دول الإيقاد تنشر مراقبين لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب السودان خلال يومين

رياك مشار لـ الشرق الأوسط: المعتقلون لهم الخيار في الانضمام إلى المقاومة ولكن مشاركتهم في المفاوضات ضرورية

رياك مشار وزوجته انجلينا في جونغلي الخاضعة للمعارضة بجنوب السودان (رويترز)
رياك مشار وزوجته انجلينا في جونغلي الخاضعة للمعارضة بجنوب السودان (رويترز)
TT

دول الإيقاد تنشر مراقبين لتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية في جنوب السودان خلال يومين

رياك مشار وزوجته انجلينا في جونغلي الخاضعة للمعارضة بجنوب السودان (رويترز)
رياك مشار وزوجته انجلينا في جونغلي الخاضعة للمعارضة بجنوب السودان (رويترز)

دعا رؤساء الهيئة الحكومة للتنمية في شرق أفريقيا (الإيقاد) خلال اجتماع طارئ على هامش قمة الاتحاد الأفريقي التي انتهت أمس إلى نشر مراقبين لتنفيذ وقف الأعمال العدائية فورا للفصل بين القوات المتحاربة في جنوب السودان، في وقت شن النائب السابق للرئيس الدكتور رياك مشار هجوما عنيفا على رئيس الدولة سلفا كير ميارديت ووصفه بـ«الديكتاتور»، مطالبا بإطلاق سراح بقية المعتقلين وعددهم (4) بينهم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان اموم، وشدد على أن المعتقلين والذين تم الإفراج عنهم لهم مطلق الحرية في الانضمام إلى المقاومة التي يقودها، داعيا إلى ضرورة مشاركتهم في المفاوضات السياسية التي ستبدأ في السابع من الشهر الجاري.
وناشد مبعوث الإيقاد الخاص وزير خارجية إثيوبيا سيوم ميسفين قادة دول الإيقاد الضغط على طرفي النزاع للتنفيذ السريع لاتفاق وقف الأعمال العدائية بين الحكومة والمتمردين والتأكد من نشر المراقبين التابعين للإيقاد لمراقبة تنفيذ وقف الأعمال العدائية خلال (48) ساعة وتسهيل دخولهم، ودعا الطرفين للتأكد من الانسحاب التدريجي من خط الجبهة.
بينما حذر دونالد بوث المبعوث الأميركي لدولتي السودان وجنوب السودان من وصفهم بالذين يحاولون نسف عملية السلام بأن «عليهم أن يعلموا أننا نراقبهم جميعا، وأن الذين يحاولون أن يلعبوا دور المخربين سيتحملون العواقب».
ومن جانبه قال تيم موريس المبعوث البريطاني الخاص في جنوب السودان «مهلة اليومين التي ذكرها كبير الوسطاء.. حقيقية تماما بالنسبة لنا»، وتدعم الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج أكبر ثلاثة مانحين لجنوب السودان جهود الإيقاد، وقال إن ممثلين عن الدول الثلاث قد ينضمون إلى فريق خبراء التحقيق الذي سيضم 30 شخصا، ورجح مشاركة الصين، مشيرا إلى أن المراقبين سيركزون على أربع مدن تشهد أعمال عنف وهي «جوبا، ملكال، بانتيو، بور».
في غضون ذلك قال يان الياسون نائب الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحات من مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا إن بعثة المنظمة الدولية في جنوب السودان مستعدة للمساعدة في جهود المراقبة إذا طلب منها، وأضاف «عرضنا مساعدتنا في هذا الصدد إذا كانت مطلوبة».
إلى ذلك قال نائب رئيس جنوب السودان السابق الدكتور رياك مشار الذي يقود عمليات عسكرية ضد الحكومة لـ«الشرق الأوسط» إن إعلان جوبا بأنها يمكن أن تعفو عنه مثير للضحك، وأفاد بأن الحكومة ترسل إشارات خاطئة إلى العملية السلمية، وقال «من يعفو عن من؟ وماذا عن المعتقلين الآخرين؟»، وأضاف أن حكومة سلفا كير عليها أن تطلق سراح بقية المعتقلين وأبرزهم الأمين العام لحزب الحركة الشعبية باقان اموم وزملاؤه الثلاثة الآخرون، مشددا على أن الاتهامات ضد المعتقلين باطلة وغير صحيحة، وقال «لقد أطلق سلفا كير سبعة من المعتقلين قبل يومين وهذا يؤكد بجلاء أنه لم يكن هناك انقلاب عسكري وسلفا يعلم ذلك قبل أي جهة وعليه أن يطلق سراح بقية المعتقلين لأن وثيقة الاتهام واحدة»، وأضاف «وسلفا اعتقل قيادات الحركة الأحد عشر دون سبب وهم لا علاقة لهم بالمقاومة التي نقودها حيث جرى اعتقالهم قبل انطلاق المقاومة بأكثر من أسبوع»، وتابع «هناك فرق بين أن تطلق اتهاما بأنهم خططوا للانقلاب وهذا الاتهام أصبح باطلا ونحن لسنا سذجا وليس من بينهم عسكري واحد في قيادة الجيش».
وقال مشار إن المعتقلين لم يشاركوا في المقاومة المسلحة التي يقودها ولا تقع عليهم مسؤولية العمل المقاوم، وأضاف «هذا لا يعني أن كل قيادات الحركة الشعبية هم جزء من المقاومة إلا أن يقولوا هم ذلك وعندما نطالب بإطلاق سراحهم لا يعني أنهم أعضاء في المقاومة التي نقودها»، وتابع «للمعتقلين سواء المفرج عنهم أو الذين ما زالوا رهن الاعتقال خياراتهم الخاصة بهم»، رافضا الاتهامات الموجهة ضده وضد زملائه الآخرين الذين يقودون المقاومة بتقويض الدستور وقيادة تمرد، واصفا كير بأنه غير جاد في عملية السلام الجارية في أديس أبابا والتي ستبدأ مناقشة القضايا السياسية الأسبوع المقبل، وقال «استمرار اعتقال قيادات الحركة الشعبية يوضح أن سلفا كير لا يريد السلام ويسعى لاستمرار الحرب»،، واصفا قرار الحكومة «بالمؤامرة القذرة»، مضيفا أن نجاح محادثات السلام في أديس أبابا رهين بإطلاق سراح الأمين العام للحزب الحاكم باقان أموم ورفاقه وزير الدولة للدفاع الدكتور مجاك اقوت، ووزير الشؤون الأمنية السابق واياي دينق اجاك ورئيس جهاز الأمن السابق بيار.
من جهته قال عضو وفد التفاوض عن مجموعة رياك مشار الدكتور ضيو مطوك لـ«الشرق الأوسط» إن قيادات الحركة الشعبية الذين تم الإفراج عنهم قد يشاركون في المفاوضات المقبلة التي يتوقع أن تبدأ في السابع من فبراير (شباط) الجاري في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأضاف أن المفاوضات المقبلة ستتركز على مناقشة القضايا السياسية بما فيها تقاسم السلطة ومواضيع الحزب الحاكم والإصلاحات الداخلية ومشكلات الحكم وإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية، الجيش، الشرطة، الأمن والقضاء والمؤسسات العدلية الأخرى، وأسباب النزاع الذي اندلع وإجراء التحقيقات حولها، وإجراء مصالحة وطنية شاملة بعد إجراء التحقيقات حول الجرائم التي جرى ارتكابها خلال النزاع.
من جانب آخر يخشى النازحون في جنوب السودان من العودة إلى منازلهم خوفا من تجدد أعمال العنف مرة أخرى رغم توقيع الطرفين على اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي دائما ما يوصف بالهش، وأخذ النازحون مقرات بعثة الأمم المتحدة ومباني الكنائس ملاذا آمنا لهم مع شح في مياه الشرب وإيصال الغذاء. وقال عدد من النازحين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينتي ملكال وبانتيو إن اتفاق وقف العدائيات لم يحدث على أرض الواقع وإن القتال ما زال مستمرا بين الجيش الحكومي وعناصر من الموالين للدكتور رياك مشار في عدد من البلدات والقرى الصغيرة، وأضافوا أن عودتهم إلى بيوتهم قد تتطلب شهورا حتى وقف سماع إطلاق النار.



قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
TT

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)
رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

يعقد قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، الأحد، قمة «عادية» تشارك فيها 12 دولة من أصل 15، هم أعضاء المنظمة الإقليمية، فيما يغيب قادة كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي قررت الانسحاب من المنظمة، بسبب موقف الأخيرة من الأنظمة العسكرية التي تحكم هذه الدول، والمحسوبة على روسيا.

ورغم أن هذه القمة «عادية»، فإنها توصف من طرف المراقبين بأنها «استثنائية»؛ بسبب حساسية الملفات التي سيناقشها قادة دول غرب أفريقيا، التي في مقدمتها الملفات الأمنية بسبب تصاعد وتيرة الإرهاب في المنطقة، وملف العلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، والسعي لإقناعها بالتفاوض والتراجع عن قرار الانسحاب.

قرار نهائي

وفيما يسعى قادة المنظمة الإقليمية التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع دول الساحل الثلاث بالبقاء في المنظمة، إلا أن الأخيرة أعلنت، الجمعة، أن قرارها «لا رجعة فيه»، وجدّدت اتهامها للمنظمة الإقليمية بأنها «أداة» تتحكم فيها فرنسا. وتمسّكت الدول الثلاث بالمضي قدماً في تشكيل منظمتها الخاصة، حيث أعلنت قبل أشهر إقامة «تحالف دول الساحل»، وبدأت التحضير لتحويله إلى «كونفيدرالية» تلغي الحدود بين الدول الثلاث، وتوحد عملتها وجواز سفرها، بالإضافة إلى قدراتها العسكرية والأمنية لمحاربة الإرهاب الذي يعصف بالمنطقة.

قرار انسحاب دول الساحل من منظمة «إيكواس»، يدخل حيز التنفيذ يوم 29 يناير (كانون الثاني) المقبل (2025)، فيما يسعى قادة المنظمة إلى إقناع هذه الدول بالتراجع عنه أو تأجيله على الأقل، بسبب تداعياته الاقتصادية والأمنية على المنطقة.

