«الكربون ليس العدو»... دعوة لتغيير المفاهيم السلبية عنه

باحثو «كاوست» يتبنون توجهات الاقتصاد القائم على تدوير العنصر الحيوي

«الكربون ليس العدو»... دعوة لتغيير المفاهيم السلبية عنه
TT

«الكربون ليس العدو»... دعوة لتغيير المفاهيم السلبية عنه

«الكربون ليس العدو»... دعوة لتغيير المفاهيم السلبية عنه

«الاقتصاد الدائري للكربون»، مصطلح تم تداوله بشكل كبير في الآونة الأخيرة حيث تم تبنيه ودفعه من قبل المملكة العربية السعودية خلال قمة مجموعة العشرين التي ترأستها المملكة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 في الرياض. هذا المفهوم الناشئ يطرح أمامنا تحدياً بشأن الطريقة التي ننتهجها في تأطير الكربون وتحديد دوره في عالمنا المعاصر.

في هذا الإطار يعكف باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بالتعاون مع الكاتب العالمي المعروف والمهندس المعماري الأميركي ويليام ماكدونو على تحديد نطاق الاستفادة من هذا المفهوم. وقد طرح ماكدونو مفهوم الاقتصاد القائم على تدوير الكربون في افتتاح ورش العمل الخاصة بمجموعة دول العشرين، التي تناولت قضايا المناخ والطاقة، وعُقدت في شهر مارس (آذار) 2020 في الرياض بالسعودية.
إعادة الاستخدام
يرتبط مفهوم الاقتصاد القائم على تدوير الكربون بإطار «الاقتصاد الدائري»، الذي يشير إلى استخدام المواد ثم إعادة استخدامها مع تقليل الهدر والتلوث إلى أدنى مستوياتهما، وهو الأمر الذي أوضحه ماكدونو والكيميائي الألماني مايكل برونجارت في كتابهما الرائد الذي نُشر عام 2002 تحت عنوان «من المهد إلى المهد: إعادة صياغة الطريقة التي نصنع بها الأشياء». وقدَّم هذا العمل الرائد إطاراً مستداماً مبنيّاً على العلم، يهدف إلى القضاء على الهدر، والتشجيع على استخدام مواد آمنة في بيئة نظيفة. ووفقاً لهذا الإطار، يمكن تصميم كل شيء كي يصبح قابلاً للاستخدام ثم إعادة استخدامه، مع إعادة المواد البيولوجية إلى البيئة باعتبارها «مُغذِّيات بيولوجية» للتجديد، أو إعادة المواد الصناعية بوصفها «مُغذِّيات تقنية» لمنتجات جديدة. تُشكِّل المفاهيم التي دعا إليها ماكدونو وبرونجارت أساساً للتحول من نموذج الاقتصاد الخطي الذي يعتمد على الأخذ والتصنيع والهدر، إلى نموذج دائري يقوم على الأخذ والتصنيع ثم إعادة الأخذ وإعادة التصنيع والاستعادة والتجديد.
«قوة» الكربون
في عام 2016، نشر ماكدونو مقالة في دورية Nature بعنوان «الكربون ليس العدو»، استخدم فيها أسلوباً أقرب إلى الممارسة الخطابية في تناوله لمسألة إعادة النظر في طريقة حديثنا عن الكربون. يقول ماكدونو: «كان لتلك المقالة تأثير بالغ على كثيرٍ من الناس». وحسبما يُوضح الكاتب: «أحدثت تلك المقالة تغييراً في اللغة المستخدمة في الإشارة إلى الكربون باعتباره شيئاً سلبيّاً؛ إذ يتضمن ذلك - على سبيل المثال - إيمان عامة الناس بالسمعة السيئة للكربون نتيجة للتركيز على الانبعاثات في الغلاف الجوي، في مقابل نسيانهم أنه يُعد من المواد الأساسية المُكوِّنة للحياة. وفي ذلك خيانة لقوة الكربون الهائلة وفوائده الكبيرة في هذا العالم. علينا أن نتذكر أن الكربون يدخل في تكويننا، فلماذا لا نُغيِّر لغتنا لنتحدث عن الكيفية التي نتعامل بها مع الكربون؟».
يوضح ماكدونو أن بوسعنا التفكير في ثلاثة أنواع من الكربون:
> النوع الأول - «الكربون الحي» الذي يدور وينتشر في دورات طبيعية، كما هو الحال في الأشجار والتربة والأعشاب البحرية والطحالب.
> أما النوع الثاني فيُطلق عليه «الكربون الدائم»، وهو ثابت ومستقر، على سبيل المثال، في جبال الحجر الجيري أو الخرسانة، وكذلك في المنتجات المستخدمة عبر الأجيال، مثل البلاستيك المعاد تدويره، أو العوارض الخشبية في الأبنية التاريخية.
