مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

الاستثمار في الطبيعة يدعم الأمن المائي

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه
TT

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

مليارات البشر يعانون من ندرة المياه

لا يوجد مورد طبيعي على كوكب الأرض أثمن من الماء، فهو ضروري لاستمرارية الحياة وتحقيق التنمية بجميع أشكالها. ورغم هذه الأهمية التي يدركها الجميع، لا تزال استثمارات الدول في الحلول المجدية لمواجهة تحديات الأمن المائي محدودة، وغالباً ما تكون غير مستدامة لا تقدم إسهاماً ذا شأن في معالجة المشكلات المائية في المدى البعيد.
- أزمة مياه متصاعدة
يؤدي ازدياد عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة إلى نمو الطلب على المياه لتأمين الاحتياجات الأساسية لقطاعات الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي. ومن المتوقع أن يتسبب وصول عدد سكان العالم إلى نحو 10 مليارات نسمة سنة 2050 في دفع الطلب العالمي على المياه من 4600 مليار متر مكعب سنوياً في الوقت الحاضر إلى نحو 6000 مليار متر مكعب.
ويحذر تقرير تنمية الموارد المائية الذي صدر عن الأمم المتحدة في 2020 من أن تناقص كميات المياه المتاحة بحلول سنة 2050 سيجعل 3.9 مليار إنسان معرضين للعيش تحت وطأة إجهاد مائي شديد. وستكون المشكلة أكثر وضوحاً في البلدان النامية، خصوصاً في أفريقيا وفي آسيا، حيث تعد قلة المياه النظيفة مشكلة مصيرية الآن.
ويمثل استخدام المياه في الزراعة حالياً 70 في المائة من الطلب العالمي على المياه. ومن المتوقع أن تزداد حاجة العالم للغذاء بنحو 60 في المائة في سنة 2050، مما يستلزم مزيداً من الأراضي الصالحة للزراعة وتكثيفاً للإنتاج، ويُترجم ذلك زيادة في استخدام المياه.
وتستأثر الصناعة بحصة 20 في المائة من الطلب الإجمالي العالمي على المياه، إذ يستهلك إنتاج الطاقة 75 في المائة من هذه النسبة، فيما تذهب الكمية المتبقية إلى التصنيع. وسيزداد الطلب على المياه في الصناعة بحلول 2050 في كل مكان حول العالم، ومن المتوقع أن تبلغ الزيادة في أفريقيا 8 أضعاف وفي آسيا 4 أضعاف.
ويذهب 10 في المائة من الطلب العالمي الإجمالي للمياه حالياً لتلبية احتياجات المنازل. وستتضاعف الكميات المخصصة للاستهلاك المنزلي سنة 2050 بنحو 300 في المائة في أفريقيا وآسيا، و200 في المائة في أميركا الوسطى والجنوبية. ويُعزى هذا النمو إلى زيادة خدمات إمدادات المياه للتجمعات السكانية المدينية القائمة والناشئة.
وتواجه البلدان العربية أزمة حادة في توفير متطلباتها من المياه العذبة. وحسب تقرير «البيئة العربية في عشر سنوات» الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 2017، تراجعت حصة المواطن العربي السنوية من المياه العذبة المتاحة بنسبة 20 في المائة، من 990 متراً مكعباً في 2005 إلى 800 متر مكعب في 2015، ويتوقع أن تكون وصلت في 2020 إلى ما دون 700 متر مكعب. وإذا كانت هذه الأرقام تمثل المعدل العام، فحصة الفرد من المياه في نصف البلدان العربية لا تتجاوز 400 متر مكعب، مما يعني أنها حالياً دون خط الفقر المائي بكثير.
وتعتمد دول المنطقة، لا سيما في شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي، على المصادر الجوفية المتجددة وغير المتجددة لتلبية الطلب المتزايد على مياه الشرب والري الزراعي. ويصل الأمر إلى درجة الاستنزاف، حيث تعتمد بعض البلدان على المياه الجوفية غير المتجددة بنسبة تتجاوز 85 في المائة لري محاصيلها الزراعية.
وتتفاقم ندرة المياه العذبة في العالم العربي بفعل الاعتماد على الموارد العابرة للحدود، وتلوث الأوساط المائية، وصعوبة الحصول على المياه نتيجة ظروف الاحتلال والنزاع وتغير المناخ، وهدر الموارد المائية، وضعف الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة، وارتفاع معدلات النمو السكاني.
- حلول من الطبيعة
يؤدي التدهور الواسع لأحواض تصريف المياه السطحية التي تتجمع فيها الهطولات في جميع أنحاء العالم إلى إضعاف جودة المياه في اتجاه المجرى، وتقلص التدفقات، وجعلها أقل موثوقية. ومنذ مطلع الألفية، تسببت إزالة الغابات والممارسات الزراعية السيئة واستخدامات الأراضي غير المستدامة في إلحاق ضرر متوسط إلى مرتفع في 40 في المائة من أحواض تصريف المياه الحضرية في العالم.
ولمواجهة تحديات الأمن المائي، تعتمد معظم المجتمعات والمؤسسات على «البنى التحتية الرمادية»، كالخزانات والقنوات المائية ومحطات المعالجة. ولكن غالباً ما تكون حماية المياه عند مصدرها أكثر تأثيراً وجدوى. فمن خلال استعادة وحماية البنية التحتية الطبيعية، كالغابات والأراضي الرطبة والنُظم البيئية للأنهار، يمكن تحقيق نتائج يتعذر الوصول إليها من خلال البنية التحتية الرمادية وحدها.
منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، استثمرت نيويورك 1.7 مليار دولار في حماية أكثر من 4000 كيلومتر مربع من الأحراج في جبال كاتسكيل، حيث توجد بحيرات نقية تعد مصدراً لمياه المدينة. وسمحت هذه الاستثمارات بتوفير تكاليف تنقية المياه، بما في ذلك تجنب إنفاق 10 مليارات دولار لبناء محطة معالجة جديدة وأكثر من 100 مليون دولار سنوياً لتشغيلها. واليوم، تفخر مدينة نيويورك بأكبر مصدر للمياه غير المفلترة في أميركا الشمالية.
بالإضافة إلى الاستثمار في حماية الأراضي الرطبة والغابات كنُظم ترشيح طبيعية، تعمل العديد من الشركات حول العالم على تطوير حلول جديدة قائمة على الطبيعة، مثل استخدام الكائنات الحية للكشف عن الملوثات وإزالتها من مياه الشرب وإعادة تدوير المكونات الصناعية لبناء الشعاب المرجانية الصناعية.
ويبدو أن الشركات التي تستهلك كميات كبيرة من المياه من دون إعادة تدويرها بحاجة للبحث عن حلول مجدية لضمان أمنها المائي. ويُظهر تحليل أجرته شركة «تروكوست» البريطانية في 2017 أنه إذا كان يتعين على الشركات دفع التكاليف الكاملة لندرة المياه والتلوث، نتيجة انخفاض الإمداد أو ارتفاع تكاليف التكييف أو متطلبات تصريف النفايات السائلة الأكثر صرامة، فقد ينخفض متوسط الأرباح بنسبة 18 في المائة في قطاع الكيماويات، و44 في المائة في قطاعات المرافق والطاقة، و116 في المائة في قطاع الأغذية والمشروبات.
وفي قطاع الزراعة، يساعد التحول من أنظمة الري بالغمر إلى أنظمة الري بالرذاذ أو التنقيط في توفير كميات ضخمة من المياه. وعندما يتم دمج هذا التحول مع الصيانة الدائمة لشبكات الري وتطبيق ممارسات الإدارة المثلى للتربة، كتجنب حراثة الأرض والتغطية لإقلال التبخر، يمكن تحقيق وفر كبير في استخدام المياه. وتطور دول عديدة في الشرق الأوسط وفي الهند تقنيات متقدمة في معالجة المياه وإدارتها، بما في ذلك دعم الأبحاث الخاصة بالزراعات الدقيقة والمحاصيل المقاومة للجفاف التي تستهلك كميات قليلة من مياه الري.
كانت أبوظبي اعتمدت سنة 2019 سلسلة من الحزم التحفيزية تزيد قيمتها عن 270 مليون دولار لدعم مشروعات التكنولوجيا الزراعية، بما فيها تقنيات جديدة قادرة على تحقيق الاستفادة التجارية من المحاصيل باستخدام كميات قليلة جداً من المياه في بيئات قاسية. وتستثمر الإمارات حالياً في عدد من المشاريع الرائدة لتطوير نُظم الزراعة المغلقة والعمودية التي تعتمد على تقنيات الزراعة المائية والزراعة من دون تربة.
وفي المغرب، يجري العمل حالياً على توسيع مشروع «حصاد الضباب» من أجل توفير المياه لسكان 16 قرية في مناطق جبلية شبه قاحلة. وتقوم فكرة المشروع، الذي بدأ قبل ست سنوات، على نصب شباك من مادة «البرولي بروبلين» لالتقاط ما يحمله الضباب من رذاذ ورطوبة.
وفي عالم متغير المناخ، سيكون من الضروري ضخ المزيد من الاستثمارات لتوفير إمدادات المياه بأقل التكاليف الممكنة، ويشمل ذلك تحسين إدارة المياه ومعالجة المياه العادمة مع إعادة استخدامها. ويشير تقرير «الصحة والبيئة في البلدان العربية» الذي صدر مؤخراً إلى أن معالجة المنصرفات واستخدامها أمر لا غنى عنه، خصوصاً في دول مجلس التعاون الخليجي، التي تواجه تحدي تخفيف العبء المالي والبيئي الناتج عن تحلية مياه البحر.
ويمكن التكيف مع زيادة موجات الجفاف والفيضانات الناتجة عن تغير المناخ عبر رفع سعة خزانات المياه السطحية والجوفية لالتقاط وتخزين مياه الفيضانات واستخدامها في أوقات الجفاف. ويمثل هذا الحل أحد الخيارات التي اتبعتها سنغافورة فيما يُعرف بـ«الصنابير الوطنية الأربعة»، وهو نظام يقوم على التقاط مياه الأمطار وتجميعها، واستيراد المياه من ماليزيا، وتوفير تنقية عالية الجودة لمياه الصرف، وتحلية مياه البحر.
وتطبق بعض الدول العربية مجموعة من الحلول المستدامة لمواجهة أزمة المياه تشمل، على سبيل المثال، تقييد استهلاك المياه مثلما فعلت السعودية والإمارات بحظر زراعة الأعلاف التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة لخفض النفقات وتوفير الطاقة لتحلية المياه المالحة، وإعادة ضخ المياه العذبة لتغذية الأحواض المائية الجوفية، كما فعلت أبوظبي.
إن حل أزمة المياه يبدو شاقاً للغاية، خصوصاً في الدول التي تعاني حالياً من ندرة في الموارد المائية المتاحة. ومع ذلك، هناك الكثير من الحلول المستدامة، باستثمارات قليلة نسبياً، تراعي متطلبات حماية الطبيعة وتساعد في ضمان وصول المجتمعات إلى مصادر مائية صحية تكفي لعقود قادمة.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.