في الساعة الثانية ظهراً بتوقيت بغداد أمس (الجمعة)، حطت طائرة البابا فرنسيس في مطار بغداد الدولي، حيث كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على رأس مستقبليه. وفي قصر بغداد الرئاسي، كان رئيس الجمهورية برهم صالح ينتظر مع كبار قادة العراق وزعامات الخط الأول وصول الموكب المهيب للبابا على طريق مطار بغداد، حيث اصطف مئات المواطنين العراقيين حاملين أعلاماً عراقية وأعلام دولة الفاتيكان، مرحبين بالضيف الكبير، في وقت كانت فيه شوارع العاصمة العراقية شبه فارغة بسبب حظر التجوال الشامل.
في القاعة الكبرى بقصر بغداد، جرت الاحتفالية المركزية التي حضرها كبار قادة العراق، فضلاً عن تنوع مجتمعي وديني ومكوناتي، بالإضافة إلى ممثلي منظمات المجتمع المدني العراقي، فضلاً عن مسؤولين أممين وسفراء عرب وأجانب وقد حضرتها إلى جانب كل هذه الفعاليات والتسميات «الشرق الأوسط».
قاد الرئيس صالح ضيفه إلى صدر القاعة بعد أن عزف السلامان البابوي والجمهوري العراقي، وألقى كلمة ترحيبية قبل أن يلقي البابا كلمة وجه فيها «الشكر لرئيس الجمهورية برهم صالح على دعوته لي لزيارة العراق»، مضيفاً: «إنني ممتن لإتاحة الفرصة لي لأن أقوم بهذه الزيارة، التي طال انتظارها إلى هذه الأرض، مهد الحضارة، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً، من خلال النبي إبراهيم وكثير من الأنبياء».
وأضاف البابا أنه «على مدى العقود الماضية، عانى العراق من كوارث الحروب وآفة الإرهاب، ومن صراعات جلبت الموت والدمار، ولا يسعني إلا أن أذكر الإيزيديين، الضحايا الأبرياء للهجمة عديمة الإنسانية، فقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني، وتعرضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر».
ودعا البابا فرنسيس، المجتمع الدولي، إلى أن «يقوم بدور حاسم في تعزيز السلام في العراق وكل الشرق الأوسط»، مبيناً أن «التحديات المزدادة تدعو الأسرة البشرية بأكملها في التعاون على نطاق عالمي لمواجهة عدم المساواة في مجال الاقتصاد، والتوترات الإقليمية التي تهدد استقرار هذه البلدان». وقال: «لتصمت الأسلحة! ولنضع حداً لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام!». وأضاف: «كفى عنفاً وتطرفاً وتحزبات وعدم تسامح! ليعطَ المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معاً هذا البلد في الجوار وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة».
ودعا إلى «التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي» بعد أكثر من سنة على خروج العراقيين بعشرات الآلاف إلى الشارع محتجين على الطبقة السياسية الفاسدة في نهاية 2019. وقال: «ينبغي في الوقت نفسه تحقيق العدالة، وتنمية النزاهة والشفافية وتقوية المؤسسات المسؤولة عن ذلك» من أجل تحقيق الأمن والاستقرار.
وفي إشارة إلى المسيحيين الذين يشكلون واحداً في المائة من السكان، شدّد على ضرورة «ضمان مشاركة جميع الفئات السياسية والاجتماعية والدينية، وأن نؤمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين»، قائلاً: «يجب ألا يعدّ أحد مواطناً من الدرجة الثانية».
وفي بلد يشهد توترات حادة وتبادل رسائل وتصفية حسابات بين قوى خارجية عدة على رأسها الولايات المتحدة وإيران، قال البابا: «أتمنى ألا تسحب الدول يد الصداقة والالتزام البناء الممدودة إلى الشعب العراقي، بل تواصل العمل بروح المسؤولية المشتركة مع السلطات المحلية دون أن تفرض مصالح سياسية أو آيديولوجية». ومضى البابا قائلاً إن «العراق مدعو إلى أن يبين أن الاختلافات يمكن أن تتحول إلى تعايش ووئام، ويجب تشجيع الحوار، وندعو إلى الاعتراف بكل المجتمعات والاتجاهات». كما أعلن البابا تشجيعه لما سماه «الخطوات الإصلاحية المتخذة في العراق»، مبيناً أن «تلبية الاحتياجات الأساسية لكثير من الإخوان تجلب السلام الدائم، والديانة يجب أن تكون بخدمة السلام والأخوّة، كما أنه يجب العمل من أجل تعزيز السلام في الشرق الأوسط وفي كل العالم».
وفي كلمته الترحيبية بالبابا، عبر الرئيس صالح عن سعادته بالزيارة التي أصر الحبر الأعظم على القيام بها رغم كل التحديات سواء تلك التي تتمثل بجائحة كورونا أو الإرهاب الذي يعاني منه العراق، لا سيما السلاح المنفلت الذي بات من الصعب السيطرة عليه في ظل تعدد الجهات والفصائل المسلحة التي تحاول تقويض جهود الدولة في إرساء السلام. وقال صالح: «فيما يحل بيننا قداسة البابا ضيفاً عزيزاً كريماً»، هناك «فرصة تاريخية لجعلها مناسبة لإعادة التأكيد على قيم المحبة والسلام والعيش المشترك ودعم التنوع» الديني والاجتماعي، واصفاً ذلك بـ«قيم إنسانية يصل صداها إلى العالم أجمع». وتابع: «مسيحيو الشرق أهل هذه الأرض وملحُها، فلا يمكن تصور الشرق من دون المسيحيين»، مؤكداً أن «استمرار هجرة المسيحيين من بلدان الشرق ستكون له عواقب وخيمة على قدرة شعوب المنطقة نفسها في العيش المشترك». وقال: «لن يتأكد أي نجاح لمنطقتنا ما لم تتأكد عودة المسيحيين من دون إكراه»، داعياً إلى «العمل على تأمين بيئة آمنة لذلك». وأشار إلى أن «سنوات من العنف والاضطهاد أدت إلى تراجع عدد المسيحيين في العراق من 1.5 مليون في 2003 إلى 400 ألف فقط اليوم». ووجه صالح كلامه إلى البابا قائلاً إن «إصراركم على زيارة العراق رغم مصاعب وباء كورونا المستجد (كوفيد - 19) والظروف العصيبة، يضاعف قيمة الزيارة لدى العراقيين». واستذكر صالح موقف جنود عراقيين يعيدون صليب إحدى كنائس الموصل إلى مكانه وتأدية التحية له بعد تحرير المدينة من «داعش»، كما أعلن رفض بلاده أن تكون ساحة للصراع والتناحر. من جانبه، وبعد انتهاء الاحتفالية المركزية في قصر بغداد، رافق الرئيس صالح ضيفه إلى مقر كنيسة النجاة التي أقيم فيها أمس (الجمعة) أول قداس على هذا المستوى الرفيع بعد نحو 10 سنوات على تفجيرها من قبل تنظيم «داعش» الذي أوقع مئات الشهداء والجرحى من أبناء الطائفة المسيحية في العراق.
البابا يدعو العراق إلى تحويل الاختلاف «تعايشاً»... والعالم إلى مساعدته
صالح وزعامات البلاد وممثلو طوائفه احتفوا به في «قصر بغداد»
البابا يدعو العراق إلى تحويل الاختلاف «تعايشاً»... والعالم إلى مساعدته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة