هل تتسبب «تهم الفساد» في اتساع الفجوة بين الليبيين وسلطتهم الجديدة؟

سياسيون يحذّرون من انتشار حالة التشكيك ومقاطعة أي استحقاق انتخابي مرتقب

رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد دبيبة (أ.ب)
رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد دبيبة (أ.ب)
TT

هل تتسبب «تهم الفساد» في اتساع الفجوة بين الليبيين وسلطتهم الجديدة؟

رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد دبيبة (أ.ب)
رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد دبيبة (أ.ب)

أصدر رئيس الوزراء الليبي المكلف، عبد الحميد دبيبة، أكثر من تصريح ليؤكد فيه أن عملية اختيار السلطة الجديدة تمت بـ«نزاهة»، وذلك بعد نشر مقتطفات من تقرير أممي تحدث عن وجود رشاوى، عرضت على أعضاء بملتقى الحوار السياسي الليبي، لتعزيز حظوظه بالفوز بمنصب رئيس الحكومة. إلا أن سياسيين ونشطاء ليبيين اعتبروا هذه التصريحات غير كافية لتطمين الليبيين، وحذروا من تأثيرات سلبية قد تطول النخبة السياسية، جراء انتشار حالة التشكك والإحباط الراهنة.
تقول فيروز النعاس، الأمين العام لحزب الجبهة الوطنية: «الشارع الليبي وتحديداً الشباب، الذي عزف طويلاً عن السياسة، انتقل فجأة من حالة التفاؤل المفرط، بعد اختيار سلطة تنفيذية جديدة وتكليفها بتوحيد مؤسساته، إلى حالة من الإحباط، إثر انتشار أخبار تفيد بأن التقرير الأممي يقر بوجود شبهات فساد».
وفرقت النعاس، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، بين تيارين ظهرا في الشارع الليبي بعد نشر مقتطفات من التقرير؛ «الأول سارع إلى إصدار أحكام مسبقة بوجود فساد مالي أحاط بعملية اختيار السلطة، وانطلق من هذه النقطة لمهاجمة النخبة السياسية برمتها، وتحميلها مسؤولية كل ما حدث».
أما التيار الثاني، فقد «فضل التريث لحين نشر النص الكامل للتقرير في الـ15 من الشهر الجاري لمعرفة الحقائق بدقة، وتحديد الأسماء المتورطة»، حسب النعاس التي حذرت من غلبة التيار الأول، «لأنه يعمد دائماً إلى إذكاء أجواء التذمر بالشارع، دون محاولة لتقليل الخسائر إذا ثبتت بالفعل صحة مزاعم الفساد»، مطالبة الشباب «بغض النظر عن نتائج التقرير، بعدم الانسحاب من العمل السياسي والميداني، والوجود بالأحزاب السياسية لاكتساب الخبرة، ثم الانطلاق لتكوين مؤسساتهم، أو الدفع لاختيار من يمثلهم لضمان مستقبل أفضل للبلاد».
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد ذكرت، نهاية فبراير (شباط) الماضي، أنها اطلعت على تقرير «لم ينشر بعد»، ومن المقرر تقديمه إلى مجلس الأمن في مارس (آذار) الجاري، وأن خبراء الأمم المتحدة «اكتشفوا خلال المحادثات الليبية بتونس قيام اثنين من المشاركين بعرض رشاوى، تتراوح بين 150 ألف دولار و200 ألف دولار، لثلاثة أعضاء على الأقل، إذا التزموا بالتصويت لدبيبة كرئيس للوزراء».
وكنتيجة لذلك، توقع رئيس مؤسسة «بلادي» لحقوق الإنسان، طارق لملوم، أن تكون مقاطعة أي استحقاق انتخابي «الرد الوحيد والأنجع الذي يملكه الشارع الليبي، وتحديداً تيار الشباب لمواجهة شبهات الفساد في اختيار السلطة الجديدة».
وقال ملوم لـ«الشرق الأوسط»: «لا قدرة للشباب، خاصة الطامحين لدخول معترك السياسة، على مواجهة أباطرة المال السياسي في البلاد... وهناك فارق كبير في المواجهة على الأصعدة كافة»، مؤكداً أن «المقاطعة لن تكون سياسية منهجية لدى الشباب، بل فقط كرسالة ورد مرحلي على حالة الإحباط، التي أصيب بها الجميع في ليبيا مؤخراً».
بدوره، اعترف عضو المجلس الأعلى للدولة بليبيا، سعد بن شرادة، بأن ما نشر بالتقرير المذكور أسهم في اتساع الفجوة بين الشارع ونخبته السياسية، وربما عمق الأحكام المسبقة لدى البعض بإدانة تلك النخبة وشرعنة الطعن بها، لكنه استبعد أن تكون عاملاً مؤثراً في تحديد خيارات المواطن الليبي بالمشاركة في الانتخابات المقبلة.
وقال بن شرادة لـ«الشرق الأوسط» بهذا الخصوص: «الوعي الشعبي مرتفع، والمواطن يعرف كيف يفرق بين الفاسد والمرتشي في صفوف النخبة السياسية، وبين الشريف والمسؤول منها».
أما الناشطة الحقوقية فاطمة تكروي فلخصت رؤيتها للوضع الراهن بالتأكيد على «تعرض جيلها للظلم، مع ندرة مَن يصلح لوصفه بالقدوة السياسية، والعامة وحدهم من يدفعون ثمن أي اهتزاز واشتباك سياسي في صفوف النخب السياسية»، مبرزة أن «الليبيين يدركون بفطرتهم أن انشغال هؤلاء الساسة بصراعاتهم يعني تأجيل أحلامهم البسيطة بإيجاد حياة كريمة».
وأضافت الناشطة موضحة: «عامة الشعب لا يزالون يعانون نتائج الانقسام السياسي كل يوم، ويلمسون ذلك في صعوبة التنقل من مدينة لمدينة، وقلة السيولة، وارتفاع الأسعار جراء غياب الرقابة، وانقطاع الكهرباء، فضلاً عن ارتفاع نسب الجرائم بعموم البلاد، من قتل وخطف وسرقة، وهذه المعاناة هي التي تدفع الكثير من الشباب للتفكير بالهجرة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».