«الجنائية الدولية» لتحقيق في الأراضي الفلسطينية

السلطة ترحب… وإسرائيل تعد الخطوة «قراراً سياسياً»

مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
TT

«الجنائية الدولية» لتحقيق في الأراضي الفلسطينية

مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)

أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، أمس الأربعاء، أن مكتبها سيفتح تحقيقاً رسمياً في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، سيشمل طرفي الصراع.
جاء هذا القرار بعدما قضت المحكمة، في الخامس من فبراير (شباط)، باختصاصها في نظر القضية، وهي خطوة قوبلت بالرفض من جانب واشنطن وتل أبيب. ورحبت السلطة الفلسطينية بالقرار.
وقالت المدعية العامة المنتهية ولايتها الصيف المقبل، فاتو بنسودا، في بيان: «قرار فتح تحقيق جاء بعد فحص أولي شاق أجراه مكتبي واستمر قرابة خمسة أعوام». وأضافت: «في النهاية، يجب أن ينصب اهتمامنا على ضحايا الجرائم، من الفلسطينيين والإسرائيليين، جراء دوامة طويلة الأمد من العنف وانعدام الأمن، تسببت في معاناة عميقة وإحباط للأطراف كافة». وتابعت، بحسب (رويترز): «سيتبع مكتبي النهج ذاته، عدم الانحياز، الذي اعتمده في جميع المواقف التي خضعت لولايته القضائية».
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2019، قالت بنسودا التي سيخلفها في المنصب، البريطاني كريم خان، في 16 يونيو (حزيران)، إن «جرائم حرب ارتكبت أو ترتكب في الضفة الغربية، لا سيما القدس الشرقية وقطاع غزة». وحددت الجيش الإسرائيلي وجماعات فلسطينية مسلحة، مثل حركة «حماس» كجناة محتملين. وستكون الخطوة التالية، هي تحديد ما إذا كانت إسرائيل أو السلطات الفلسطينية، قد أجرت تحقيقات بنفسها وتقييمها.
ورحبت السلطة الفلسطينية بتحقيق الادعاء العام للمحكمة. وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان، إن «هذه الخطوة التي طال انتظارها، تخدم مسعى فلسطين الدؤوب لتحقيق العدالة والمساءلة، كأساسات لا غنى عنها للسلام الذي يطالب به ويستحقه الشعب الفلسطيني». كما رحبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بقرار المحكمة الجنائية الدولية، لكنها دافعت عن أفعالها. وقال حازم قاسم، المتحدث باسم الحركة في غزة، إن «حماس ترحب بقرار محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا». وأضاف: «مقاومتنا تأتي في إطار الدفاع عن شعبنا، وهي مقاومة مشروعة كفلتها كل الشرائع والقوانين الدولية».
وفي إسرائيل، أدان المسؤولون قرار المدعية بشدة، واعتبره رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، «تلوناً وعهرا ولا سامية»، واعتبره الرئيس رؤوبين ريفلين «فضيحة»، واعتبره وزير الخارجية، غابي أشكنازي، «دليل إفلاس»، ووعد وزير الأمن، بيني غانتس، بمحاربته. وأكد غانتس، الذي يعتبر سوية مع نتنياهو وأشكنازي، متهمين وفقاً للدعوى الفلسطينية بارتكاب جرائم الحرب، أن إسرائيل تقدر بأن يصل عدد المتهمين عدة مئات. ووعد بالدفاع عنهم جميعاً ومنع اعتقالهم.
وقال نتنياهو، في بيان، إن «القرار سياسي» و«يمثل جوهر معاداة السامية وجوهر النفاق». وتابع أن «المحكمة التي أقيمت لمنع تكرار الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد الشعب اليهودي، تنقلب الآن على دولة الشعب اليهودي. وبالطبع لم تنبس ببنت شفة ضد إيران وسوريا والأنظمة الديكتاتورية الأخرى التي ترتكب جرائم حرب حقيقية. لكنها تسمح لنفسها بأن تعتبر جنودنا الأبطال والأخلاقيين، الذين يحاربون الإرهابيين، مجرمي حرب». وأضاف نتنياهو أن الحكومة الإسرائيلية «ستحمي جميع الجنود والمدنيين وستقاتل لإلغاء هذا القرار».
وأما الرئيس ريفلين فقال إن «إسرائيل هي دولة قانون تحاسب مَن يخطئ ولا تقبل الادعاءات عليها بممارسة جرائم حرب». وأضاف: «إننا نفتخر بجنودنا الذين يسهرون على حماية الشعب وأمنه». وقال الوزير أشكنازي إن قرار المحكمة سياسي تستهدف منه بنسودا فرض أجندتها على مَن سيخلفها في منصبها، في يونيو المقبل. وأضاف أن «بنسودا وأمثالها يجعلون من المحكمة أداة لخدمة المتطرفين ورياح دعم لمنظمات الإرهاب».
وقال الوزير غانتس إن وزارته ستشكل «طاقماً خاصاً للتعامل مع قرار المحكمة، والعمل على تغييره والتأثير فيه». وأكد أن القرار قد «يطول المئات من الأشخاص، من قادة الجيش والمخابرات والقيادات السياسية». الجدير ذكره أن غانتس تكلم عدة مرات، في الأسبوعين الماضيين، عن قرار متوقع من المحكمة؛ أبرزها في رسالة خطية وجهها إلى جنود الجيش الإسرائيلي، تعهد فيها باتخاذ خطوات حازمة من أجل حمايتهم من أي تحقيق من قبل محكمة الجنايات الدولية، وأبلغهم أن الحكومة ستتولى مهمة حماية أي جندي أو ضابط يقوم بعمل لخدمة الأمن في المناطق الفلسطينية. وقال غانتس، في رسالته، إن «محكمة الجنايات الدولية تتحول إلى أداة بأيدي أعداء إسرائيل الذين يسعون إلى الإضرار بها، من أجل استغلال المؤسسات الدولية سياسياً». وتابع: «ستتصرف المؤسسة الدفاعية، بالتعاون مع غيرها من مؤسسات الدولة، بحزم، من أجل منع الإضرار بقيادات وجنود الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الدفاعية بأكملها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.