نحو شهر للتخلي عن شراء الخضراوات تماماً، ما عدا الضروري منها لإعداد الوجبات، في محاولة منها لتوفير ثمن الدقيق والسكر والأرز.

وشملت الزيادات أسعار الخضراوات والفواكه محلية الإنتاج، والمعلبات التي تدخل ضمن أساسيات التغذية في اليمن، مثل التونة واللبن المجفف والأجبان، التي اضطرت غالبية العائلات للتوقف عن شرائها.

خنق الأسواق

بدأت موجة الغلاء الجديدة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقفزة كبيرة في أسعار السكر، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ إذ ارتفع سعر الكيس الذي يزن 50 كيلوغراماً من 20 ألف ريال، إلى 26 ألف ريال لأكثر أنواعه انتشاراً في الأسواق، وهي زيادة تعادل نحو 12 دولاراً.

يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

ومع موجة الغلاء الأخيرة، عاود السكر ارتفاع أسعاره خلال الأسابيع الماضية، وتفاوتت الزيادة الجديدة بين دولارين وأربعة دولارات، إلا أن غالبية الباعة استمروا ببيعه وفقاً للزيادة الأولى، التي تسببت بارتفاع أسعار المشروبات في المقاهي، وعدد من الأصناف التي يدخل في تكوينها.

وواجهت المطاعم صعوبات في التعامل مع الزيادات السعرية الجديدة، بعد أن اضطرت لرفع أسعار الوجبات التي تقدمها، وهو ما أدى إلى تراجع الإقبال عليها.

وتحدث عمار محمد، وهو مدير صالة في أحد المطاعم لـ«الشرق الأوسط» عن قلة عدد رواد المطعم الذي يعمل فيه منذ ارتفاع أسعار الوجبات، مع عزوف من تبقى منهم عن تناول الوجبات المرتفعة الثمن، وتقليل الكميات التي يتناولونها، وهو ما تسبب في تراجع دخل المطعم.

الجماعة الحوثية فرضت المزيد من الجبايات على نقل البضائع متسببة في موجات غلاء متتالية (غيتي)

وأبدى خشيتَه من أن يُضطَر مُلاك المطاعم إلى تسريح بعض العمال بسبب هذا التراجع، رغم توقُّعه تكيُّف معظم الزبائن مع الوضع الجديد، ورجوعهم إلى عاداتهم في تناول الوجبات خارج منازلهم بعد مضي بعض الوقت.

إلا أن باحثاً اقتصادياً نفى إمكانية حدوث التكيف مع الأوضاع الجديدة؛ فبعد كل هذه السنين من الأزمات المعيشية، والإفقار المتعمد للسكان، حسب وصفه، أصبح التكيف أمراً غاية في الصعوبة، خصوصاً مع توقف رواتب موظفي الدولة، واتساع رقعة البطالة، وتراجع المساعدات الإغاثية.

ولفت الباحث الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الإفصاح عن هويته لإقامته في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، إلى أن التكيف يحدث في أوضاع يمكن أن تتوفر فيها فرص للسكان لزيادة مداخيلهم، وابتكار طرق جديدة لتحسين معيشتهم.

الأسواق في مناطق سيطرة الحوثيين تعاني من ركود كبير بعد موجات الغلاء (أ.ف.ب)

وأوضح أن الجماعة لا تهتم إلا بزيادة عائداتها، وتتبع جميع الوسائل التي ترهق السكان؛ من فرض المزيد من الضرائب والجمارك ومضاعفتها بشكل غير قانوني، والعبث بالقطاع التجاري والاستثماري، وجميعها إجراءات تعمّق الركود وتعيق الحركة المالية ونشوء الأسواق وتوسع البطالة.

غلاء عكس المتوقع

امتنعت كبريات الشركات التجارية عن إبداء تفسيرات لهذه الزيادات السعرية، بالتوازي مع عدم اتخاذ الجماعة الحوثية أي إجراءات لمنعها أو تفسيرها، رغم ادعاءاتها باستمرار إجراءاتها للرقابة السعرية، وحماية المستهلكين من الاستغلال.

تأتي هذه الزيادات في الوقت الذي أظهرت فيه مؤشرات «منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)»، تراجعاً عالمياً في أسعار السلع الغذائية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، للشهر الثالث على التوالي.

