صحافة المرأة... جدل التمكين مقابل «الصورة النمطية»

اهتمت في البدايات بالموضة وتحولت إلى القضايا الأسرية والمجتمعية

إقبال بركة
إقبال بركة
TT

صحافة المرأة... جدل التمكين مقابل «الصورة النمطية»

إقبال بركة
إقبال بركة

في حين يتناول التاريخ صوراً للنساء المصريات اللواتي كُن شعلة للحماس في «ثورة 1919»، جاءت الصحافة «مقللة» لهذا الدور. ولدى البحث في الأرشيف، قد لا نجد سوى الباحثات عن الجمال، وصفحات استعراض الأزياء، وأخرى لتعليم الحياكة، فضلاً عن وصفات الطهي.
الصحافة العربية، الحديثة نسبياً مقارنة بالصحافة المصرية، لم تختلف كثيراً، إذ احتلت فيها قصص «الجمال والعناية والتربية» أيضاً نصيب الأسد، وكأن الإعلام لا يرى ما وصلت له المرأة على المستوى العلمي والاجتماعي والسياسي. وحول التمثيل العادل للمرأة، والتعبير عن وضعها الحقيقي، التقت «الشرق الأوسط» بصحافيات في مصر والعالم العربي، وسألتهن: هل نجحت الصحافة في التعبير عن قضاياهن، أم أنها ما زالت تكرس صورة امرأة «عفى عليها الزمن»؟
وفق الصحافيات، فإن قضايا المرأة اهتمت في البدايات بالموضة والجمال، ثم تحولت لمناقشة القضايا الأسرية والتحرش والعنف الأسري. وقال بعضهن إن الصحافة تلعب دوراً بارزاً فيما يخص صورة المرأة، إذ تغيرت صحافة المرأة خلال السنوات الأخيرة من خلال زيادة أخبار القصص التي تهتم بالنساء في الإعلام. لكن كثيرات أشرن إلى أن «بعض وسائل الإعلام» لا تعد أن قضايا النساء أولوية، ولا تتخذ إجراءات كافية لتحقيق المساواة في المؤسسات الإعلامية، وفي المحتوى الإخباري.
سمر الدسوقي، رئيسة تحرير مجلة «حواء» الصادرة عن مؤسسة «دار الهلال» الرسمية في مصر، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الصحافة المصرية تختلف عن سائر الدول العربية فيما يخص المرأة وقضاياها»، وأضافت أنه «قبل تسعينيات القرن الماضي، وربما منذ بداية اهتمام الصحافة بالمرأة، كان الأمر منصباً على ربة المنزل. وكانت الصحافة تقدم صفحات عن الموضة والأعمال اليدوية، وتعير اهتماماً خاصاً لتعليم الفتيات فنون الحياكة والطهي، وما إلى ذلك. لكن بعد تولي الكاتبة الصحافية إقبال بركة رئاسة تحرير مجلة (حواء)، بدأت القضايا النسوية وحقوق المرأة الاجتماعية والسياسية تتصدر المشهد».
وتابعت: «في ذلك الوقت، سارت الصحافة المصرية في نفق متفرد، بل كانت رائدة في مناقشة كل ما يهم المرأة، ووضعها في المجتمع ودورها السياسي، ثم تراجع هذا الدور نسبياً، ليعود أقوى بعد 2013، وتحديداً بالتزامن مع ثورة 30 يونيو (حزيران) عام 2013».
وتوضح الدسوقي تقلبات الصحافة المصرية، قائلة: «في النهاية، الصحافة تعكس ما نعيشه، فهي مرآة لكل الأطياف والأوضاع الاجتماعية. بعد ثورة (30 يونيو) صعد دور المرأة بشكل بارز، بل كانت هي المحرك الفعال للشارع، وبات دور المرأة أكثر محورية، بفضل إعلاء الدولة لقضاياها... وانعكس ذلك جلياً على شكل الصحافة التي أصبحت تناهض التحرش والعنف الأسري، وتناقش قضايا المطلقات وحقوقهن في الميراث».
الدسوقي لا ترفض أن «تهتم الصحافة بالجمال والموضة والعناية بالمنزل»، قائلة: «لا مانع من تقديم محتوى جذاب خفيف يخص حياة المرأة اليومية، بصفتها أماً وزوجة، لكن التركيز على هذا الجانب فقط يُعد إجحافاً لدور المرأة الحقيقي في المجتمع المصري». وهي ترى أن «وضع الصحافة العربية يختلف عن مصر، فلا خلاف على أن المرأة الخليجية على وجه التحديد تهتم بأحدث صيحات الموضة والجمال، ربما بسبب الوضع الاقتصادي المستقر، ومن ثم على الصحافة أن تفرد صفحات لهذه الاهتمامات، ولا يعد ذلك تكريساً لصورة نمطية، بل هو تعبير حقيقي عن الواقع».
ومن جانبها، ترى اللبنانية ميرا عبد الله، مديرة التواصل في المنطقة العربية لبرنامج «النساء في الأخبار» «وان - إيفرا»، أن «الصحافة تلعب دوراً بارزاً فيما يخص صورة المرأة». وتشرح عبد الله لـ«الشرق الأوسط» أنه «عندما نخبر عن قصص النساء في الإعلام، نساهم بكسر كثير من الصور النمطية، ونشجع النساء على الإخبار بقصصهن... لقد تغيرت صحافة المرأة خلال السنوات الأخيرة من خلال زيادة أخبار القصص التي تهتم بالنساء، وتزايد المصادر النسائية في الإعلام. ويعود ذلك إلى جهود رفع الوعي بأهمية تسليط الضوء على المواضيع التي تتعلق بالنساء من قبل المنظمات والصحافيات أنفسهن، لكن جزءاً كبيراً من إعلامنا لا يزال يتناول المرأة من وجهة نظر الصور النمطية في المجتمعات».
