عودة حذرة للمسارح وقاعات الموسيقى في نيويورك

TT

عودة حذرة للمسارح وقاعات الموسيقى في نيويورك

بدأت ساعات اليوم تبدو أكثر طولاً، في الوقت الذي يستمر ارتفاع أعداد أبناء نيويورك الذين تلقوا اللقاح ضد فيروس «كوفيد - 19»، يوماً بعد آخر. والآن، وبعد ما يزيد على عام على تسبب جائحة فيروس «كورونا» المستجد في إغلاق دور المسرح وقاعات الحفلات الموسيقية عبر أرجاء المدينة، وإغلاق أضواء شارع «برودواي» الشهير والنوادي الكوميدية على حد سواء، بدأت الفنون التعبيرية في العودة.
ومثلما الحال مع الزهور التي تتفتح أوراقها وقت الربيع، بدأت أصوات الموسيقى والرقص تعلو وأبواب المسارح والنوادي الكوميدية تعيد فتح أبوابها على استحياء خلال الأسبوع الماضي، وذلك بعد صدور قرار بالسماح لها بإعادة فتح أبوابها والسماح بدخول أعداد محدودة من الجمهور -وفي أغلب الحالات، تعد هذه المرة الأولى التي يُسمح خلالها بذلك منذ مارس (آذار) 2020. الأمر الذي أقدم على فعله الكثيرون بالفعل.
وبدأت الجماهير في العودة هي الأخرى. على سبيل المثال، مع التزامهم بارتداء أقنعة حماية الوجه وملء استبيانات صحية، بدأت الجماهير في العودة إلى مسرح يقع خارج «برودواي» في يونيون سكوير، تحديداً «كوميدي سيلار» في غرينويتش فيليدج لمشاهدة عرض موسيقي حي. كما أضاءت أنوار «برودواي» من جديد بفضل الراقص سافيون غلوفر والممثل ناثان لين اللذين اضطلعا بتقديم عرض تعبيري داخل مسرح سانت جيمس، في الوقت الذي قدم جيري سينفيلد عرضاً واقفاً في تشيلسي.
وزار مراسلون من «نيويورك تايمز» بعض أول العروض الأدائية التي جرى تقديمها داخل أماكن معلقة وتحدثوا إلى بعض أفراد الجمهور والعاملين. وفيما يلي ما قالوه.

- عرض صوتي خارج «برودواي»
كان الوقت ظهيرة يوم جمعة، توقيت غير معتاد لعرض فني، ومع ذلك شهد افتتاح عرض «العمى» في مسرح «داريل روث». وجرى السماح لقرابة 60 شخصاً فقط بالحضور. واصطف أفراد الجمهور على طول رصيف شارع «إيست 15»، وحرصوا على الوقوف على نقاط خضراء.
بعد ذلك، وصل العمدة بيل دي بلاسيو ليضيف بذلك عنصراً من البهاء والفخامة على ما كان بخلاف ذلك مجرد عرض صوتي خارج «برودواي». أما موظفو المسرح، فقد ارتدوا سترات ذات لون أخضر زمردي وأغطية وجه باللون ذاته أخفت خلفها ابتسامات انعكست على عيونهم. وعلى مدار قرابة 10 دقائق، بدا المشهد بالقرب من يونيون سكوير مزيجاً ما بين فعالية مرتبطة بحملة انتخابية وعرض أول لأحد أفلام هوليوود.
من جهته، قال دي بلاسيو بينما كان يقف على درجات مدخل مسرح «داريل روث»: «إنها لحظة قوية حقاً، فالمسرح يعود إلى مدينة نيويورك والستار يرتفع من جديد، وثمة شيء مذهل يتحقق».
ووقف العمدة إلى جوار المنتجة داريل روث، التي يحمل المسرح اسمها، لتحية الجماهير الذين وقفوا في انتظار الدخول. ووجه البعض منهم الشكر للعمدة عن جهوده للمعاونة في عودة الفنون التعبيرية. وطلب بعضهم التقاط صور «سيلفي»، بينما تبادل آخرون التحية بتلامس المرفقين أو الرسغين. وكان من بين مرتادي المسرح مَن كانوا يحتفلون بأعياد ميلاد، وآخرون يتوقون لأن ينشروا تجربتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى جانب مدير فني واحد من سان فرنسيسكو يُجري بعض الأبحاث حول السلامة استعداداً لافتتاح المسرح الخاص به.
ولدى دخول الجمهور المسرح، رفعوا معاصمهم باتجاه آلة تتحقق من درجة حرارة أجسادهم. وتولى أحد العاملين بالمسرح توجيههم نحو مقاعدهم والتي انتشرت تحت متاهة من أنابيب الفلورسنت. وبمجرد أن استقر الجميع في مقاعده، انطلقت رسالة ترحيب من مكبرات الصوت، قوبلت بموجة تهليل من الجمهور.
وأخرج أفراد الجمهور سماعات رأس من أكياس محكمة الإغلاق معلقة على مقاعدهم ووضعوها على آذانهم. وعقد زوجان أيديهما معاً، وأغمض رجل آخر عينيه، ليبدأ عرض «العمى»، وهو عرض صوتي للرواية التي أبدعها خوسيه ساراماغو الحائز على جائزة «نوبل».
وعلى امتداد الدقائق الـ75 التالية، سمع أفراد الجمهور عن مدينة ابتُليت بوباء العمى. ولفترات طويلة، ظل أفراد الجمهور منغمسين في مقاعدهم في ظل ظلام دامس، لكن في نهاية العرض ظل هناك بصيص من الضوء.
من جهته، قال دين ليزلي، 58 عاماً، بعد العرض: «بدا الأمر مألوفاً للغاية. ومن بين اللحظات التي تركت صدى كبيراً بداخلي هي هذه اللحظة - عندما عدت إلى الشارع».
وأضاف: «شعرت أنه شيء نعايشه الآن».