وبيَّنت المؤشرات، التي أعلنت عنها «فاو»، والتي ترصد أسعار سلَّة من السلع الغذائية المتداولة حول العالم، ظهور انخفاض من متوسط 126.6 نقطة خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى 125.1 نقطة، الشهر الماضي، بما يساوي 1.2 في المائة.

وطبقاً لذلك، هبطت أسعار أغلب فئات السلع الأساسية، مثل الألبان ومنتجاتها واللحوم والزيوت النباتية والسكر، رغم ارتفاع مؤشر أسعار الحبوب.

وأرجعت المنظمة الأممية هذا التراجع السعري إلى وفرة المعروض العالمي من السلع، وزيادة الإمدادات في أسواق التصدير، ما زاد المنافسة وخفّض الضغوط السعرية.

ومنذ أيام، حذَّرت المنظمة ذاتها من أن نصف الأسر في اليمن تعاني من نقص الغذاء والحرمان الشديد في أربع محافظات.


«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
TT

«صحة غزة» تحذر من النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية بالقطاع

52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)
52 % من الأدوية الأساسية و71 % من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً» في مستشفيات غزة (إ.ب.أ)

حذَّرت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم (الأحد)، من النقص الشديد في الأدوية والمستهلكات الطبية الذي وصفته بأنه عند «مستويات كارثية».

وأوضحت الوزارة، في بيان، أن 52 في المائة من الأدوية الأساسية و71 في المائة من المستهلكات الطبية بات رصيدها «صفراً»، كما أن 70 في المائة من المستهلكات اللازمة لتشغيل المختبرات بات رصيدها «صفراً» أيضاً.

وقالت الوزارة التي تديرها حركة «حماس»، في بيان، إن أقسام جراحة العظام، والغسل الكلوي، والعيون، والجراحة العامة، والعمليات، والعناية الفائقة، تواجه تحديات كارثية مع نقص المستهلكات الطبية، كما أن هناك نقصاً شديداً في الأدوية اللازمة للرعاية الأولية والسرطان وأمراض الدم.

وحذَّرت الوزارة من تصاعد الأزمة في ظل زيادة الحاجة إلى مزيد من التدخلات العلاجية للمرضى والجرحى، وطالبت بتعزيز الإمدادات الطبية العاجلة لتمكين الأطقم الطبية من أداء عملها.


الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
TT

الحوثيون ينفِّذون حملة تجنيد قسري في الحديدة وذمار

رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)
رغم الإغراءات والتهديد ترفض غالبية السكان الالتحاق بجبهات الحوثيين (إعلام محلي)

وسط تصاعد الغضب الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية واتساع رقعة الفقر، بدأت الجماعة الحوثية تنفيذ حملة تجنيد قسرية في مناطق سيطرتها بمحافظتي الحديدة وذمار، بعد فشل محاولاتها السابقة في استقطاب الفقراء للالتحاق بمعسكرات التدريب مقابل وعود برواتب شهرية.

ولجأت الجماعة المتحالفة مع إيران -حسبما ذكرته مصادر حكومية- إلى اعتقال عدد من وجهاء تلك المناطق بتهمة «التخاذل» في مسعى لإجبار السكان على إرسال أبنائهم للقتال.

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين اعتقلوا عدداً من وجهاء مديرية «جبل راس» في الحديدة، بعد رفضهم إجبار الأهالي على إرسال أبنائهم إلى معسكرات التدريب، ضمن حملات التعبئة التي تزعم الجماعة أنها مخصصة لـ«تحرير فلسطين».

وقالت المصادر إن سكان المديريات الخاضعة للجماعة يواجهون حملة تضييق وعقوبات غير مسبوقة، بسبب رفضهم الانخراط في القتال، وإن الوجهاء لا يزالون رهن الاعتقال منذ أيام.

الحوثيون يرغمون الدعاة على قيادة حملات التجنيد (إعلام محلي)

وأوضحت السلطات المحلية الموالية للحكومة الشرعية، أن السكان -رغم الفقر المدقع الذي يعيشونه- رفضوا الانضمام لمعسكرات التدريب. وأشارت إلى أن القيادي الحوثي أحمد البشري، مسؤول ما تسمَّى «التعبئة العامة»، وعبد الله عطيف الذي عيَّنته الجماعة محافظاً للحديدة، أجبرا عدداً من الدعاة على مرافقتهم إلى تجمع أقيم في مدينة زبيد ضمن حملة التجنيد هناك. واعتبرت أن لجوء الجماعة إلى مثل هذا السلوك يعكس «حالة الإفلاس والتخبط» بعد فشلها في استقطاب أبناء تهامة.

