موسكو أمام عاصفة من الأزمات في محيطها الحيوي

مشكلات الجمهوريات السوفياتية السابقة على خط التوتر المتفاقم بين روسيا والغرب

موسكو أمام عاصفة من الأزمات في محيطها الحيوي
TT

موسكو أمام عاصفة من الأزمات في محيطها الحيوي

موسكو أمام عاصفة من الأزمات في محيطها الحيوي

أعادت تطورات الوضع في أرمينيا، مع انزلاق الجمهورية السوفياتية السابقة، نحو انقسام غير مسبوق، واتساع موجة الاحتجاجات، والمطالبة باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان، الوضع في الفضاء السوفياتي السابق إلى الواجهة، على خلفية مواجهة موسكو عاصفة من الاضطرابات في محيطها.
وبدا أن أعمدة اللهب التي تتصاعد في عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة، مع تزايد معدلات الاستياء من أداء الحكومات، وتدهور مستوى الاقتصاد، وانعدام الآفاق... تنذر بمزيد من الفوضى في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة إلى روسيا، والتي ظلت على مدى عقود بعد انهيار الدولة العظمى تحتل المرتبة الأولى على رأس اهتمامات السياسة الخارجية الروسية. ثم إنها أحد العناصر الأساسية لزيادة التوتر بين موسكو والغرب، على خلفية اتهام موسكو لحلف شمال الأطلسي «ناتو» بتنشيط مساعيه للتوسع شرقاً، واستخدام آليات «الثورة الملوّنة» لتشديد ما بات يعرف بـ«حزام أزمات» حول روسيا.
ينطلق خبراء روس من أن الأحداث الجارية في وقت متزامن في أكثر من بلد محيط تهدف إلى إشغال روسيا بهموم مباشرة على حدودها، ودفعها إلى الانخراط أكثر في معالجة أوضاعها... ما يقلّص من قدرتها على تنشيط سياساتها الخارجية في مناطق أخرى. وهكذا فإن جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، التي تشهد تقلبات ومطالب بالتغيير تغدو ساحة الصراع الأساسية بالنسبة إلى موسكو التي تتطلع منذ سنوات لتوسيع حضورها على المسرح الدولي.
الجبهة الرئيسية المشتعلة حالياً هي أرمينيا. إذ قادت محاولة «الانقلاب العسكري» بحسب وصف رئيس الوزراء نيكول باشينيان قبل أسابيع في الجمهورية القوقازية الصغيرة إلى بروز وضع خطر في البلاد على خلفية الانقسام الحاد داخل كل من المؤسسة العسكرية والشارع الأرميني حول مطلب إطاحة باشينيان والدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد ترتيب الصفوف الداخلية بعد الهزيمة المرة التي تجرعتها أرمينيا في مواجهات الحرب الأخيرة مع أذربيجان. وكما هو معروف أسفرت هذه المواجهات عن اضطرار أرمينيا إلى التخلي عن جزء كبير من أراضي إقليم ناغورنو قره باغ المتنازع عليه مع «جارتها» أذربيجان، بما في ذلك مدينة شوشة الاستراتيجية التي تحظى بأهمية رمزية كبرى في الذاكرة الوطنية الأرمينية.
وصحيح أن التحركات في أرمينيا مرتبطة بتلك الهزيمة، لكن بدا أن لها سماتها الخاصة؛ الجيش يبدأ، الشعب يدعمه. ووفقاً لهذا «السيناريو»، تتطور الأحداث في بلد يعتبر حليفاً لروسيا. غير أن العامل الروسي هو الذي لعب دور الفتيل المشتعل في برميل من البارود في جمهورية ومنطقة مضطربتين تحملان إرثاً قديماً من الصراع الثقافي السياسي والعسكري.
- غلطة باشينيان القاتلة
قبل أسبوعين أطلق نيكول باشينيان تصريحاً أثار عاصفة من الجدل عندما أشار إلى أن صواريخ «إسكندر» التي زوّدت روسيا بها الجيش الأرمني في وقت سابق، لم تعمل بشكل جيد خلال الحرب، بل إن مستوى فعاليتها لم يتجاوز 10 في المائة.