- داخل «كوميدي سيلار»
اتصل أحد أفراد الأمن بزميل له ونبّه عليه قائلاً: «تأكد من أنهم يلتزمون بإجراءات التباعد الاجتماعي»، في الوقت الذي كانت مجموعات من الأفراد تنزل إلى الطابق السفلي في مسرح «كوميدي سيلار» الذي اتسم بإضاءته الخافتة.
في نهاية المطاف، استقر نحو 50 فرداً من الجمهور -كانت غالبيتهم تنتمي إلى العشرينات من العمر ويتمتعون بذكاء كافٍ مكّنهم من شراء التذاكر عبر الإنترنت- حول طاولاتهم في أول عرض مباشر داخل المسرح منذ ما يزيد على العام.
وفجأة، قفز مضيف العرض، جون لاستر، إلى خشبة المسرح وقال بصوت يحمل نبرة انتصار: «كوميدي سيلار، كيف تشعر؟»، أما الجمهور، فقد خلع بعضهم أقنعة حماية الوجه بمجرد وصولهم إلى طاولاتهم، بينما ظل آخرون مرتدين لها حتى وصول ما طلبوه من طعام وشراب.
وبدت الجائحة موضوعاً حتمياً يفرض نفسه، وخيّم بظلاله على كل من كانوا في القاعة. واستفسر لاستر من أفراد الجمهور، عن الأماكن التي فرّوا إليها خلال أشهر الجائحة.
جدير بالذكر أنه جرى السماح بدخول عدد من الجماهير تعادل ثلث سعة المكان فقط، ومع ذلك ملأت ضحكات أصوات الحاضرين أرجاء المكان وتحدث الممثلون الكوميديون إلى أفراد الجمهور كما لو كانوا أصدقاء قدامى التقوهم أخيراً بعد عام من الانفصال.

- ليلة من الموسيقى
قرب الثلث الأخير من الأداء الذي مزج الصوت المحيط بالتشيلو الكلاسيكي والغناء الأوبرالي وموسيقى البوب وغير ذلك، ظهرت كيسي لو، في زيٍّ زهريّ اللون معلنةً أن «الربيع جاء».
وتعالت الضحكات من الجماهير الذين كانوا جالسين داخل قاعة «ماكورت» في مسرح «شيد» الذين بلغ عددهم قرابة 150 فرداً. وبعد انتهاء لو من عرضها، أقدم أفراد الجمهور على فعل شيء حُرموا من فعله داخل مكان مغلق منذ ما يزيد على العام: الوقوف لتوجيه تحية حارة.
عن ذلك، قال جيل بيريز، كبير المسؤولين عن شؤون تجربة الزوار: «كان بإمكان المرء الشعور بذلك: الإثارة والمتعة والطاقة المنبعثة من عرض حي - لا شيء يضاهي ذلك».
جدير بالذكر أن قاعة «ماكورت»، والتي تتميز بمرونتها ويمكن تحويلها إلى مكان مغلق أو مفتوح حسب الحاجة، تبلغ مساحتها 17000 قدم مربعة ومزودة بنظام رفيع المستوى لتنقية الهواء. ودخل أفراد الجمهور المسرح من المداخل التي تقودهم مباشرةً إلى قاعة «ماكورت»، وجرى فحص درجات حرارتهم على الفور. وجرى الاعتماد على برامج رقمية على الهواتف الذكية متصلة برمز شريطي على أذرع المقاعد، والتي جرى ترتيبها فرادى وأزواج متباعدة على بُعد 12 قدماً تقريباً من المسرح و6 أقدام أو أكثر بعضها من بعض.
وسجل الموظفون وصول الجماهير باستخدام كومبيوترات لوحية. كما اضطر أفراد الجمهور لإبراز ما يفيد حصولهم على لقاح ضد فيروس «كورونا» المستجد أو نتيجة سلبية لاختبار الفيروس. وبمجرد انتهائهم من هذه الإجراءات، صعد أفراد الجمهور إلى المدخل المحدد بوقت معين: واحد في تمام 7:40 مساء، وآخر بعد 10 دقائق.
في هذا الصدد، قالت روكسان دوبس، 37 عاماً، التي تعمل ساعية بريد: «أنا واحدة من العمال الأساسيين وكنت أعمل طوال الفترة الماضية. لذا، من الممتع أن أتمكن من الخروج والاستمتاع بالوقت».
وأضاف زوجها، إيان بلومان: «أشعر كأننا نقف على أعتاب حقبة جديدة في نيويورك».
وقبل العرض وبعده، التقى البعض مع أصدقاء قدامى وتوقفوا بعض الوقت لتبادل أطراف الحديث. وهنّأت سيدة أخرى على تلقيها اللقاح، بينما انحنى رجل على آخر وقال: «هذا لطيف للغاية!».
من ناحيته، قال أليكس بوتس، المدير الفني والرئيس التنفيذي لـ«شيد»، فقال إن «العاطفة غلبتني» مع اقتراب المساء، وورد على خاطره وصف لو للربيع وصحوته. وقال: «كانت أمسية رائعة للغاية. لقد افتقدت هذا الأمر كثيراً».
-خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

