لبنان يدعو الشركات إلى بدء التنقيب عن النفط عند حدوده الجنوبية

في رد على الشروط الإسرائيلية

TT

لبنان يدعو الشركات إلى بدء التنقيب عن النفط عند حدوده الجنوبية

قابل لبنان العراقيل الإسرائيلية لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، بخطة بديلة تتمثل بمطالبة الأمم المتحدة بتشجيع الشركات النفطية المتعاقدة مع لبنان للبدء بأعمالها فوراً، في مسعى للضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات، والمباشرة باستفادة لبنان من ثروته النفطية.
وتوقفت المفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أربع جلسات من التفاوض عُقِدَت في مركز الأمم المتحدة في الناقورة في جنوب لبنان، بحضور الوسيط الأميركي، لكنها اصطدمت بسقوف شروط مرتفعة رفعها الطرفان، أدت إلى توقف المفاوضات.
وفيما تلتزم الولايات المتحدة بوساطتها، رغم أن لبنان لوّح بإرسال الخرائط الجديدة التي تثبت حقه بمنطقة اقتصادية تناهز 2290 كيلومتراً بحرياً مربعاً إلى الأمم المتحدة، أدى التعنّت الإسرائيلي إلى توقف المفاوضات، وتشترط إسرائيل «مرونة لبنانية»، مما يعني الطلب من لبنان التراجع عن مطالبه بحقه في استثمار ثرواته في مياهه الاقتصادية.
وعبر وزير الطاقة ​الإسرائيلي يوفال شتاينتس أمس عن هذا الشرط بالقول إن بلاده مستعدة للتوصل إلى حل مع ​لبنان ​حول ​ترسيم الحدود ​البحرية، «في حال أبدت ​بيروت ​مرونة لذلك».
وقابل لبنان هذا الموقف الإسرائيلي بوسيلة ضغط جديدة لوّح بها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي تولى على مدار عشر سنوات المحادثات مع مسؤولين أميركيين للتوصل إلى حل يتيح للبنان الاستفادة من ثرواته البحرية. وأثار بري مع القائمة بمقام المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان منسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي خلال استقباله لها، ملف ترسيم الحدود، كون الأمم المتحدة تضطلع بدورها كراعٍ للمفاوضات، مشدداً على ضرورة عدم التأخر في استئنافها.
ولفت بري إلى اتفاق الإطار الذي أعلن في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحظي بموافقة الأطراف الأربعة (لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة والولايات المتحدة) والذي يدعو إلى ترسيم الحدود البحرية على غرار الخط الأزرق براً، بوصفه «يضع حداً للادعاءات الإسرائيلية في المنطقة الاقتصادية الخاصة ويحفظ للبنان حدوده وحقوقه وفقاً للقوانين الدولية».
وحث الرئيس بري المندوبة الأممية «على ضرورة تشجيع الشركات النفطية التي رست عليها مناقصات الاستثمار للتنقيب في المياه اللبنانية للبدء بأعمالها فوراً، سيما وأنها حددت عدة مواعيد ولم تلتزم بها وكان آخرها شهر فبراير (شباط) الماضي»، معتبراً أن «البدء بهذه بالأعمال من أهم المساعدات التي تقدم للبنان في هذه المرحلة».
وقالت مصادر لبنانية مواكبة لمفاوضات الترسيم أن هذه الدعوة «تمثل حلاً لكسر المراوحة التي تصر تل أبيب عليها»، معتبرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن البدء في التنقيب «سيتيح للبنان الاستفادة من ثرواته ويحمي المصالح اللبنانية». وشددت على أن استخراج الطاقة «سيمثل حلاً ضرورياً للأزمات المالية والمعيشية والاقتصادية التي تعصف بلبنان».
وكان الخلاف يقوم على 860 كيلومتراً بحرياً حيث قدمت تل أبيب خرائط بناء على النقطة رقم (1) بين لبنان وقبرص في عام 2007. واعتمدتها كنقطة للانطلاق بالترسيم، بينما قدم لبنان خرائط مستندة إلى النقطة (23) التي جرى تصحيحها في عام 2011. وبعد إعلان اتفاق الإطار للشروع بمفاوضات ترسيم الحدود، أخرج لبنان في الجلسة الثانية من المفاوضات، خريطة جديدة تطالب بمساحة 2290 كيلومتراً بحرياً، وتثبت حق لبنان بجزء من حقل «كاريش» الإسرائيلي. ورد الإسرائيليون على هذه الخرائط والوثائق، بخريطة أخرى تطالب بمئات الكيلومترات الإضافية في المياه الاقتصادية اللبنانية تصل إلى قبالة مدينة صيدا جنوب بيروت.
وعليه، عُلقت المفاوضات في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إثر إلغاء جلسة تفاوض خامسة كانت مقررة في 2 ديسمبر، وتم الاستعاضة عنها بجولة محادثات ثنائية قام بها الموفد الأميركي في بيروت وتل أبيب.
وقال قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون يوم الاثنين الماضي، إن دور الجيش الذي يترأسه ضابط منه الوفد اللبناني في المفاوضات هو دور «تقني». وشدد عون على «أننا جديون إلى أبعد الحدود للوصول إلى حل يحفظ حقوقنا وثرواتنا الوطنية وفقاً للقوانين الدولية»، ودعا «السلطة السياسية إلى دعم الوفد المفاوض وتحديد ما هو مطلوب منه».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.