على الفور ردّت هيئة الأركان العامة لجيش أرمينيا بعنف على رئيس الوزراء، وألقت باللوم عليه في كل المشكلات. وعندما سخر أحد كبار الجنرالات من تصريحات باشينيان، أصدر الأخير أمراً بإقالته. وكانت تلك الإقالة الشرارة التي أشعلت فتيل الاضطرابات الأخيرة. إذ ردت رئاسة الأركان ببيان وقّعه 40 من كبار الجنرالات اتهموا فيه باشينيان بإهانة الجيش وطالبوا باستقالته فوراً. وسرعان ما انضمت المعارضة الأرمينية، التي ركبت موجة خيبة الأمل بسبب الهزيمة العسكرية الأخيرة، إلى مطالب المؤسسة العسكرية عبر تنظيم احتجاجات حاشدة وإعلان عزمها الذهاب إلى النهاية... وفي النتيجة، بات باشينيان يواجه، مثل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، هتافات «ارحل».
وفي هذا السياق، وإذا كانت سلطات بيلاروسيا نجحت بمساعدة روسيا في الحفاظ على الوضع المحلي، على الأقل حتى اعتماد الدستور البيلاروسي الجديد، فإنه من غير المرجح في أرمينيا أن يهدأ الوضع بسرعة. وصحيح أن رئيس الوزراء لديه مؤيدون... لكن هؤلاء أقل عدداً بكثير من المعارضين. ومن ناحية أخرى، مع أن أرمينيا لم تنقسم تحت وقع الاحتجاجات المطالبة باستقالة باشينيان، تماماً مثلما حدث في بيلاروسيا... فإن ثمة انقساماً في أرمينيا حصل بطريقة أخرى. إذ وقفت الشرطة إلى جانب المتظاهرين، وأعلنت وزارة الدفاع الانحياز إلى رئيس الوزراء خلافاً لموقف رئاسة أركان الجيش التي تدير عملياً القطعات العسكرية. وفي الوقت نفسه، فإن الوضع لا يزال مرشحاً للتأرجح. ولقد كتب إدمون ماروكيان، رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «أرمينيا الساطعة»، على صفحته على موقع «فيسبوك» قائلاً: «لقد دخلت البلاد في حالة من الاضطراب وانعدام اليقين، وهو أمر محفوف بالعواقب الوخيمة».
- بيلاروسيا تستعد لموجة احتجاجات جديدة واسعة
في هذه الأثناء، في دولة مجاورة أخرى لروسيا غرباً هي بيلاروسيا... تستمر المحاكمات ضد المعارضين. وعلى الرغم من احتجاجات الغرب، فإن القيادة البيلاروسية في العاصمة مينسك تتخلص تدريجياً من أولئك الذين يمكنهم قيادة أو تنظيم الاحتجاجات ضد السلطات.
هؤلاء جارٍ إرسالهم إلى السجن لتغيير رأيهم. ولقد أعلن الاتحاد الأوروبي أخيراً أنه يتابع عن كثب ما يحدث في بيلاروسيا، بما في ذلك اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان وممثلي النقابات العمالية والمحامين وكذلك محاكمات الصحافيين. وقال بيتر ستانو، المتحدث باسم خدمة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي: «يجب أن يتوقف هذا الأمر، فهو غير مقبول في أوروبا القرن الحادي والعشرين. الاتحاد الأوروبي يعتقد أنه بدلاً من كل هذه الإجراءات وعمليات التخويف التي تأتي بنتائج عكسية، يجب أن تركز السلطات على إطلاق حوار على مستوى البلاد لحل الأزمة الحالية في البلاد. إلا أن السلطات البيلاروسية، مع ذلك، لا ترغب في الدخول في هذا الحوار. إذ تعتقد مينسك أن مثل هذا الحوار قد حصل بالفعل، ومن خلال «مجلس الشعب لعموم بيلاروسيا». وللعلم، يمنح دعم مندوبي هذا التجمع الشعبي الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الفرصة للبقاء في منصبه حتى الانتخابات الرئاسية القادمة. وهو سيتمسك بإحكام بذلك.
