التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

الرئيس السابق للرقابة يقترح... وخبيران يعلقان على «خريطة طريق» للخروج من النفق النقدي والمصرفي

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان
TT

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

التدابير التقنية تغطي مؤقتاً الفشل السياسي باحتواء أزمات لبنان

يتواصل تفشي الإحباط بوتيرة متسارعة في كل مفاصل الاقتصاد اللبناني وقطاعاته الحيوية، مزخماً بشبه الانسداد الداخلي في مقاربة الملف الحكومي الشائك والذي ينتج تمادياً ثقيلاً في تأخير المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي. وبحدث هذا رغم الإقرار الجماعي بأن حصيلة التفاوض باتت فاصلة لجهة إمكانية إعادة انتظام المؤسسات واحتواء فجوات الخسائر الهائلة، من خلال الحصول على برنامج تمويلي. وهو الشرط اللازم أيضاً لانسياب الدعم الخارجي وتعاون الدول والمؤسسات التواقة لمد يد العون إلى البلد المنكوب.
وفي هذه الأثناء، تبقى الفوضى النقدية المتعاظمة إلى حد فقدان العملة الوطنية نحو 90 في المائة من قيمتها الإبرائية والشرائية، مكمن الخطر الأكبر الذي لا تقتصر أضراره على مدخرات المواطنين ومعيشتهم فحسب، بل هي تشي بالتحول إلى وقود لفوضى اجتماعية وربما أمنية. وذلك تحت وطأة تعاظم الأضرار التي تطوق نحو 60 في المائة من المقيمين دون خط الفقر، وتكاد تضم إليهم فئات جديدة لتصل النسبة إلى 80 في المائة، عقب تلاشي قدرات الطبقات الوسطى بفعل الاقتطاع من المدخرات المحبوسة في البنوك.
ريثما تنضج «طبخة» التسويات السياسية في إدارة التعامل مع الاستحقاقات الداهمة والآنية في لبنان، تتكرر المحاولات التقنية لكبح سرعة التدهور واحتواء ما أمكن من النتائج والمؤشرات الكارثية التي تتدحرج ككرات الثلج على المستويين الاجتماعي والاقتصادي. وفي آخر تجليات المعالجات غير السياسية، عودة مصرف لبنان (البنك المركزي) إلى ميدان التداولات النقدية عبر منصة ثلاثية الضلع تشاركه فيها المصارف وشركات الصرافة.
هذه المشهدية المتناقضة بوقائعها وبمقارباتها تثير الكثير من الأسئلة، وتطرح جدلية موضوعية بشأن مدى نجاعة البُعد التقني، بموازاة توالي الفشل على الجبهة السياسية، وقرب نضوب احتياطات العملات الصعبة لدى مصرف لبنان. وهو ما سعت «الشرق الأوسط» إلى سبر أجوبته، ضمن سياق مقاربة أحدث التدابير النقدية التي تترقبها الأسواق، مع ثلاثة من كبار المعنيين والمتابعين عن كثب للشأن الاقتصادي عموماً والقضايا النقدية والمالية على وجه الخصوص، هم: الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، والمدير العام لمصرف «فيرست ناشونال بنك» نجيب سمعان، والخبير المصرفي داخل لبنان وخارجه الدكتور جو سرّوع.
- حمود: خريطة المعالجة مسؤولية الدولة أولاً
عن هذه المستجدات وماهيتها ونتائجها المتوخاة، يقول سمير حمود «بداية، لا بد من الإقرار بأن الوظيفة الأصلية للبنوك هي الائتمان عبر ضخ ما تجمعه من مدخرات. أما في حالة القطاع المصرفي اللبناني، فهو يحمل كتلة نقدية يصعب تذويبها أو تسييلها وفق الآليات التقليدية المعروفة. هذه الكتلة البالغة نحو 105 مليارات دولار أميركية حالياً، وتمثل إجمالي الودائع هي متجمدة فعلياً، ويتعذّر صهرها طبيعياً إلا من خلال ثلاث قنوات رئيسية، هي: الاستمرار بالسحوبات، والتخزين في المنازل أو التحويل إلى الخارج... إضافة إلى استخدام الأرصدة لتغطية مديونية قائمة. بينما يؤول استعمال المدخرات لشراء عقارات مثلاً إلى تغيير هوية المودع فقط، ومن دون تحقق هدف احتواء جزء من الكتلة المنتقلة من شخص إلى آخر».
في الوضعية السارية حالياً، يوضح حمود، فإنه ومع الانسداد التام لقناتي السحب النقدي للدولارات أو تحويلها إلى الخارج وعقم المبادلة بالعقارات، عمد البنك المركزي إلى فتح مسرب جانبي عبر إتاحة صرف الودائع الدولارية بالليرة ضمن قيود للكميات وسقف للسعر عند 3900 ليرة لكل دولار. وهذا يعني عملياً، أن سحب كامل الأرصدة سيتوزع على 20 سنة بالحد الأدنى، باعتبار أن المتوسط المشروط للسحوبات يبلغ نحو 5 مليارات دولار سنوياً. وللعلم، جرى سابقاً استخدام جزء من الودائع المجمدة لتسديد نحو 18 مليار دولار من الديون العاملة، وباتت الأمور أكثر صعوبة حالياً إلا في حال شراء قرض عقاري لعميل.
بذا؛ كما يؤكد الرئيس السابق للرقابة المصرفية، فإن النظام المصرفي «دخل في حالة جمود بسبب حيازته كتلة نقدية كبيرة تتعدى المائة مليار دولار غير قابلة للتسييل أو الاستخدام ولا حتى التذويب. بل إن القطاع يكاد يتصف بأنه غير قابل للحياة، ولا سبيل لإعادة إنعاشه من دون المرور الحكمي بحزمة متطلبات رئيسة، يتصدرها ضخ رساميل جديدة بدولار جديد (فريش)، وودائع وتسليفات على المنوال عينه. ويليها إعادة تنظيم السيولة وضبطها، وأيضاً إدارات جديدة وملكيات جديدة، وربما اعتماد أسماء جديدة للبنوك. أن التزام هذه الموجبات من قبل المصارف العاملة سيفضي إلى خلق كيانات مصرفية جديدة يمكن أن تنشأ كوحدات مستقلة بالكامل داخل البنوك أو إنشاء بنوك جديدة تكون مؤهلة لاستقطاب مساهمات خارجية».
«هذا مسار استراتيجي يتعذر من دون سلوكه جذب ودائع جديدة»، كما يجزم سمير حمود. أما بخصوص الودائع الحالية «فنحن لا ننشد أي تدخل من قبل الدولة، ولا نتوقع أن تقدر على تعويم أي مصرف على غرار التجارب الدولية. ومن المنطقي أنه على المصرف العاجز عن إعادة تكوين حصانته الخروج طوعاً من السوق تحت مظلة البنك المركزي الملتزم بكامل الحقوق المتوجبة، ولا سيما الزبائن والموظفين».
ويتابع حمود شرحه، فيقول، إن «إبراء الدولة من مهام الكفالة والحماية للقطاع المصرفي الوطني لا يمكن أن يعفيها من موجب أداء ديونها واحترام التزاماتها تجاه الدائنين، وفي مقدمهم البنك المركزي. فهذه المؤسسة شخصية معنوية من القطاع العام، أي أن ملكية البنك تعود للدولة، بدليل أنه في حال تحقيق أرباح لديه فهو ملزم بحصة 80 في المائة تعود إلى الخزينة، أي لصالح الدولة. والبديهي أن (غُنم) الربح للمستفيد وجوباً يقتضي مشاركته بالـ(غُرم) عند حصول خسائر أو عجز».
ثم يوضح «كذلك من الضروري الإشارة إلى الدولة اللبنانية مدينة حالياً (على الورق) بنحو 65 مليار دولار لصالح البنك المركزي والجهاز المصرفي. وما اقترحه أن تقوم الدولة بإصدار سندات دين جديدة متدنية الفوائد قد تصل إلى الصفر وطويلة الآجال لمدة تصل إلى 20 سنة، بهدف استبدال ديونها القائمة لصالح البنك المركزي بنحو 55 مليار دولار محرّرة بالليرة ولصالح المصارف بنحو 10 مليارات دولار لقاء سنداتها الدولية. بذا تتحقق تغطية الفجوة في ميزانية مصرف لبنان ويتاح له تيسير توظيفات المصارف لديه. وهذا، مع أن الجزء الأكبر من الاستبدال سيكون ضخاً من مال الدولة في المؤسسة المموّلة وهي من القطاع العام أيضاً».