> والنوع الثالث هو «الكربون الهارب»، ذلك الذي ينبعث من خلال الاحتراق أو انبعاثات غاز الميثان. هناك أيضاً أشكال هاربة من الكربون الدائم، مثل البلاستيك عندما يتسرب إلى المحيطات.
يقول ماكدونو: «إن الحاجة الأكثر إلحاحاً هي التقليل إلى أدنى حدٍّ ممكن من الكربون الهارب بجميع أشكاله، وتجنُّبه والتخلُّص منه؛ حتى لا ينتهي به الأمر في مكان غير مرغوب فيه، ويصبح مُدمِّراً لسلامة النُّظم الإيكولوجية العالمية والمحلية».
التفكير غير الخطي
يرتكز الاقتصاد القائم على تدوير الكربون على الأفكار التي يُعبِّر عنها الاقتصاد الدائري. وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية تطوراً ملحوظاً في العديد من مفاهيم الاقتصاد الدائري، التي تُركز في المقام الأول على تتبُّع تدفُّق المواد. ولكن بعض المفاهيم الأحدث لذلك النوع من الاقتصاد ينصبُّ تركيزها فحسب على تدفُّق الطاقة وليس على إدارة المواد. يقول ماكدونو: «قبل آخر عمل بحثي انخرطتُ فيه مع زملائي لوضع هذا المفهوم، لم يكن الكربون قد حظي بعد بموقع مميَّز بوصفه مادة واسعة الانتشار ذات طابع خاص في الاستخدام، فهو مادة وفي الوقت ذاته مصدر للطاقة. كان النظر إلى الكربون من هذا المنظور مُلهماً».
في الوقت الحالي، يعمل ماكدونو عن كثبٍ مع كارلوس دوارتي في «كاوست» للاستفادة من هذا الإلهام في إعادة صياغة الحوار الدائر بشأن الكربون، ودمج كلٍّ من مواد الكربون وتدفُّق الطاقة في الاقتصاد الدائري، المتمثل في القضاء على النفايات والاستخدام المستمر للموارد. على سبيل المثال، يقترح ماكدونو تغيير ما نشير إليه عادة بـ«الموارد» في الطبيعة إلى «المصادر». يقول ماكدونو: «في المملكة العربية السعودية، تُعد الهيدروكربونات التي تأتي من تحت الأرض بمنزلة مصدر. فإذا وضعناها في اقتصادٍ دائري واستخدمناها مراراً وتكراراً، فإنها تصبح بذلك مورداً».
ومع ذلك، يلفت ماكدونو انتباهنا إلى ضرورة التأكد من أن المصادر التي نستخدمها آمنة وصحية قبل وضعها في تلك الدورات الاقتصادية، وهو ما يقودنا إلى جانبٍ من جوانب الحوار الخاص بالاقتصاد القائم على تدوير الكربون الذي يحتاج إلى معالجة، وبالتحديد فهمنا للفظتي «قِيَم» و«قيمة».
يُوضح ماكدونو: «يمكن تعريف القيم بأنها الأشياء التي نؤمن بها: ما هو الصواب والخطأ؟ فالقيم تمثل بحثنا عن الحقيقة في الآداب والعلوم الإنسانية والأخلاقيات والسلوكيات. أما القيمة فتتمثَّل في البحث عن الحقيقة في الأرقام والعلوم. على سبيل المثال، المهندسون معنيون في عملهم بالقيمة. فهم يبدؤون بتحديد الكميات ويستخدمون المعايير المرجعية، على سبيل المثال، لخفض الإنتاج من سلعة ما بنسبة 20 في المائة. لكن إذا كان ما تفعله سيئاً، وتقول إنك أقل سوءاً، فهل هذا أمرٌ حسن؟ بالطبع لا. وفق التعريف، فأنت سيء، كل ما هنالك أنك أقل سوءاً فحسب. غالباً ما نخلط بين القيم والقيمة. لذا فإن السؤال الأول الذي يتعين علينا طرحه هو: ما المقصود بالجيد؟ ثُمَّ يمكننا بعد ذلك الانتقال إلى القيمة».
أما السؤال الحالي، إن كنا نريد لاقتصادنا أن يستمد طاقته من الكربون الذي ينتج عنه انبعاثات. فهو ما يعبر عنه ماكدونو بقوله: «لعل الوقت قد حان لتحديث النظام بأكمله. ولهذا السبب، نحتاج إلى جلوس العلماء والاقتصاديين والمُصممين معاً. فالكربون بمنزلة نقطة التقاء رائعة للمشاركة الثرية في الحوار، لأنه يتعرض للسؤال القائل: ما الذي ننوي فعله؟ وليس فقط: هل نحن بصدد إعادة استخدام شيءٍ ما؟ ذلك الأمر يخص الكمية فحسب: فلنفعله مجدداً. أما الجودة فجوهرها: ما الشيء الصائب الذي يتعين علينا فعله الآن؟».