حتى الآن تبدو السلطات البيلاروسية مقتنعة بأنها ما زالت قادرة، عبر الدعم الروسي الكامل، على مواجهة موجات الاحتجاج، غير أن المعارضة لوّحت مع بداية الربيع بـ«انطلاقة جديدة لثورة شعبية» لإطاحة «آخر الديكتاتوريات في أوروبا»... كما وصفت حكم لوكاشينكو.
- أوكرانيا... توقعات مقلقة
في ثاني كبرى الجمهوريات السوفياتية، السابقة بعد روسيا، ثمة مَن تخوف من الانزلاق نحو مواجهة عسكرية جديدة.
هنا أيضاً في أوكرانيا احتجاجات تكاد تكون متواصلة، وهي تعلو وتخفت في مناسبات مختلفة. وأهم الاحتجاجات الحالية تحركت بسبب الحكم على الناشط سيرغي ستيرنينكو لمدة 7 سنوات و3 أشهر بتهمة تصفية أحد المشاركين المناهضين لتحركات الميدان. فقد اجتاحت المسيرات جميع أنحاء البلاد، وطالب المتشددون بالإفراج عن ستيرنينكو وإجراء إصلاح قضائي. وأعطت المعارضة الرئيس فلاديمير زيلينسكي أسبوعاً للتفكير... أما بعد ذلك فهي تعد بإطلاق «ميدان جديد».
المتطرفون ليسوا كل المجتمع الأوكراني، لكن إذا كان المرء يتابع استطلاعات الرأي الاجتماعية، فإن تصنيف زيلينسكي ينخفض بشكل حاد، ولذلك يزيد حضور الراديكاليون. ولا يخفي خبراء روس قناعة بأن «الشيء الوحيد الذي يمكن أن يصرف الناس عن متاعبهم، ويسقط موجة الاحتجاج، هو تفعيل الجيش الأوكراني في جنوب البلاد. وبناءً على ذلك، لا بد من توقع مرحلة جديدة من الحرب في حوض الدونباس». ومن جانب ثانٍ، تصاعد الصراع في شرق أوكرانيا وجنوبها من جديد خلال الشهر الأخير، وزادت أعداد الانتهاكات لنظام وقف النار ما أوقع مزيداً من القتلى والجرحى من كلا الجانبين. ومن وجهة النظر الأوكرانية، فإن التصعيد مرتبط بعدد من الظروف، منها رغبة روسيا في صرف الأنظار داخلياً وأوروبياً عن ملف المعارض الروسي أليكسي نافالني. وهناك من يقول إن انخفاض شعبية الرئيس الأوكراني بسبب الإخفاق في الوفاء بوعود التسوية السلمية لمشكلة حوض الدونباس، مع تدني أداء الاقتصاد، وتزايد الديون، وتداعيات تفشي فيروس (كوفيد 19) مع فشل برنامج التطعيم، كلها «عناصر تدفع كييف إلى الهروب إلى أمام».
- استعداد لتصعيد متبادل
هنا تبرز مفارقة لافتة، إذ تبدو كل من موسكو وكييف مستعدة لتصعيد الموقف الميداني، وينطلق كل طرف من مصالح خاصة. موسكو سرّعت خلال الأسابيع الأخيرة منح الجنسية لمواطني إقليمي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين، وهي تتحدث بنشاط متزايد عن استعدادها لحماية «مواطنيها» في شرق أوكرانيا، بينما تتزايد الفعاليات الشعبية في الإقليمين التي تطالب بالانضمام إلى روسيا. وثمة من يقول إن موسكو أيضاً «تتأهب للهروب إلى الأمام، في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة عليها، وعودة الإدارة الأميركية الجديدة للتلويح بضرورة معاقبة موسكو على ضم شبه جزيرة القرم، عبر تزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة، ومضاعفة العقوبات على الروس».
وبالفعل، ظهرت أولى بوادر التصعيد مع توجّه الرئيس زيلينسكي إلى استخدام أداة «مجلس الأمن القومي والدفاع» لتبني عقوبات ضد نواب معروفين لهم علاقات مع السلطات الروسية، بتهم تمويل الإرهاب... ومن هؤلاء فيكتور ميدفيدتشوك (القريب من الرئيس فلاديمير بوتين) وزوجته أوكسانا مارشينكو. وأيضاً هناك قرارات بإغلاق قنوات تلفزيونية مملوكة لمؤيدي ميدفيدتشوك – تاراس كوزاك، وهي «112 أوكرانيا» و«زيك تي في» و«نيوس ون». وجرى تنفيذ قرار «مجلس الأمن القومي والدفاع» بمرسوم رئاسي... ويعتبر هذ القرار ساري المفعول فور نشره.
أيضاً، ربط ليونيد كرافتشوك، ممثل أوكرانيا في «مجموعة الاتصال الثلاثية» تفاقم العنف في الدونباس بالعقوبات الشخصية ضد ميدفيدتشوك وكوزاك، قائلاً: «أعتقد أن هذا يرجع إلى حقيقة أن أوكرانيا بدأت في اتخاذ إجراءات، وأن زيلينسكي فرض عقوبات على القنوات الموالية لروسيا ودعايتها. إنهم شعروا أن أوكرانيا انتقلت من الأقوال إلى الأفعال. بالإضافة إلى ذلك، كيف قيمت أوروبا تصرفات روسيا، والوضع مع (نورد ستريم 2). وخطابات بايدن وفريقه. لقد أدركت روسيا أن الوضع لم يكن في صالحها وبدأت في إظهار أن لديها أيضاً القوة، ويمكنها فعل شيء ما».
في المقابل، كتب يفغيني مورايف، النائب السابق في البرلمان الأوكراني من المعارضة، ومالك القناة التلفزيونية «ناش» على صفحته في موقع «فيسبوك» قائلاً: «أفهم أن لدى الرئيس كثيراً من المستشارين وكتّاب السيناريو الذين يهمسون في أذنه أن الحرب ستشطب كل شيء... لكن الأمر ليس كذلك. هذا خطأ فادح... قبل أن تبدأ اللعب بالعضلات، تحتاج إلى الحصول على العقول. خلال السنوات الأخيرة في المنطقة غير الخاضعة للسيطرة، تلقى الأوكرانيون ما يقرب من 400 ألف جواز سفر روسي، ما يعني أن الحرب ستكون مختلفة وواسعة النطاق. لن تكون هناك حاجة للأقنعة بعد الآن».
ومن جهته، قال المتحدث باسم الوفد الأوكراني في «مجموعة الاتصال الثلاثية» أليكسي أريستوفيتش إن خطة السلام الجديدة للدونباس، التي اقترحتها فرنسا وألمانيا، ستناقش من قبل المستشارين السياسيين لرؤساء دول «رباعية النورماندي» بحلول نهاية مارس (آذار) الحالي. ويعتقد ممثل الإقليمين الانفصاليين في «مجموعة الاتصال الثلاثية» سيرغي غارماش، أن روسيا غير راضية عن مبادرات ألمانيا وفرنسا، ولذا فإنها تجهز لتحرك عسكري في الدونباس، ما قد يصبح سبباً لإدخال «قوات حفظ السلام الروسية» فيها. ووفقاً لغارماش، فإن الغرض هو خلق «واقع جديد في الدونباس» يجعل المقترحات الألمانية الفرنسية «غير قابلة للتطبيق، وبالتالي، يسمح لموسكو بالحفاظ على الصراع وفقاً للنموذج الأبخازي». وهنا، تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 90 في المائة من سكان إقليم أبخازيا الذي أعلن انفصالاً من جانب واحد عن جمهورية جورجيا يحملون حالياً جنسيات روسية. ثم إن موسكو اعترفت في وقت سابق باستقلال الإقليم، مع استقلال أوسيتيا الجنوبية التي تشهد وضعاً مماثلاً تماماً.
- حالتان محرجتان في مولدوفا وجورجيا
> انطلاقاً من أوكرانيا، والكلام عن سعي موسكو لاعتماد «النموذج الأبخازي»، هنا إطلالة على الوضع في كل من جمهوريتي مولدوفا المتاخمة لأوكرانيا، وجورجيا نفسها.
في مولدوفا، تتزايد السجالات حول المنطقة الأمنية على نهر الدنيستر، الخاضعة لسيطرة جنود حفظ السلام الروس. وهناك 3 أطراف مشاركة في «مهمة حفظ السلام» هناك هي مولدوفا وسلطة «ترانسنيستريا» وروسيا... ولا يمكن للأطراف الثلاثة الاتفاق.
