تهيمن على المشهد الليبي راهناً مخاوف عدة من «نفاد الوقت»، وإمكانية عرقلة المسار السياسي، ومن ثم عدم الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي المزمع إجراؤه في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وسط احتدام الجدل بين من يتمسك بإمكانية إجراء هذا الاستحقاق وفقاً لـ«الإعلان الدستوري» ومن يرى ضرورة الاستفتاء الشعبي على مشروع الدستور الذي أقرته هيئته التأسيسية قبل قرابة 4 أعوام من الآن. ويتزعم حراك «من أجل 24 ديسمبر» الدعوة إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في موعدها المحدد، وعدم الالتفات إلى أي معوقات تحول دون ذلك، معلناً رفضه التام لما سماه «محاولات تعطيل الخطة التمهيدية الشاملة باختلاق الذرائع، وفي مقدمتها محاولة إقحام الاستفتاء على الدستور في الاستحقاق الانتخابي». ويؤكد الحراك الذي انطلق في شرق ليبيا أنه «لا يرتبط بأي تيارات أو آيديولوجيات أو أشخاص»، وأن هدفه «الدفاع عن قيم الوحدة الوطنية ومدينة الدولة والمسار الديمقراطي».
وأمام تصاعد دعوات الاحتكام لـ«الإعلان الدستوري» الصادر عام 2011، قال عمر النعاس، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، إن الحديث عن إمكانية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في ليبيا استناداً إلى الإعلان الدستوري هو «قول لا سند له في التجارب المقارنة»، و«لا يوجد أي ضمانات دستورية في هذا الإعلان، إضافة إلى كونه قابلاً للتعديل من السلطة التشريعية حسب الأهواء، كما تم تعديله 11 مرة في 8 سنوات، ولهذا لا يصلح لأن يكون قاعدة دستورية تؤسس لنظام حقيقي».
ورأى النعاس، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، أن «القاعدة الدستورية يجب أن تكون صلبة نابعة من إرادة الشعب، تتضمن ضمانات لانتخاب السلطات العامة وتقييدها»، لافتاً إلى أن مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية في 29 يوليو (تموز) عام 2017 «به جميع الضمانات، كشروط الترشح والانتخاب، والمدد، وآلية المساءلة والمحاسبة والمحاكمة والعزل، كما تضمن نصوصاً صريحة تؤسس لقيام دولة القانون والمؤسسات والتداول السلمي على السلطة».
وذهب النعاس إلى أن «مشروع الدستور يعد ملكية خالصة للشعب الليبي، والاستفتاء حق أصيل له، وليس منحة من أي أحد، وبالتالي يجب على الجميع الخضوع لإرادة الشعب، وتمكينه من ممارسة حقه الدستوري بالقبول أو الرفض من خلال الاستفتاء». وسبق لأعضاء اللجنة الدستورية الليبية، خلال اجتماعهم بمنتجع الغردقة المصري في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، الاتفاق «بإجماع الآراء» على إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور المقدم من الهيئة التأسيسية «بناء على القانون عن مجلس النواب عام 2019، مع تعديل مادة تعتمد نظام الدوائر الثلاث (50 في المائة+1) فقط».
وتعهد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، غير مرة، بأنه سيعمل على إجراء الانتخابات في موعدها. ورأى عماد السائح، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا، أن إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق خريطة الطريق الأممية سيتطلب تعديلاً في الإعلان الدستوري، في حال لم يتم الاتفاق على إجراء استفتاء على مشروع الدستور، متابعاً أن «الأمر يتطلب وقتاً أطول لتجهيز البلاد لهذا الاستحقاق».
وأوضح السائح، في تصريح صحافي سابق، أنه «إذا لم تتم الموافقة على الدستور في الاستفتاء بـ(نعم)، فإن هذه الانتخابات ستكون وفق قاعدة دستورية تتفق عليها مختلف الأطراف السياسية، وهذا يتضمن تعديلاً في الإعلان الدستوري لإضفاء الشرعية على الانتخابات». لكن هناك من اتهم المفوضية العليا للانتخابات بالتلكؤ.
وقال عضو مجلس النواب زياد دغيم إن المفوضية «تمارس دوراً سياسياً؛ لقد أضاعت شهرين على الليبيين، باعتبار أن البرلمان ومجلس الدولة اتفقا على إجراء الاستفتاء على الدستور أولاً باجتماعات الغردقة». وذهب دغيم، في تصريح إعلامي، إلى أنه يمكن الاستفتاء على الدستور نهاية الصيف المقبل «فإن مر مشروع الدستور تجري الانتخابات في موعدها، وإن رفضه الشعب تدخل البلاد في مرحلة انتقالية رابعة، أو توسيع هيئة الدستور بخبراء يضعون دستوراً توافقياً في شهرين، يستفتى عليه مع منتصف سبتمبر (أيلول)، مما يسمح بإجراء الانتخابات في موعدها».
ويرى الكاتب سليمان البيوضي، وهو أحد الداعمين لحراك «من أجل 24 ديسمبر»، أن «(الحل الوحيد) لتطويق الأزمة وحلها يكمن بتوضيح الالتباسات، وتعزيز تدابير بناء الثقة»، وقال إن «البديل السلمي الممكن هو أن يعقد مجلس النواب جلسة تقر قاعدة دستورية للانتخابات، لتبدأ المفوضية العليا عملها بشكل مهني».
جدل ليبي بين المنادين بالاستفتاء والمطالبين بالاحتكام للإعلان الدستوري
جدل ليبي بين المنادين بالاستفتاء والمطالبين بالاحتكام للإعلان الدستوري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة