ارتفاع سعر صرف الدولار يشعل الشارع ويصل إلى مناطق «حزب الله»

تدهور غير مسبوق في قيمة العملة الوطنية اللبنانية

إشعال إطارات على طريق مؤدية إلى مطار بيروت الدولي مساء أمس (أ.ب)
إشعال إطارات على طريق مؤدية إلى مطار بيروت الدولي مساء أمس (أ.ب)
TT

ارتفاع سعر صرف الدولار يشعل الشارع ويصل إلى مناطق «حزب الله»

إشعال إطارات على طريق مؤدية إلى مطار بيروت الدولي مساء أمس (أ.ب)
إشعال إطارات على طريق مؤدية إلى مطار بيروت الدولي مساء أمس (أ.ب)

دفع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء إلى مستويات قياسية، اللبنانيين إلى الشوارع، احتجاجاً على تدهور الوضع المعيشي، وقطعت طرقات في طرابلس مع وصول سعر الدولار إلى 10 آلاف ليرة لبنانية في أدنى مستوى لقيمة الليرة في تاريخ لبنان.
وعمّت الاحتجاجات مختلف المناطق اللبنانية، وبدأت في الشمال صباحاً، وانتقلت إلى الجنوب وبيروت والبقاع مساء، حيث قطع المحتجون الطرقات وأشعلوا الإطارات المطاطية، وامتد قطع الطرقات إلى طريق المطار في ضاحية بيروت الجنوبية ومناطق أخرى في الجنوب معروفة بأنها خاضعة لنفوذ «حزب الله».
وينعكس الانخفاض في قيمة العملة المحلية على أسعار السلع والمواد الغذائية وكل ما يتم استيراده من الخارج. وقد ارتفعت أسعار السلع بنسبة 144 في المائة، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.
ويؤثر التدهور القياسي في سعر العملة على قيمة رواتب موظفي القطاع العام والقطاع الخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. وباتت قيمة الحد الأدنى الشهري للأجور (675 ألف ليرة) تعادل 67 دولاراً فقط، رغم أنه وفق سعر الصرف الرسمي يعادل (450 دولاراً). وتتدنى قيمة الرواتب لدى موظفي الفئة الأولى من الدرجة الأولى (مديرين عامين) الذين يتقاضون نحو 4.5 مليون ليرة وباتت تعادل 450 دولاراً. أما موظفو الفئة الأولى الذين قضوا سنوات طويلة في الخدمة وحازوا على 22 درجة، فباتت رواتبهم تعادل 900 دولار في الشهر.
أما موظفو الفئة الثانية (رؤساء مصالح) الذين يتقاضون 3 ملايين ليرة كراتب أساسي (من دون علاوات وتقديمات اجتماعية) فبات راتبهم يعادل 300 دولار، فيما موظفو الفئة الثالثة (رؤساء دوائر في القطاع العام) فباتت رواتبهم تعادل 220 دولاراً في الشهر.
وباتت رواتب موظفي السلك الخارجي تعادل 1250 دولاراً، أما أساس راتب ضابط برتبة «لواء» فبات يتراوح بين 500 و600 دولار، ويعود التفاوت إلى درجاته الوظيفية. أما الضباط من رتبة «عميد» في السلكين العسكري والأمني فتتراوح قيمة رواتبهم الآن بين 360 دولاراً و500 دولار. أما الجندي فتتراوح قيمة راتبه بين 100 و190 دولارا.
ومنذ صيف عام 2019، على وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في لبنان منذ عقود، بدأت قيمة الليرة تتراجع تدريجياً أمام الدولار تزامناً مع أزمة سيولة حادة وتوقّف المصارف عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. ولا يزال سعر الصرف الرسمي للدولار يساوي 1507 ليرات.
وكان سعر صرف الدولار مقابل الليرة بلغ 9800 ليرة خلال الصيف. وحافظ خلال الأسابيع الماضية على معدل يتراوح بين ثمانية آلاف و8500 ليرة للدولار.
وقال عضو كتلة «المردة» النائب طوني فرنجية: «الدولار يلامس 10 آلاف ليرة من دون تحقيق أي تقدم على الصعيدين الاقتصادي والحكومي. فهل ينتظر البعض، غير مبالٍ، الانفجار الاجتماعي أو أن الفوضى باتت مطلوبة؟!».
من جانبه، قال عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب عماد واكيم عبر حسابه على «تويتر»: ‏«الدولار دق عتبة 10 آلاف ليرة، السلطة مختلفة على تقاسم الجبنة ولا تشكل حكومة، السلطة لا تريد تنفيذ أي إصلاحات حتى تستفيد من دعم صندوق النقد الدولي. السلطة لا تريد الحياد ولا تحقيقاً دولياً ولا مؤتمراً دولياً لعيون إيران. الحل ثورة تطيح بالسلطة من جذورها وانتخابات نيابية مبكرة».
ويأتي الانخفاض القياسي في سعر الليرة أمس الثلاثاء غداة إعلان مصرف لبنان بدء مراجعة أوضاع البنوك بعد انتهاء مهلة حددها لها من أجل زيادة رأسمالها، ضمن خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وطلب المصرف المركزي في تعميم صيف 2020 من المصارف زيادة رأسمالها بنسبة عشرين في المائة بحلول نهاية فبراير (شباط) المنصرم. كما طلب منها تكوين حساب خارجي حر من أي التزامات لدى بنوك المراسلة في الخارج لا يقل عن ثلاثة في المائة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية. وفي حال عدم التزام المصارف بتلك المعايير، فتصبح أسهمها ملكاً لمصرف لبنان.



سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
TT

سكان صنعاء يتخوفون من انهيار معيشي جراء التصعيد مع إسرائيل

البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)
البوابة التاريخية لمدينة صنعاء القديمة لطَّخها الحوثيون بشعار «الصرخة الخمينية» (إ.ب.أ)

تزداد مخاوف السكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء يوماً بعد آخر من التدهور المستمر والحاد للأوضاع الإنسانية والمعيشية والأمنية جراء مواصلة جماعة الحوثيين تصعيدها العسكري في الجبهات وشن هجماتها المتكررة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، إضافة إلى استمرار التصعيد المتبادل بين الجماعة وإسرائيل.

ويخشى السكان من أن يؤدي التصعيد المستمر بين الغرب وإسرائيل من جهة، والجماعة الحوثية المدعومة من إيران من جهة أخرى إلى مزيد من المعاناة، خصوصاً وأن الملايين من اليمنيين يعيشون منذ سنوات عدة حالة من البؤس جراء ما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية من تدهور حاد جراء الانقلاب والحرب واستمرار سياسات الفساد الحوثية وأعمال النهب والتجويع.

ومنذ بدء الضربات الأميركية والبريطانية وما لحقها من ضربات إسرائيلية وتهديدات تل أبيب للحوثيين بردٍ أوسع، يعيش اليمنيون في صنعاء حالة من الترقب والقلق والخوف؛ خشية حدوث دمار مُشابه لما حدث في لبنان وقطاع غزة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وأكد سكان في المدينة الخاضعة للحوثيين لـ«الشرق الأوسط» رفضهم القاطع السلوك الحوثي الذي يستدعي الضربات العسكرية لاستهداف ما تبقى من المنشآت الحيوية لليمن دون اكتراث لمعاناتهم، حيث يعانون صعوبة العيش، وغلاء الأسعار، وفساد الجماعة، وانقطاع الرواتب، وتدهور الحالة الأمنية والاقتصادية وتفشي البطالة.

ويرافق هذه المعاناة التي يعيشها سكان صنعاء حالة من الاستياء والغضب جراء التجاهل الحوثي المتعمد للأوضاع الإنسانية المتدهورة وانشغال الجماعة بمواصلة التصعيد العسكري على كل الاتجاهات وتحشيد السكان من مختلف الأعمار للتجنيد والتعبئة العسكرية.

وفي حين وصف السكان في صنعاء الضربات الإسرائيلية والغربية على مدينتهم ومدن أخرى بأنها «اعتداءات سافرة وانتهاك صارخ للسيادة وتدمير لما تبقى من مقدرات البلاد»، يؤكدون في الوقت نفسه أن المدنيين البسطاء هم من يدفع الثمن الأكبر للتصعيدات العسكرية الحالية، وكذا الحرب التي سبق وأن أشعلتها الجماعة الحوثية منذ انقلابها التوافق الانتقالي في اليمن.

استغلال مستمر

يتحدث حمدي، وهو اسم مستعار لموظف حكومي بصنعاء، عن حالة من السخط والغضب الشعبي الواسع نتيجة السلوك الحوثي المتجه نحو مزيد من التصعيد والحرب، وتدمير ما تبقى من مقومات الاقتصاد اليمني.

ويقول: «بينما كنا ننتظر بفارغ الصبر مع دخول العام الميلادي الجديد سماع أخبار تُبشّـر بالخير وبالتوصل لحل سياسي يُنهي المعاناة، فاجأتنا الجماعة الحوثية بمزيد من التصعيد الذي استدعى الضربات العسكرية واستغلال ذلك لمواصلة استهداف السكان ونهب أموالهم وتجنيدهم قسرياً».

بائع متجول يعرض ملابس شتوية مستعملة للبيع في صنعاء (إ.ب.أ)

ويتساءل حمدي قائلاً: «كيف نستطيع إقناع الجماعة الحوثية التي تسعى لتعقيد مسار السلام وإطالة أمد الحرب بأننا كـيمنيين مللنا من الصراع ومن أجواء الرعب والموت والدمار والمعاناة على مدى السنوات الماضية».

ويؤكد أن الأغلبية العظمى من اليمنيين في صنعاء وغيرها من المدن يطمحون دائماً إلى السلام وصرف المرتبات وعودة الخدمات الأساسية كافة إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب والحرب وإنهاء كل أشكال التعسف بحقهم.

تبعات الحرب

مع توالي الضربات الإسرائيلية والغربية على صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين، يشير عبد الله، وهو مالك محل تجاري في صنعاء، إلى أنه لم يعد بمقدوره وكثير من السكان تحمل تبعات أي حرب مقبله لأنهم باتوا عاجزين تماماً عن تأمين العيش لأطفالهم بسبب الأوضاع البائسة التي خلفها الانقلاب والحرب المستمرة.

ويؤكد أن الضربات الأخيرة على مبنى وزارة الدفاع ومجمع العرضي في صنعاء قد ألحقت بمتجره الخاص ببيع الأواني المنزلية أضراراً بالغة؛ لكون أغلبيتها مصنوعة من الزجاج والفخار وتعرَّضت للكسر بفعل ذلك.

شخص يتسوق الملابس الشتوية المستعملة في إحدى أسواق مدينة صنعاء القديمة (إ.ب.أ)

ويأمل مالك المتجر أن ينجح المجتمع الدولي في ممارسة الضغط على قادة الجماعة الحوثية لإرغامهم على وقف كل أشكال التصعيد التي قد تجر اليمن واليمنيين إلى مزيد من الفوضى والمعاناة الإنسانية.

وتأتي مخاوف سكان صنعاء في وقت تحذّر فيه المنظمات الإغاثية الدولية من تأثيرات إنسانية كبيرة على اليمن جراء استمرار التصعيد العسكري.

وفي أحدث بيان له، حذّر برنامج الغذاء العالمي من أن وضع الأمن الغذائي في اليمن بات مثيراً للقلق على نحو خطير، كاشفاً عن معاناة وصعوبات كبيرة يواجهها نحو 61 في المائة من الأسر اليمنية التي شملها آخر استطلاع أثناء الوصول إلى الغذاء الكافي.

وذكر أن التحديات الاقتصادية ونقص التمويل وتعليق المساعدات الغذائية في معظم المناطق تحت سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى ندرة الأنشطة المدرّة للدخل، كانت العوامل الرئيسية وراء هذا الوضع المقلق.