هذا المرض يأخذ أشكالاً مزمنة، إذ تعتبر قوات حفظ السلام الروسية القوة الرئيسة في الوحدة الثلاثية. ويُظهر الجانب المولدوفي، من خلال الخطوات التي اتخذها أخيراً، عزمه على تعطيل المهمة. ومن ثم، إخراج قوات حفظ السلام الروسية من منطقة بريدنوستروفيه المولدوفية الانفصالية التي تحظى بدعم روسي، وهي دعوة كررتها القيادة المولدوفية أكثر من مرة خلال الشهر الأخير. أما السبب المباشر الجديد للتصعيد، فوقع عندما قررت مولدوفا تنظيم فعاليات غير مسبوقة لإحياء ذكرى اندلاع الحرب التي قادت إلى انفصال الإقليم في العام 1992. وكان وفد مولدوفا إلى لجنة المراقبة المشتركة على نهر الدنيستر، قد أخطر مركز التنسيق المشترك كتابياً بالعمل على تنظيم فعالية في قرية كورزوفو سيجري من خلالها إحياء الذكرى السنوية الـ29 لبدء «إجراءات الكفاح من أجل سلامة جمهورية مولدوفا واستقلالها».
وللعلم، في مثل هذا اليوم من عام 1992 بدأت الحرب على نهر الدنيستر بالفعل من هذه القرية. وفي إقليم بريدنيستروفيه الانفصالي، يعد تاريخ ومكان إحياء المناسبة صفعة على الوجه. في غضون ذلك، شدد ممثلو مولدوفا في لجنة التنسيق المشتركة على الجانب البريدنيستروفي أنه «لا ينبغي أن يسمح بأعمال استفزازية يمكن أن تعطل النظام العام، ودُعي ممثلو بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وأوكرانيا للمساعدة في مراقبة الوضع في المنطقة الأمنية أثناء إحياء المناسبة»، فيما اعتبر ممثلو الإقليم تصرفات مولدوفا بمثابة «استفزاز». من جانب متصل، فإن كورزوفو بلدة تقع في ضواحي مدينة دوبوساري على الضفة اليسرى لنهر الدنيستر، وتعتبرها مولدوفا قرية مستقلة، بينما يدعي قادة إقليم بريدنوستروفيه أنها تحت ولايته. ولذا، عندما تحاول مولدوفا تنظيم بعض الفعاليات مثل الانتخابات، فإن الجانب الانفصالي يعرقلها دائماً.
في جورجيا، التي لا تبعد كثيراً عن هذه الأجواء العاصفة، تتزايد الاضطرابات أيضاً، بعدما أعلنت المعارضة الجورجية عن إطلاق سلسلة فعاليات واسعة لتنظيم احتجاجات طوال شهر مارس الحالي. وكانت شرارة الأحداث انطلقت في 26 فبراير (شباط) عندما بدأت أحزاب المعارضة في جورجيا احتجاجات متواصلة تطالب بالإفراج عن أحد الساسة المحليين البارزين، وتحديد موعد لانتخابات برلمانية جديدة مبكرة.
على هذه الخلفية، تراقب موسكو بحذر تصاعد الأوضاع في محيطها، وسط توقعات متشائمة، ومخاوف من احتمال أن تضطر للانزلاق نحو الانخراط في عمل عسكري في شرق أوكرانيا أو في مولدوفا. وفي الحالين تواجه روسيا مخاطر توسيع المواجهة مع الغرب عموماً، والانشغال أكثر بمحيط ملتهب يزيد من مشكلاتها القائمة أصلاً، على الصعيدين الداخلي والخارجي. ولعل ما يزيد الأمر دقة أن روسيا تتحضر هذا العام لاستحقاق انتخابات البرلمان الروسي... الذي بدا مبكراً أنه محاط بعدد من الأزمات، لا تقتصر على ملف المعارض أليكسي نافالني، وما تصفه موسكو بأنه «محاولات غربية للتدخل واستفزاز ثورة شعبية داخلية».



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.