يجتمع الموقعون على الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في فيينا اليوم (الثلاثاء)، في ما بدا مهمة بسيطة. فالمجتمعون يتطلعون إلى استعادة الامتثال لاتفاق يضع ضوابط صارمة على تخصيب إيران النووي لضمان عدم قدرتها على صنع سلاح نووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية.
تؤكد كل من إيران والولايات المتحدة رغبتهما في العودة إلى الاتفاق، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن لا شيء سيكون بسيطاً خلال الاجتماع.
سحب الرئيس دونالد ترمب الولايات المتحدة من الاتفاق في مايو (أيار) 2018، واصفاً إياه بـ«أسوأ صفقة تم التفاوض عليها على الإطلاق»، وأعاد العقوبات الاقتصادية القاسية ضد إيران، وعززها لاحقاً في محاولة لإجبارها على إعادة التفاوض.
ردت إيران جزئياً بتخصيب اليورانيوم بشكل كبير بما يتجاوز الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية، وبناء أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً، والعمل بشكل أقوى لدعم الحلفاء في الشرق الأوسط مثل «حزب الله»، و«حماس»، والميليشيات الشيعية في العراق، وحكومة بشار الأسد في سوريا. لذا، فإن العودة إلى اتفاق تم التوصل إليه قبل ست سنوات من المرجح أن يكون أصعب مما يتصور كثيرون.
عما تدور المحادثات؟
تهدف محادثات فيينا إلى وضع خريطة طريق لعودة متزامنة لكل من إيران والولايات المتحدة إلى الامتثال لاتفاق 2015 بعد أن كانت معرّضة لخطر الانهيار منذ أن رفض ترمب المشاركة الأميركية.
كان الاتفاق نتيجة سنوات من المفاوضات مع إيران. فبرئاسة الاتحاد الأوروبي، قدمت بريطانيا وفرنسا وألمانيا المبادرات الأولى لإيران، وانضمت إلى الأعضاء الدائمين الآخرين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهم روسيا، والصين، والولايات المتحدة.
لكن لم يحدث تطور إلا بعد أن بدأت الولايات المتحدة محادثات سرية مع إيران في عهد الرئيس باراك أوباما، ووافقت على أنه يمكن لإيران تخصيب اليورانيوم، على الرغم من وجود ضمانات. حتى ذلك الحين، جرى انتقاد الاتفاق على نطاق واسع باعتباره ضعيفاً للغاية في نظر الكثيرين في الكونغرس وإسرائيل التي رأت أن توصل إيران المحتمل إلى سلاح نووي - وهو طموح تنكره إيران دائماً - يمثل تهديداً وجودياً.
حاول الأوروبيون الحفاظ على الاتفاق، لكنهم أثبتوا أنهم غير قادرين على تزويد إيران بالفوائد الاقتصادية التي كانت مستحقة لها بعد أن أعاد ترمب العقوبات الأميركية التي جرى رفعها بموجب شروط الاتفاق. فقد أدت العقوبات الأميركية، القائمة على القوة العالمية للدولار والنظام المصرفي الأميركي، إلى منع الشركات الأوروبية وغيرها من التعامل مع إيران، وزاد ترمب الضغط بإضافة المزيد من العقوبات.
ردت إيران بطرق مختلفة، بما في ذلك الهجمات على سفن الشحن وعلى الحلفاء الأميركيين في العراق، ولكن الأهم من ذلك من خلال استئناف تخصيب اليورانيوم على مستوى أعلى واستخدام أجهزة الطرد المركزي المحظورة بموجب الاتفاق. الوقت المقدر الذي ستستغرقه إيران لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لإنتاج سلاح نووي تقلص الآن من عام إلى بضعة أشهر فقط. كما تصنع إيران معدن اليورانيوم الضروري لإنتاج رأس حربي، وهو محظور أيضاً بموجب الاتفاق، وتدعم بقوة الحلفاء في الشرق الأوسط، بما في ذلك العديد من الدول التي يعتبر الغرب أنها تؤوي جماعات إرهابية.
في تكتيك ضغط إضافي، فسّرت إيران متطلبات التفتيش للصفقة بشكل ضيق، وامتنعت عن الإجابة على أسئلة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» حول الجسيمات المشعة التي عثر عليها المفتشون في مواقع لم تعلن طهران أبداً أنها جزء من البرنامج النووي. ووافقت إيران أواخر فبراير (شباط) على الاستمرار في تسجيل المعلومات الخاصة بمعدات التفتيش الخاصة بها لمدة ثلاثة أشهر، لكن دون السماح لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» بالدخول. وتقول إيران، إنه إذا لم يتم رفع العقوبات الاقتصادية في ذلك الوقت، فسيتم حذف المعلومات، الأمر الذي سيترك العالم في حالة تخبط وجهل بشأن الأجزاء الرئيسية من البرنامج النووي.
