كنائس العراق تنفض غبار الحرب

أهمية زيارة البابا لا تقتصر على المسيحيين بل تشمل البلاد كلها

البابا يزور كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد أمس (رويترز)
البابا يزور كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد أمس (رويترز)
TT

كنائس العراق تنفض غبار الحرب

البابا يزور كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد أمس (رويترز)
البابا يزور كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد أمس (رويترز)

تتوجه أنظار المسيحيين في العراق إلى بابا الفاتيكان، على أمل أن تكون بركاته وصلاته بينهم المخلّص لهم، لتشد ارتباطهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وذلك وسط نزيف الهجرة هرباً من الاعتداءات والتجاوزات، تارة على يد المتطرفين في تنظيم «داعش» الذي هجّرهم من ديارهم، وأخرى على يد المتطرفين في المجاميع المسلحة التي تستغل موطنهم لتنفيذ سياساتهم.
ولأول مرة منذ قرابة عقدين، يظهر مسيحيو العراق شعاراتهم وهويتهم الدينية للعلن، وينفضون غبار الحرب عن كنائسهم المدمرة، ويزينون الطرقات بصلبانهم التي ترسخ أصالتهم وانتماءهم التاريخي للعراق، تأهباً للزيارة التاريخية الأولى للمرجع الأعلى للديانة المسيحية في العالم، بابا الفاتيكان فرنسيس.
كنيسة الساعة التاريخية «حوش البيعة» في الموصل، التي لم تتوج بصليب بعد أن أزاله تنظيم داعش قبل سبع سنوات، اختارها البابا ليصلي فيها لضحايا الحرب، حيث اقتصرت التحضيرات في الموصل على الإجراءات الأمنية من إعلان حظر للتجوال يبدأ قبل زيارة البابا بيومين وينتهي يوم مغادرته العراق. أما في قرقوش، فقد توج برج كنيسة الطاهرة الكبرى بتمثال للسيدة العذراء، ضمن حملة إعادة إعمار يقودها الأب عمار التوني ياكوـ الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، من داخل كنيسة الطاهرة وخلفه الكرسي البابوي المغطى الذي أعد خصيصاً للزيارة، إن «حملة إعادة إعمار كنيسة الطاهرة بدأت منذ أكثر من شهرين، قبل أن يعلن عن زيارة البابا للعراق».
وأضاف أن «قرار البابا إدراج كنيسة الطاهرة، التي يعود تاريخها لعام 1932، ضمن جدول زيارته، له أهمية تاريخية بعد معاناة طويلة للكنيسة ورعاياها على مدى عقدين من الزمان، تسببت في هجرة أكثر من نصف الرعايا لبلاد المهجر والمدن الأخرى في العراق». وأوضح أن «هذه الكنيسة تعرضت للحرق والدمار الكامل أثناء عمليات التحرير، وتعمد المخربون تحطيم معالمها. وبعد أن علمنا بزيارة البابا نعمل طوال الليل والنهار دون كلل لتكون الكنيسة بأبهى حلة في استقبال زيارة قداسته». وتابع قوله: «على أمل أن تكون زيارة الحبر الأعظم للكنيسة والمنطقة خطوة تمنح الرعايا الأمان في ديارهم، لتتوقف هذه الهجرة من أرض الآباء والأجداد».
وهذا ما تتمناه حنا شعيا (82 عاماً) من زيارة البابا قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نتمنى أن يحل السلام والأمن جميع أرجاء العراق ببركات البابا وصلاته، وأن يعود كل مهجر إلى داره دون خوف أو توجس». وقال أيضاً بشار البغديدي، وهو خطاط من قرقوش يخط الكلمات على لوحة تذكارية للزيارة التاريخية، إن «زيارة البابا فيها فرحة وأمل... فرحة لكونها الأولى من نوعها، وأمل أن يحل مع زيارته السلام والأمان في العراق والمنطقة، فلا تقتصر أهمية الزيارة على المسيحيين إنما تشمل العراق ككل».
ويتسابق عمال البلدية في قرقوش مع الزمن في أسرع حملة إعمار وتأهيل للقضاء الصغير شمال شرقي الموصل، يصلحون الشوارع الرئيسية ويعيدون تأهيلها، ويزينونها بلافتات ترحب بزيارة البابا، إضافة إلى حملة تنظيف شاملة، لم يسبق لها مثيل. وقال الناشط المدني فراس سطيفا (35 عاما) لـ«الشرق الأوسط» إن «قرقوش تشهد حملة إعادة إعمار وتنظيف ليس لها مثيل، ما يجعلنا أن نتوجه للبابا بطلب واحد وهو أن يزور كل بلدة وقرية في المنطقة، ليدفع المؤسسات الحكومية لتقوم بواجبها في إعادة إعمار هذه المناطق كافة». وأضاف أن «من المخجل أن تقتصر عملية التنظيف وإعادة الإعمار على المناطق التي سيزورها البابا دون باقي المناطق، وكأن واجب المؤسسات يقتصر على تجميل المناطق التي سيزورها البابا وليس تقديم الخدمة للمواطن».
أما في أربيل المحطة الأخرى لزيارة البابا، فقد كانت التحضيرات مختلفة، حيث يجري تجهيز ملعب كرة القدم «فرانسو حريري الدولي» ليقام فيه قداس يحضره 10 آلاف شخص، إضافة إلى تزيين الشوارع الرئيسية بلوحات ضوئية ترحب بقدوم البابا، وتحمل ضمن طيتها آمال العراقيين بأن يحل السلام والأمن في العراق.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.