وبعكس رئيسة تحرير «حواء»، لا تفرق عبد الله بين الصحافة العربية والمصرية كثيراً، وترى أن «الصحافة المصرية والعربية بشكل عام تتشابه في أخبار المرأة، إذ لا يزال جزء كبير من الإعلام لا يضيء بشكل كافٍ أو بشكل عادل على قصص النساء، كما يطرح كثيراً من القضايا من وجهة نظر اجتماعية لا تزال تتسم بالصور النمطية». وهي تُرجِع السبب في ذلك إلى أن «غالبية صُناع القرار في المؤسسات الإعلامية الذين يحددون السياسات التحريرية هم من الرجال»، مضيفة: «النساء ما زلن لا يتمتعن بمساحة كافية لاتخاذ القرار في المؤسسات الإعلامية، فضلاً عن أن بعض وسائل الإعلام لا تعد أن قضايا النساء أولوية، ولا تتخذ إجراءات كافية لتحقيق المساواة في المؤسسات الإعلامية، وفي المحتوى الإخباري».
أما عن المبالغة في أخبار الجمال والموضة، وكيف تسهم في تكريس صورة بعيدة عن واقع المرأة العصرية، فتعلق عبد الله قائلة: «لا تؤثر المغالاة في استعراض أخبار الجمال والموضة على اهتمامات المرأة بشكل عام، لكن هذه الأخبار لا تمثل إلا فئة واحدة من النساء؛ عندما نحدد أخبار المرأة بأخبار الجمال والموضة، نستثني فئة كبيرة من النساء ذات الاهتمامات الأخرى. وهذا من شأنه أن يرسخ الأفكار النمطية التي تعد أن جميع النساء مهتمات بمواضيع الجمال، كما قد تؤثر على رأي بعض النساء بأنفسهن لأنها تعطي صورة عن المرأة لا تمثل جميع النساء».
وعودة إلى مصر، تحدد الكاتبة المصرية فاطمة خير مشكلة صحافة المرأة في مسألة التوازن، وتقول لـ«الشرق الأوسط» شارحة: «ما تقدمه الصحافة فيما يخص اهتمامات المرأة من ناحية الجمال والأمومة لا يعادل كفة اهتماماتها العملية، مثل تطوير المهارات؛ لكن هذا لا يقلل من الدور الذي تقوم به الصحافيات المصريات على وجه التحديد سعياً لتطوير مهارات النساء والتركيز على قضاياهن. كذلك فإن المؤسسات الصحافية باتت تسعى في الآونة الأخيرة لعقد تدريبات تستهدف تقليل الفجوة الجندرية في الصحافة، سواء على مستوى المؤسسات أو القضايا التي تعالجها الصحافة».
وتتابع: «هذه الخطوات انعكست بلا جدال على المحتوى، لكن بشكل محدود أقل بكثير مما نطمح له من تمثيل عادل واقعي يوازن بين احتياجات المرأة من أخبار العناية بالجمال والمظهر والأمومة، وبين الأخبار التي تساعدها على الاهتمام بصحتها ومستقبلها مثلاً».
وترى خير أن «الصحافة المصرية ربما اتخذت خطوات متقدمة في التعبير عن القضايا الحقيقية للمرأة، مقارنة بالصحافة العربية... ويمكن القول إن الصحافة المصرية تمكنت من تقليص الفجوة، ليس فيما يخص العاملين في هذا المجال فحسب، بل حتى المحتوى يحاول تحقيق التوازن بين الجنسين. أيضاً فإن الصحافة المصرية توفر مساحات بارزة للتعبير عن قضايا المرأة ورحلتها، بعيداً عن الصورة النمطية التي تختزل النساء في الجمال والمظهر. وكذلك الصحافة السعودية أصبحت تولي مزيداً من الاهتمام لقضايا المرأة».
وحسب خير، فإن «الاهتمام بأخبار الجمال واللياقة والمظهر لا يعني على الإطلاق أن الصحافة تكرس صورة نمطية عن المرأة»، فهي بالفعل بحاجة إلى هذا المحتوى لتحقق التوازن، لكنها ترفض «المغالاة في تقديم هذا النمط. والواقع أن على جميع وسائل الإعلام السعي لتحقيق التوازن والتمثيل العادل لوضع المرأة في المجتمع».
وحول كيفية تحقيق التمثيل العادل للمرأة في الإعلام، ترى ميرا عبد الله، من واقع عملها في مؤسسة تسعى إلى تطوير مهارات النساء في الإعلام، أن «هناك كثيراً من الجهود التي تبذلها منظمات ومجموعات دولية ومحلية لتغيير الصور النمطية المتصلة بالمرأة، وتغيير طريقة تناول الإعلام لهذه المواضيع. وعلى سبيل المثال، يعمل برنامج (النساء في الأخبار) على تغيير واقع تمثيل المرأة في الإعلام، وذلك من خلال بناء قدرات الصحافيات لزيادة عدد صانعات القرار من النساء في المؤسسات الإعلامية، وكذلك من خلال تحليل المحتوى الإخباري لكثير من المؤسسات لتحسين التوازن الجندري في الأخبار أيضاً».



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.