تبدو إيران مصممة على أنها تستطيع العودة إلى الامتثال للاتفاق بسرعة، لكنها تريد من الولايات المتحدة أن تفعل ذلك أولاً. وتقول إدارة بايدن إنها تريد أن تبدأ إيران السير أولاً.
ما هي المعوقات؟
الثقة هي مشكلة كبيرة، إذ إن تأسس النظام الإيراني على يد ثورة قبل أكثر من أربعة عقود استبدلت شاه إيران المدعوم من الولايات المتحدة بحكومة معقدة يشرف عليها رجال الدين واليد القوية للمرشد علي خامنئي الذي وافق على مضض على اتفاق عام 2015 مع «الشيطان الأكبر» الأميركي. وبعد انسحاب ترمب، تعمقت عدم ثقة خامنئي.
فرض ترمب أيضاً العديد من العقوبات الاقتصادية على إيران بخلاف تلك التي جرى رفعها في الأصل بموجب الاتفاق، محاولا ممارسة «أقصى ضغط» لإجبار إيران على التفاوض بشروط أكثر صرامة. ويقول المسؤولون الإيرانيون الآن، إنه يجب رفع ما يصل إلى 1600 عقوبة أميركية، فرض ترمب نصفها تقريباً. بعض هذه العقوبات يستهدف الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، وليس القضايا النووية، وقد يؤدي رفع بعضها إلى معارضة في الكونغرس.
كثيرون في واشنطن، ناهيك بإسرائيل وأوروبا، لا يصدقون أيضاً تأكيدات إيران أنها لم تسعَ أبداً لامتلاك سلاح نووي ولن تفعل ذلك أبداً.
ومما يزيد تعقيد استعادة الاتفاقية وجود بنود «الانقضاء»، أو الحدود الزمنية، التي من شأنها أن تسمح لإيران باستئناف بعض أنشطة تخصيب اليورانيوم. تتطلع إدارة بايدن إلى إجراء المزيد من المفاوضات مع إيران لتمديد تلك الحدود الزمنية، بالإضافة إلى وضع قيود على برنامج إيران الصاروخي وأنشطة أخرى.
وتقول إيران، إنها تريد ببساطة أن تعود الولايات المتحدة إلى الاتفاق الذي تركته، بما في ذلك رفع العقوبات، قبل أن تعود هي. وقد رفضت حتى الآن إجراء أي محادثات أخرى.
عاشت إيران مع عقوبات ترمب الصارمة لمدة ثلاث سنوات حتى الآن، ونجت من السخط الشعبي وحتى الاحتجاجات، وسيجادل المتشددون بأنه من غير المرجح أن تكون الأشهر الستة المقبلة ذات أهمية.
كيف ستتم هيكلة المحادثات؟
إن اجتماع كبار الدبلوماسيين هو رسمياً جلسة للجنة المشتركة للاتفاق دعا إليها الاتحاد الأوروبي تحت رئاسته. فمنذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، لن يكون ممثلوها في القاعة، لكن في مكان قريب. وسيلتقي دبلوماسيون من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والصين، وإيران برئاسة الاتحاد الأوروبي، وسيبدأون في مناقشة سبل تنشيط الاتفاقية.
ترفض إيران لقاء الدبلوماسيين الأميركيين وجهاً لوجه، لذا فإن الأوروبيين يقترحون إما أن يقابلوا الأميركيين بمقترحات، أو أن يغادر الإيرانيون القاعة قبل دخول الأميركيين. وقد تستغرق عملية المحادثات غير المباشرة بعض الوقت.
لكن دبلوماسيين أوروبيين يقولون إنه بعد أيام قليلة ستترك المهمة في فيينا لمجموعات العمل المعنية بالقضايا السياسية والتقنية المعقدة. وإذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق تقريبي بشأن عودة متزامنة إلى الامتثال، فمن المتوقع أن يجتمع المسؤولون الإيرانيون والولايات المتحدة لوضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل.
ما هو احتمال النجاح؟
قد تستغرق المحادثات وقتاً طويلاً، ويأمل البعض في واشنطن على الأقل التوصل إلى اتفاق من حيث المبدأ في الأشهر القليلة المقبلة من شأنه أن يُلزم أي حكومة إيرانية جديدة بعد انتخابات يونيو. لكن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين يخشون من أن الكثير من الوقت قد انقضى بالفعل، وأن الصفقة ماتت عملياً، وستكون بمثابة نقطة مرجعية لما قد يشكل مفاوضات جديدة تماماً. لذا، فإن الجدول الزمني غير واضح، وكذلك احتمالات النجاح.