مقالات ذات صلة

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

الاقتصاد اجتماع وزير البترول  والثروة المعدنية المصري كريم بدوي بمسؤولي شركة «إكسون موبيل» (وزارة البترول والثروة المعدنية)

«إكسون موبيل» تستعد لحفر بئر جديدة للتنقيب عن الغاز في مصر

ستبدأ شركة «إكسون موبيل» المتخصصة في أعمال التنقيب عن البترول وصناعة البتروكيماويات يوم 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل بأنشطة الحفر البحري للتنقيب عن الغاز.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد حقل تابع لشركة «قطر للطاقة» (الشركة)

«قطر للطاقة» و«شل» توقعان اتفاقية لتوريد الغاز الطبيعي المسال إلى الصين

أبرمت شركة «قطر للطاقة» اتفاقية بيع وشراء جديدة طويلة الأجل مع شركة «شل» لتوريد ثلاثة ملايين طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.


لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني
TT

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

لأول مرة: الذكاء الاصطناعي يصمم توربين رياح لتوليد الطاقة بين المباني

صمم نظام ذكاء اصطناعي جديد توربين رياح لأول مرة في التاريخ، وفقاً لمطوره.

نظام ذكاء هندسي ثوري

وأعلنت شركة «EvoPhase» البريطانية أن الذكاء الاصطناعي الخاص بها تخلى عن جميع القواعد الراسخة في هندسة مثل هذه الأجهزة. وبناءً على اختباراتها، فإن اختراعها أكثر كفاءة بسبع مرات من التصميمات الحالية.

تتكون «شفرة برمنغهام» The Birmingham Blade -كما تسمي الشركة التوربين- من ست أذرع موازية للأرض متصلة بمحور عمودي مركزي. وتحتوي كل ذراع على شفرة رأسية، وسطح به موجتان تغيران زاوية هجومهما عبر ارتفاعها وطولها.

لعمل مع سرعات رياح منخفضة

يتم تحسين توربينات الرياح التقليدية لسرعات رياح تبلغ نحو 33 قدماً في الثانية. في المقابل، تم تصميم «الشفرة» لسرعات الرياح المتوسطة المنخفضة النموذجية للمناطق الحضرية مثل برمنغهام، والتي تبلغ نحو 12 قدماً في الثانية. هذا يزيد قليلاً عن ثمانية أميال (13كلم تقريباً) في الساعة.

وتم تحسين التصميم للعمل بين المباني الشاهقة التي تنتج أنماط اضطراب تؤثر على فاعلية تصميمات التوربينات الحضرية الأخرى. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فقد يفتح التصميم الباب أمام إنتاج كهرباء غير محدود في المباني المكتبية والسكنية بتكلفة تكاد تكون معدومة.

يقول ليونارد نيكوسان، كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، في بيان صحافي: «كان استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للتحرر من التحيزات طويلة الأمد التي أثرت على تصميمات التوربينات خلال القرن الماضي. سمح لنا الذكاء الاصطناعي باستكشاف إمكانيات التصميم خارج نطاق التجارب البشرية التقليدية».

وفقاً لنيكوسان، تمكن المصممون من «توليد واختبار وتحسين أكثر من 2000 تصميم لتوربينات الرياح في غضون أسابيع قليلة، ما أدى إلى تسريع عملية التطوير لدينا بشكل كبير وتحقيق ما كان يستغرق سنوات وملايين الجنيهات من خلال الطرق التقليدية».

سحر «التصميم التطوري»

«التصميم التطوري الموجه بالذكاء الاصطناعي» هو منهجية تقوم على نفس فكرة الانتقاء الطبيعي. تبدأ العملية بتوليد آلاف المتغيرات التصميمية التي يتم تقييمها وفقاً لوظيفة «البقاء للأفضل»، والتي تحدد مدى نجاح كل متغير في تلبية أهداف المشروع. ويختار الذكاء الاصطناعي أفضل البدائل لاستخدامها أساساً لتكرارات جديدة، وإعادة الجمع بين الميزات وتنويعها لتطوير إصدارات محسنة.

تتكرر هذه الخطوات حتى يصل الذكاء الاصطناعي إلى حل يحقق تحسين جميع العلامات المهمة مثل الكفاءة الديناميكية الهوائية، والاستقرار الهيكلي، والوزن، أو الاكتناز.

تقول الشركة إن عمليتها تتجنب التحيزات البشرية الموجودة في الهندسة التقليدية. بطبيعتها، تكون الهندسة التقليدية محدودة بالأفكار والمعرفة السابقة.

من ناحية أخرى، يستكشف الذكاء الاصطناعي مجموعة واسعة من الاحتمالات دون القيود في العقل البشري. عندما تجمع بين جيل الذكاء الاصطناعي والتكرار التطوري، يمكن أن يؤدي هذا إلى نتائج مبتكرة تتحدى غالباً الفطرة السليمة ولكنها لا تزال تعمل.

إن نهج التصميم التطوري هذا ليس جديداً تماماً، إذ استخدمت صناعة الطيران والفضاء برامج بهذه القدرات لسنوات. ومثلاً استخدمت شركة «إيرباص»، بالتعاون مع شركة «أوتوديسك»، عملية مماثلة لتصميم حاجز مقصورة خفيف الوزن للغاية لطائراتها من طراز A320وظهرت النتيجة مستوحاة من هياكل العظام الطبيعية، ما أدى إلى انخفاض الوزن بنسبة 45 في المائة مقارنة بالهياكل المماثلة المصممة بالطرق التقليدية.

كما طبقت شركة «جنرال إلكتريك» الخوارزميات التطورية في إعادة تصميم حامل محرك نفاث جديد، مما أدى إلى انخفاض وزن القطعة بنسبة 80 في المائة. وتستخدم وكالة «ناسا» أيضاً هذه التقنية منذ سنوات، ففي عام 2006 استخدمت الوكالة خوارزمية تطورية لتصميم «هوائي متطور».

نجاح توربين «برمنغهام بليد»

لقد طبق فريق المصممين بقيادة الدكتور كيت ويندوز - يول من جامعة برمنغهام هذه العملية التطورية لحل مشكلة تكافح العديد من تصميمات التوربينات لمعالجتها: كيفية العمل بكفاءة في البيئات الحضرية، حيث تكون الرياح أبطأ وأكثر اضطراباً بسبب المباني.

ويقول نيكوسان: «كنا بحاجة إلى توربين يمكنه التقاط سرعات الرياح المنخفضة نسبياً في برمنغهام مع إدارة الاضطرابات الناجمة عن المباني المحيطة. وكان لا بد أن يكون التصميم أيضاً مضغوطاً وخفيف الوزن ليناسب التركيبات على الأسطح».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»