وقالت السلطات إن مسؤول التعبئة الحوثي أبلغ الدعاة خلال الاجتماع أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أبدى استياءه الشديد من المجتمع التهامي، بسبب رفض أبنائه الالتحاق بالتجنيد، وعدم التجاوب مع دعوات التعبئة، رغم أن الحديدة تعد من أكثر المحافظات معاناة من انعدام الأمن الغذائي والفقر.

ضغوط على الدعاة

وطبقاً لما نقلته السلطات المحلية، وجَّه القيادي الحوثي أحمد البشري تهديداً مباشراً للدعاة، وأمرهم باستخدام نفوذهم ومنابر المساجد للضغط على الأهالي لإرسال أبنائهم إلى معسكرات التجنيد والجبهات، وإصدار فتاوى بوجوب حمل السلاح. كما هدد بإلحاق الدعاة وأُسرهم قسراً بالدورات الطائفية والعسكرية في حال رفضهم تنفيذ التعليمات.

وحذَّرت السلطات المحلية من أن الجماعة الحوثية تعمل على تحويل الدعاة وزعماء القبائل إلى أدوات لشرعنة التجنيد القسري، وتهدد كل من يتأخر أو يرفض بالاتهام بالولاء للحكومة الشرعية.

بينما يعاني اليمنيون من انعدام الغذاء يستمر الحوثيون في الإنفاق على التجنيد (إعلام محلي)

واستغلت الجماعة حالة الفقر الشديد، وانقطاع المرتبات، وانعدام الوظائف، لإغراء الأهالي برواتب شهرية، ووعدت بإدراج أبنائهم في قوائم المستحقين للمساعدات الغذائية عند استئناف توزيعها. وفق المصادر ذاتها.

إلى ذلك، واصلت الجماعة الحوثية التضييق على سكان محافظة ذمار (مائة كيلومتر جنوب صنعاء) إذ أجبرت الأهالي في عدد من المديريات على الخروج في وقفات تحت شعار «النفير والتعبئة العامة»، وألزمت المشاركين برفع شعاراتها، في حين قام عناصرها بتصوير الحشود لتقديمها كدليل على وجود «حاضنة شعبية».

وقالت مصادر محلية إن مشرفي الحوثيين أبلغوا مسؤولي القرى والعزل بضرورة الحضور الإجباري لهذه الفعاليات، والاستعداد لـ«النفير العام» تحت غطاء دعم فلسطين، رغم توقف الحرب في غزة منذ مدة. كما ألزمت نساءً وفتيات بتسجيل أسمائهن كمتطوعات، ولوَّحت بعقوبات لمن يرفض، في خطوة تهدف إلى حشد أكبر عدد ممكن للفعالية التي دعت إليها الجماعة في صنعاء.

أزمة هي الأشد عالمياً

تأتي هذه الممارسات الحوثية -وفق مراقبين- في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة أن اليمن لا يزال يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ يحتاج أكثر من 19.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية هذا العام، بسبب النزاع المستمر، والانهيار الاقتصادي، وتداعيات تغير المناخ.

يمنيون نازحون في صنعاء يدفئون أنفسهم تحت أشعة الشمس في مخيم مؤقت وسط طقس بارد (إ.ب.أ)

ووفق مفوضية شؤون اللاجئين، فإن نحو 4.8 مليون يمني ما زالوا نازحين داخلياً، بينما استقبلت البلاد أكثر من 62 ألف لاجئ وطالب لجوء، معظمهم من الصومال وإثيوبيا. وتوضح المفوضية أنها تعمل في معظم محافظات البلاد بالتنسيق مع السلطات والشركاء المحليين، لتوفير الحماية والمساعدات للفئات الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من هذه المعاناة الواسعة، تواصل الجماعة الحوثية إنفاق الموارد على التجنيد وحملات الحشد الطائفي والعسكري، بدلاً من توجيهها لتخفيف الكارثة الإنسانية، حسبما تؤكده مصادر حكومية ومنظمات محلية.