واستطراداً، يشرح حمود آليات «خريطة الطريق» التي لقيت اهتماماً نيابياً ومصرفياً، فيقول «ضخ هذه الكتلة بمبلغ 65 مليار دولار، ولو بسندات آجلة لمدة 20 سنة، سيعزز مكانة احتياطات البنك المركزي البالغة حالياً نحو 15 مليار دولار. وتوازياً يجري إعادة هيكلة ميزانيات البنوك التي تبلغ موجباتها من الودائع 105 مليارات دولار، بينما هي تملك نحو 25 مليار دولار كتسليفات عاملة في القطاع الخاص، ولديها نحو 70 مليار دولار كتوظيفات في البنك المركزي، يضاف إليها 10 مليارات دولار كسندات جديدة تصدرها الدولة بديلاً من سندات (اليوروبوندز)، فتكون الحصيلة متطابقة محاسبياً وموضوعياً. وهذا فضلاً عن نحو 3.5 مليار دولار تمثل حسابات المصارف لدى بنوك خارجية مراسلة، وبذلك كله نكفل تصويب دوران الحقوق والموجبات بين (ثلاثي) الدولة والبنك المركزي والمصارف، ونضمن – وهذا الأهم معنوياً ونفسياً – الخروج من مخاوف ذوبان ودائع الناس وضياعها إلى واقع إعادة التسييل التدرجي للمدخرات والحقوق».
- لا تتوقعوا إنتاجاً من مصنع مغلق
ومن مدخل الاستدلال، يضيف حمود «لا يمكن توقع إنتاج مع عزل إدارة المصنع وإقفاله بالسلاسل. هكذا هو حال الدولة حالياً. ولذا؛ لا مفر من إعادة التشغيل بتجديد الإدارة واعتماد خيارات ميسرة بالفعل. ومع التغطية الممكنة للفجوات المالية والخسائر الموصوفة... يبقى فقط مسألة المديونية الخارجية للدولة البالغة نحو 20 مليار دولار في الأسواق الدولية، وهي ليست مستعصية كما يتصور البعض. ففي حال نضوج المعالجات الداخلية والشروع بتنفيذها، ستجد الدولة أمامها خيارين يتسمان بالمرونة وقابلين للتشاركية، هما: التفاوض المباشر مع الدائنين و- أو الاستثمار في نتائج المفاوضات المرتقبة مع صندوق النقد الدولي. ولدى الدولة ومصرفها المركزي احتياطات حقيقية من الدولار والذهب الذي تقارب قيمته 17 مليار دولار. ومع تقدم العلاقة مع الصندوق يمكن إعادة برمجة هذه المديونية وخفض كلفتها، مع الإشارة إلى أن هذه السندات موزعة أصلاً على شرائح تصل استحقاقاتها إلى عام 2037.
ويستخلص حمود، أن «الخطأ الكبير الذي يحاكي الخطيئة يتمثل باستسهال الدعوة إلى الاقتطاع من المدخرات، والتنصل من ديون الدولة المحلية والخارجية. فما من دولة تعلن الفشل والإفلاس بهذه الطريقة بينما هي تحوز أصولاً وموجودات ومعالجات علمية متاحة. يضاف إلى ذلك ميزة الهبوط الحاد للفوائد التي يمكن للدولة عرضها على الدائنين بحدود 1 في المائة فقط. وهذه فرصة نموذجية لإعادة هيكلة المالية العامة ووضع مسار واضع لاستعادة التوازن بين إيرادات ومصروفات الخزينة».
ويختم «نعم، لدينا الحلول، لكن تنقصنا الإرادة والإدارة. فلنفتح المصنع من جديد وليبدأ التشغيل والإنتاج وفتح قنوات الإيرادات. بذا فقط نحول القيود الورقية العائدة لمقيمين ومغتربين إلى دولارات حقيقية يرضى أصحابها بالتأكيد الاستحصال عليها بعملتها وقيمتها، ولو ضمن جدولة زمنية، شرط أن تكون معززة بالضمانة وبواقع تغيير حقيقي في إدارة البلد وشؤونه. الدولة لا تأكل حقوق مواطنيها وثرواته، إنما هي الراعي الصالح وهي الضامن لحقوق الناس الذين يقومون بخدمة وطنهم وبواجباتهم».