إلغاء التأشيرة

جانب من الاجتماع بين قادة «إيكواس» في أبوجا ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وقبل انعقاد قمة دول «الإيكواس» بعدة ساعات، أصدرت دول الساحل بياناً قالت فيه إنها قرّرت إلغاء التأشيرة عن مواطني جميع دول غرب أفريقيا، في خطوة لتأكيد موقفها المتمسك بقرار مغادرة المنظمة الإقليمية.

وقالت الدول الثلاث المنخرطة في كونفدرالية دول الساحل، إنها أصبحت «منطقة خالية من التأشيرات لجميع مواطني المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)». البيان الذي قرأه وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، عبر التلفزيون الحكومي المالي، مساء السبت، أكّد أن «لرعايا دول (إيكواس) الحق في الدخول والتنقل والإقامة والاستقرار والخروج من أراضي البلدان الأعضاء في كونفيدراليّة دول الساحل وفقاً للقوانين الوطنية السارية».

ولا يغير القرار أي شيء، حيث إن قوانين منظمة «إيكواس» كانت تنص على الشيء نفسه، وتتيح حرية التنقل والتملك لمواطني الدول الأعضاء في فضاء المجموعة الاقتصادية الممتد من السنغال إلى نيجيريا، وكان يضم 15 دولة قبل انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

توتر ثم قطيعة

وبدأت القطيعة بين تحالف دول الساحل ومنظمة «إيكواس» عقب الانقلاب في النيجر في يوليو (تموز) 2023، وهو الانقلاب السادس في المنطقة خلال ثلاث سنوات (انقلابان في مالي، انقلابان في بوركينا فاسو، وانقلاب في غينيا)، بالإضافة إلى عدة محاولات انقلابية في دول أخرى.

وحاولت المنظمة الإقليمية الوقوف في وجه موجة الانقلابات، وفرضت عقوبات على مالي وبوركينا فاسو، وهدّدت بالتدخل العسكري في النيجر بعد أن فرضت عليها عقوبات اقتصادية قاسية، قبل أن تُرفع تلك العقوبات لاحقاً.

وتضامنت مالي وبوركينا فاسو مع النيجر، وأعلنت أن أي تدخل عسكري في النيجر يُعدّ انتهاكاً لسيادتها وسيجعلها تتدخل لدعم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، لتبدأ مرحلة جديدة من التوتر انتهت بقرار الانسحاب يوم 28 يناير 2024.

قمة لم الشمل

قوات «إيكواس» خلال تأدية مهامها العسكرية في مالي (أرشيفية - رويترز)

من المنتظر أن يُخصّص قادة دول غرب أفريقيا حيزاً كبيراً من نقاشهم للعلاقة مع الأنظمة العسكرية الحاكمة في دول الساحل، حيث لا تزالُ المنظمة الإقليمية متمسكة بالطرق الدبلوماسية لإقناع الدول الثلاث بالتراجع عن قرار الانسحاب.

ذلك ما أكده رئيس نيجيريا، بولا تينيبو، وهو الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، حيث أكد الأربعاء أن «الدبلوماسية والحكمة هي السبيل الوحيد لإعادة دمج هذه الدول في المنظمة الإقليمية».

وأشار الرئيس النيجيري إلى أن المجالس العسكرية التي تحكم الدول الثلاث «لا تزالُ مترددة في وضع برامج واضحة لمرحلة انتقالية محددة من أجل تسليم السلطة إلى المدنيين والعودة إلى الوضع الدستوري»، ورغم ذلك، قال تينيبو: «ستستمر علاقة الاحترام المتبادل، بينما نعيد تقييم الوضع في الدول الثلاث». وأضاف في السياق ذاته أن منظمة «إيكواس» ستترك الباب مفتوحاً أمام عودة الديمقراطية إلى البلدان المعنية، مشدداً على أن احترام المؤسسات الدستورية وتعزيز الديمقراطية «هو ما تدافع عنه المنظمة».

مفترق طرق

أما رئيس مفوضية «إيكواس»، أليو عمر توري، وهو الشخصية الأهم في المنظمة الإقليمية، فقد أكّد أن «منطقة غرب أفريقيا تقف عند مفترق طرق غير مسبوق في تاريخها كمجتمع».

وقال توري في تصريحات صحافية، الخميس، إنه «في الوقت الذي تستعد الدول الأعضاء في (الإيكواس) للاحتفال باليوبيل الذهبي لجهود التكامل الإقليمي العام المقبل، تواجه أيضاً احتمالية انسحاب بعض الدول الأعضاء»، وأضاف أنه «من الضروري التأمل في الإنجازات الكبيرة التي حققتها (إيكواس) على مدى العقود الماضية، وكذلك التفكير في مستقبل المجتمع في ظل التحديات السياسية التي تواجه شعوبنا».

وفيما يرفعُ قادة المنظمة الإقليمية خطاباً تصالحياً تجاه دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تواصل الأخيرة في خطاب حاد يتهم «إيكواس» بالتبعية إلى القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا).