«سي إن إن» تدخل «صحافة الدرون»

يمكن أن تكون في أهمية الكومبيوتر الذي حل محل ماكينة الطباعة اليدوية «تايبرايتر»

«سي إن إن» تدخل «صحافة الدرون»
TT

«سي إن إن» تدخل «صحافة الدرون»

«سي إن إن» تدخل «صحافة الدرون»

في الأسبوع الماضي، عندما سقطت، في الثانية صباحا، طائرة «درون» (من دون طيار) صغيرة في فناء البيت الأبيض، هبت انتقادات ضد الشرطة السرية (التي تحرس البيت الأبيض، والرئيس، وعائلته).
في الوقت نفسه، تناقلت صفحات «فيسبوك» و«تويتر» الخاصة بصحافيين في واشنطن نكتة تقول: «كنا نظن أن (سي إن إن) لم تصل مرحلة تنفيذ خطة (صحافة الدرون). ونكتة أكثر سخرية تقول: «يا إلهي، بدأت (سي إن إن) خطة (صحافة الدرون)». ونكتة أخرى زيادة في السخرية تقول: «سقط درون (سي إن إن) في ميدان البيت الأبيض الجنوبي. لكن، كانت كاميرا (سي إن إن) تنتظره في الميدان الشمالي». تشير هذه النكات إلى خطة حقيقية بدأتها «سي إن إن»، وهي استعمال طائرات «درون» لنقل الأخبار.
يوم الاثنين الماضي، عقدت «سي إن إن» اتفاقية مع إدارة الطيران الاتحادية (إف إيه إيه) لتقدر، وشركات إعلامية أخرى، وأي شخص، على استخدام موجات وترددات معينة في المجال الجوي الأميركي.
عن هذا كتبت «كولومبيا جورناليزم ريفيو» (مجلة كلية الصحافة في جامعة كولومبيا في نيويورك): «يمكن أن تعد هذه الخطوة تحولا جذريا في قدرة الصحافي على أداء عمله. يمكن أن تكون في أهمية الكومبيوتر الذي حل محل ماكينة الطباعة اليدوية (تايبرايتر)».
وقال ديفيد فيجيلانت، نائب رئيس «سي إن إن»: «هذه بداية العملية. نريد أن نقدر على الطيران لفترات طويلة باستخدام كاميرات متطورة، والعودة بفيديوهات واضحة جدا. لا يكفي ما نفعل حاليا، وهو نقل فيديوهات مباشرة من طائرات هليكوبتر تطير فوق مكان الحادث (حريق، أو تفجير، أو مكان جريمة). نريد أن نقدم أخبارا مكتوبا عليها: «من درون سي إن إن».
في هذا، تتعاون «سي إن إن» مع معهد جورجيا للتكنولوجيا (جي تي آي)، في أتلانتا (ولاية جورجيا)، الرائد في مجال بحوث طائرات «درون»، الذي يقع بالقرب من رئاسة «سي إن إن».
بعد حادث طيران «درون» فوق البيت الأبيض، وسقوطه في الميدان الجنوبي، وزيادة القلق على أمن البيت الأبيض، وأمن الرئيس، والعائلة الأولى، زادت الضغوط على إدارة الطيران الاتحادية (إف إيه إيه) لاستعجال إصدار قانون ينظم استخدام طائرات «درون» في المجال الجوي الأميركي. وفي الأسبوع الماضي، بعد الحادث، أعلنت «إف إيه إيه» أنها ستصدر في سبتمبر (أيلول) المقبل القانون المتوقع. وتسمي الوكالة «درون» اسما بيروقراطيا، هو «إنماند إيريال فيكلز» (أجهزة هوائية من دون شخص فيها)، وتختصر بحروف «يو إيه في».
في شهر مارس (آذار) الماضي، تقدمت مؤسسات إخبارية، منها صحيفة «نيويورك تايمز» ووكالة «أسوشييتد برس»، بعريضة قانونية إلى مجلس مراجعة سلامة النقل (تي إس آر بي)، الذي يراجع ويحلل حوادث الطيران. وجاء في العريضة: «نرى نحن أن هذه السياسة الفضفاضة نحو كل شيء يطير، والقيود الموضوعة على أشياء دون أشياء، هي، حقيقة، تهدد حرية جمع الأخبار، حسب التعديل الأول في الدستور (حرية التعبير)».
في وقت لاحق، انضم إلى هذه المؤسسات الصحافية «معهد صحافة الدرون»، التابع لكلية الصحافة في جامعة نبراسكا (لنكون، ولاية نبراسكا).
تأسس هذا المعهد في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2011، وقال عنه مؤسسه بروفسور ماثيو ويد: «أسسنا هذا المعهد في إطار استراتيجية صحافة الإبداع الرقمية. تتطور هذه سريعا. ويجب أن تتطور الصحافة معها. وأن يتطور، أيضا، تدريس الصحافة، والأدوات الجديدة، واستراتيجيات نقل الخبر. على شرط أن تبقى وفيه للمبادئ الأساسية وأخلاقيات الصحافة».
في المختبر، يستخدم الطلاب وأعضاء هيئة التدريس طائرات «درون» في مجال البحوث، والقضايا الأخلاقية، والقانونية، والتنظيمية.
وقال ويد إن الصحافيين صاروا يواجهون مشكلتين:
أولا: شهية متزايدة للفيديو الإخباري، وعبر الإنترنت. لكن، في بيئة من الميزانيات المنخفضة.
ثانيا: عرقلة الوصول إلى مركز الأحداث.
وأضاف: «مثل الكومبيوتر، والأقمار الفضائية، صارت تكنولوجيا (درون) تتحرك بسرعة من التطبيقات العسكرية إلى النقطة التي يمكن فيها للشخص العادي أن يتملك ويشغل (درون) خاصا به. في الوقت نفسه، تتطور سريعا تكنولوجيا الكاميرا، ووضوح الصورة، وفيديو (ثري ديز). صار كل شيء أصغر، وأرخص، وأخف». وقال: «إذا أضفنا إلى هذا نظام جي بي دي (تحديد الأمكنة العالمي)، يمكن، قريبا، تأسيس استوديوهات في الجو».
تبقى الخطوة التالية، وهي أن تلفزيونات أخرى بدأت تدخل هذا المجال، وأيضا ناس عاديون يشترون «درون» في شكل طائرة عادية، أو «كوادكوبتر» في شكل طائرة هليكوبتر. ويصورون، ويذيعون، ويحملون في قنوات تلفزيونية خاصة بهم في الإنترنت، أو يبيعون فيديوهاتهم إلى محطات تلفزيونية، أو شركات. مثل كيفين فورتوشيو، في بريستول (ولاية بنسلفانيا)، مهندس كهربائي يبيع فيديوهاته إلى شركات تملك مواقف سيارات، وتريد أن تعرف، وتدرس، حركة الدخول والخروج من هذه المواقف.



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.