- سمعان: الثقة مفتاح الخروج من النفق
من جهته، يعتقد المدير العام المصرفي نجيب سمعان، أن التدابير التقنية التي تضطر السلطة النقدية إلى استخدامها تحت وطأة تفاقم الأزمتين النقدية والمالية، «لا يمكن أن تشكل بديلاً عن المعالجات السياسية الملحة التي تحتاج إليها البلاد»... توطئة لإعادة تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. ويضيف «من الواضح أن استنزاف الاحتياطات الحرة لدى مصرف لبنان فرض إيقاعه على الميدان الداخلي بسبب تعذر تواصل دعم المواد الأساسية وفق النمط السائد؛ ما ينذر بموجات تضخمية خطرة، بينما تكاد التبادلات النقدية في الأسواق الموازية تستسلم تماماً لمنظومة المضاربات».
سمعان يرى «أن وجوب إعادة هيكلة القطاع المالي بكل مكوناته ومؤسساته لا يستقيم في ظل فوضى الأسواق وتعاظم المخاوف من تسريع وتيرة التدهور. وبالتالي، فإن الحكومة الموعودة هي العنوان الوحيد لعودة البلد إلى مسار الإنتاجية، وتحديد مستويات القعر المالي... تمهيداً لمحاكاة علاجاته بدءاً من اتفاق، لا بديل عنه، مع صندوق النقد الدولي، والاستجابة للمتطلبات الإصلاحية المعروفة التي وردت معظم بنودها في مذكرات الحكومة إلى (مؤتمر سيدر) وفي مندرجات الورقة الفرنسية ضمن (خريطة طريق) الخروج من النفق».
وإذ يتفق سمعان مع اقتراحات حمود لجهة مبادرة الدولة إلى تحديد إطار تغطية الفجوات والخسائر عبر آليات تتصل بإعادة هيكلة مديونيتها والتزاماتها، فهو يؤكد أن «استعادة الثقة مهمة تكافلية يجب أن تعكسها وتقودها حكومة منسجمة، على أن تبادر في أولى خطواتها إلى استئناف المفاوضات المعلقة مع صندوق النقد الدولي مسبوقة بتوحيد الرؤية والاقتراحات وتحديد تشاركي لمستوى القعر وخسائره».
- سرّوع: الدعم ليس من مسؤولية البنك المركزي
أما الخبير المصرفي جو سرّوع، فيرى مسبقاً أن «وضع لبنان الحالي يشكل مزيجاً مسخاً من اقتصاد حرّ بعملانية اشتراكية وثقافة ميركنتيلية MERCANTILE، وفي ظل دولة فاشلة غير منتجة ومن دون هيبة. ولذا؛ فإن الاستسهال في استعمال الاحتياطي الإلزامي في موضوع الدعم أو سواه، أمر يستدعي التنبيه لمخالفته الأصول والأنظمة ولتداعياته على حقوق المودعين». ويتابع «في الأصل الدعم هو مسؤولية الدولة وليس المصرف المركزي، الذي تنحصر مسؤوليته بتوفير العملات الأجنبية عند اللزوم، بأسعارها المتداولة أو أن يقرضها إلى الدولة، في حال كان لديها القدرة على الايفاء. وفي مطلق الأحوال، يجب أن يُدرج الدعم بكل تفاصيله في موازنة الدولة وفي مشروع خزينتها، وتحديد سبل تموينه».