القاهرة تستضيف 16 عرضاً بمهرجان «المسرح العربي»

يوميات الشرق ريم أحمد في لقطة من مسرحية «كارمن»  (البيت الفني للمسرح)

القاهرة تستضيف 16 عرضاً بمهرجان «المسرح العربي»

أعلنت الهيئة العربية للمسرح عن مشاركة 16 عرضاً مسرحياً من مختلف الدول العربية، في الدورة الـ16 من مهرجان «المسرح العربي» التي تنظمها الهيئة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تضمن العرض بعضاً من أغاني أم كلثوم خصوصاً عن فلسطين (وزارة الثقافة المصرية)

«سيرة في حب أم كلثوم»... مسرحية للعرائس تستعيد رحلة «الست»

في إطار استعادة مصر لسيرة أم كلثوم بالتزامن مع مرور 50 عاماً على رحيلها، استضاف «مسرح نهاد صليحة» بأكاديمية الفنون المصرية عرضاً مسرحياً للعرائس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان التونسي لمين النهدي (الشرق الأوسط)

لمين النهدي لـ«الشرق الأوسط»: أنحاز للمسرح لأنه يمنحني الحرية

أكد الممثل التونسي لمين النهدي أنه انحاز للمسرح منذ بداية مسيرته الفنية لأنه يجد حريته في مواجهة الجمهور أكثر من السينما والدراما التلفزيونية.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق نحو 24 ممثلاً يشاركون في مسرحية «أبو الزوس»

«أبو الزوس»... ضربة معلّم في الإبهار والعمق والكوميديا

تمثّل مسرحية «أبو الزوس» للمخرجة لينا خوري عودة مفرحة للمسرح اللبناني الأصيل، إذ تلتقي في العمل جميع العناصر الفنية المطلوبة لتقديم مسرحية متكاملة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تكريم تاريخ يمتد من الأحساء إلى الرياض (هيئة المسرح)

«الرياض للمسرح» يحتفي برائدَيْن صاغا البدايات الأولى للحركة المسرحية السعودية

تُنظّم «هيئة المسرح والفنون الأدائية» مهرجان الرياض للمسرح من 15 حتى 22 ديسمبر (كانون الأول)، بمركز المؤتمرات بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن في الرياض...

عمر البدوي (الرياض)

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
TT

«صوت ملاك»... ترمب يشيد بأندريا بوتشيلي

المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)
المغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي يقدم عرضاً خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مساء أمس (الجمعة)، بالمغني الأوبرالي الإيطالي أندريا بوتشيلي، وقال إن لديه «صوت ملاك». ودخل الرئيس الغرفة الشرقية بالبيت الأبيض، برفقة زوجته السيدة الأولى ميلانيا ترمب وبوتشيلي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا يسيران أمام الموسيقي أندريا بوتشيلي وزوجته فيرونيكا بيرتي في البيت الأبيض (رويترز)

وقال ترمب إنه وبوتشيلي صديقان، وسأل قبل نحو 4 أسابيع عما إذا كان بوتشيلي سيغني في البيت الأبيض. وأشار إلى أن بوتشيلي وافق خلال «لحظة ضعف».

وحضر الحفل الخاص في البيت الأبيض مشرعون جمهوريون وأعضاء في حكومة ترمب.

وأفاد ترمب: «هذا شرف هائل. سوف نستمع إلى صوت، صوت ملاك».

أندريا بوتشيلي يغني خلال قرعة كأس العالم لكرة القدم 2026 (أ.ب)

وكان بوتشيلي قد قام بالغناء في وقت سابق يوم الجمعة، في حفل إجراء قرعة كأس العام لكرة القدم بمركز كيندي.


كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.