ويوضح سرّوع، قائلاً «لدى المصرف المركزي نوعان أساسيان من الاحتياطي. وهذان النوعان مكوّنان من عملة واحدة من حيث اشتراكهما في الشق الأول من الاسم، إنما يختلفان استراتيجياً في الهدف، أي أنهما ليسا وجهين لعملة واحدة. الاحتياطي الصافي موجه إلى حزمة أهداف تشكل مظلة واقية للاقتصاد الوطني. واستخداماته تتركز في إدارة العملة الوطنية وصيانتها في إطار السياسة النقدية، بشقيها النقدي ومستوى الفوائد الدائنة والمدينة. والإدارة الجيدة والمُجدية للسياسة النقدية تساهم في إدارة مستويات التضخّم وتداعياتها سلباً أو إيجاباً على مستويات النمو في الناتج المحلي. في حين أن الاحتياطي الإلزامي ناتج من عملية دينامية، تُبنى على إيداع كل مصرف من البنوك العاملة في لبنان في حساب خاص باسم البنك المعني، يُعرف بحساب الاحتياطي الإلزامي ما نسبته 15 في المائة من قيمة ودائعه بالعملة الأجنبية المدونة في موازنة المصرف السنوية المدققة من قبل مدققي حساباته الخارجيين. ومعلوم أن الهدف من هذا التدبير، هو ضمان جزئي للودائع، إضافة إلى ضمان الودائع المقر قانوناً في حال تعثر المصرف المعني».
«بالمحصلة، - كما بقول سرّوع - فإن الاحتياطي الصافي هو المورد الاستراتيجي الحاضر للمصرف المركزي لإدارة السياسة النقدية. ودائع المصارف في المصرف المركزي بكل منتوجاتها المالية، شأن بين المصارف والمصرف المركزي. كما أن ودائع الناس شأن بين المودعين ومصارفهم. أما استباحة الاحتياطي الإلزامي الذي يموّل عملياً بجزء من ودائعهم، فأي استباحة له من أي سلطة كانت - مؤتمنة كالمصرف المركزي أو أي سلطة أخرى - يُعدّ انتقاصا من حقوق المودعين، وشأنه في هذا شأن أي انتقاص آخر حاصل الآن في حقوق المودعين ويُعتبر بمنزلة الاقتطاع المباشر من ودائعهم. والمطلوب أولا وأخيراً، الآن، الإصلاح الشامل الحقيقي، في ظل حوكمة جيدة وعادلة. أما بخلاف هذا المسار، فإن الأكلاف ستتضاعف على الصُّعد المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية وحتى... الأمنية».
- دولار جديد بسعر 10 آلاف ليرة عبر منصة مصرف لبنان الثلاثية
> من المفترض أن يجري بعيد منتصف أبريل (نيسان) الحالي تدشين المنصة الإلكترونية الجديدة تحت إدارة مصرف لبنان المركزي، وبمشاركة الجهاز المصرفي وشركات الصرافة المرخصة. وهي عبارة عن تطبيق ثلاثي الضلع يصار من خلاله إلى مواكبة الطلب التجاري على الدولار الأميركي خارج منظومتي السعرين الرسمي عند مستوى 1515 ليرة لكل دولار والموازي عند مستوى قريب من عتبة 13 ألف ليرة للدولار.
وإذ أكد وزير المال الدكتور غازي وزني صحة التوقعات بتحديد سعر التداول الأولي عبر المنصة بحدود 10 آلاف ليرة للدولار الواحد، يتريث حاكم البنك المركزي رياض سلامة في الإفصاح عن الخطوات التنفيذية لجهة تحديد فئات المستفيدين وشروط الاستحصال على العملة الصعبة ومصدر تدفقها لتلبية الطلب وفق الآلية الجديدة. أما المعلومات المصرفية فتشير إلى أن التداولات ستكون شبه حصرية في المرحلة الأولى وهادفة لتغطية الحاجات النقدية بالعملات الصعبة المتصلة بالمستوردات من الخارج.
هذا، وتنتظر ادارات المصارف، وفق متابعات أجرتها «الشرق الأوسط»، صدور التعليمات التطبيقية للانضمام إلى المنصة، بما يشمل وصف الاحتياجات البشرية واللوجيستية المطلوبة، وتحديد المراكز والفروع المؤهلة لإدارة العمليات والبدء بتدريب الكوادر التقنية. والجدير بالذكر، أن البنك المركزي منح جميع المصارف العاملة رخصة تتيح لها القيام بعمليات التداولات النقدية، مغطياً بذلك الجانب القانوني ضمن التحضيرات للقيام بعمليات الصرافة بالعملات الأجنبية مقابل الأوراق النقدية بالليرة اللبنانية.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.