اعتدنا رؤية بعض اللاعبين وهم يفقدون أعصابهم ويدفع بعضهم بعضاً، أو يدخلون في مناوشات ومشاحنات فيما بينهم خلال مباريات كرة القدم، لكن من النادر ومن المثير للاهتمام في الوقت ذاته بأن ترى حكماً يتصرف بهذا الشكل. ومؤخراً، أثار الحكم الإنجليزي دارين درايسديل جدلاً واسعاً، بسبب دخوله في شجار مع لاعب خط الوسط آلان جادج خلال المباراة التي جمعت إبسويتش تاون ونورهامبتون في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا. وركزت عناوين الصحف على ما حدث في تلك الواقعة، حيث كتب كيث هاكيت في صحيفة «تلغراف»: «لم أكن أتوقع أبداً مثل هذا النوع من السلوك من دارين. إنني أعرفه منذ فترة طويلة، وأرى دائماً أنه هادئ ويسيطر على أعصابه».
لكن السؤال المثير للاهتمام هو: مَن الحكم الذي كان يتوقع هاكيت أن يقوم بمثل هذا السلوك؟ هل كان يتوقع مثلاً أن يحدث هذا من كريغ باوسون؟ وهل هي مسألة وقت فقط قبل أن نرى الحكم تريفور كيتل يتصرف بهذا الشكل؟
في الحقيقة، أشارت ردود الفعل بعد هذه المباراة إلى أن ما قام به درايسديل كان لا بد أن يحدث في مرحلة ما، نظراً للضغوط والإساءات الكبيرة التي يتعرض لها الحكام، بالإضافة إلى أن أي قرار يتخذونه يكون تحت المجهر ويخضع لتحليلات هائلة بعد نهاية المباريات.
إنه من الجيد في واقع الأمر أن ذلك حدث خلال إحدى المباريات العادية في دوري الدرجة الأولى، وليس في مباراة مليئة بالشحن والتوتر والعودة مراراً وتكراراً إلى تقنية حكم الفيديو المساعد (الفار) في الدوري الإنجليزي الممتاز!
وقد اعترف درايسديل بأنه ارتكب خطأ، ولن يحكم أي مباراة في نهاية هذا الأسبوع. لقد تعاطف الكثيرون مع هذا الحكم، ولو كان الأمر معكوساً، وكان اللاعب هو الذي هاجم الحكم؛ فإن اللاعب لم يكن ليحصل على الكثير من التعاطف بكل تأكيد، وكان من المفتَرَض أن يتعرض للإيقاف لمدة طويلة بسبب هذا السلوك. لكن على أي حال، دعونا لا نبالغ فيما حدث.
لكن ما كان مثيراً للاهتمام في حقيقة الأمر هو مقدار التعاطف الذي تلقاه درايسديل، والحكام بشكل عام، منذ ذلك الحين. لقد أرسل لي كثيرون هذه اللقطة على حسابي الخاص على موقع «تويتر»، لكن لم يطالب أحد بإبعاد هذا الحكم عن المباريات إلى الأبد. بل وأعرب أحد مشجعي إبسويتش تاون عن سعادته بحدوث شيء مثير للاهتمام في ملعب «بورتمان رود» لأول مرة منذ سنوات!
ويتعين علينا الآن أن نفكر فيما تعرض له درايسديل خلال هذا الأسبوع، ففي البداية فقد الحكم الإنجليزي السيطرة على أعصابه ودخل في مناوشات مع أحد اللاعبين، ثم فجأة أصبح العالم بأكمله يتحدث عنه وعما قام به، وأصبح اسمه يتردد في أعمدة أكبر الصحف العالمية، في الوقت الذي يشعر فيه بقلق بالغ من أن مسيرته التحكيمية التي يبنيها منذ سنوات طويلة قد تنتهي في لحظة، ناهيك من المحادثات الصعبة التي سيسمعها داخل لجنة الحكام عند التحقيق معه فيما حدث!
من المؤكد أن كل هذه الأمور تضع عليه المزيد من الضغوط، وبالتالي فإننا نتمنى أن يكون من حوله أشخاص جيدون يساعدونه على تجاوز هذه الفترة الصعبة ومساعدته على الشعور بأن ما حدث ليس نهاية العالم، وأنه سيعود إلى التحكيم مرة أخرى بعد فترة قصيرة. ويجب الإشارة في هذا الصدد إلى أنه لم يمض سوى أسبوعين منذ أن قرر مايك دين الانسحاب من تحكيم إحدى المباريات بعد تعرضه لإساءات عبر الإنترنت. لكن ربما يتعين على الحكام أن يتكيفوا مع هذه الضغوط ويقبلوا بحقيقة أنها باتت تمثل جزءاً لا يتجزأ من اللعبة، وأنه لم يعد بالإمكان تغيير ذلك.
وعلى محطة «توك سبورت» الإذاعية مؤخراً، كان مهاجم إنجلترا السابق دين أشتون لاذعاً في تقييمه لكيفية تعاملنا جميعاً مع الحكام، حيث قال: «الإساءات التي يتعرض لها الحكام من اللاعبين ومن أطقم التدريب، والمشجعين عندما يشاهدون المباريات من الملعب، بل حتى ومن الآباء خلال تحكيم مباريات للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات، هي إساءات مثيرة للاشمئزاز في حقيقة الأمر. يجب أن نخجل تماماً من الطريقة التي تتعامل بها رياضتنا مع حكامنا بالمقارنة بما يحدث في الرياضات الأخرى. إنني شخصياً أشعر بالخجل من نفسي بسبب الطريقة التي كنت أتحدث بها مع الحكام».
وأضاف: «لا يمكننا أن نقول إن الرغبي مثلاً هي لعبة النبلاء وأن المشاركين فيها قد نشأوا بطريقة مختلفة، وأننا من أبناء الطبقة العاملة وبالتالي يُسمح لنا بالتحدث كيفما نريد ولا توجد مشكلة في أن نسيء للحكام! الأمر ليس كذلك على الإطلاق، وقد حان الوقت لكي ننظر جميعاً إلى أنفسنا ونقول إن هذا يجب أن يتوقف. ويجب أن ندرك أن الحكم مجرد إنسان يقف في منتصف الملعب ويقوم بعمل صعب للغاية».
وبصفتي شخصاً يشتكي من الحكام من سنوات طويلة، فإنني أعرف أنه يتعين علي أن أتوقف عن ذلك، لكنني في الحقيقة لم أوجه أي إساءة لأي حكم في يوم من الأيام. وعادة ما تكون المقارنات بين اللعبة على مستوى الهواة والمحترفين سخيفة للغاية، حيث يحاول البعض عقد مقارنة بين ما يفعلونه في الحديقة والضغوط الهائلة والسرعة الكبيرة والأموال الطائلة التي توجد في اللعبة على مستوى النخبة. صحيح أن كرة القدم هي التي تلعب في كلتا الحالتين، لكن الوضع مختلف تماماً. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هناك قوانين أخرى جيدة للغاية في هذا الصدد، ففي بعض الألعاب الأخرى يقوم حكم اللقاء بطرد اللاعب الذي أساء له لمدة عشر دقائق يعود بعدها للمشاركة في المباراة مرة أخرى. لكن هناك تردداً كبيراً من المسؤولين عن كرة القدم في تغيير قواعد اللعبة الموجودة منذ سنوات طويلة. في الواقع، إذا كنا نريد حقاً وقف عقود من الإساءة لشخص يحاول القيام بعمله، فهناك حلول بسيطة، لكن يبدو أننا لا نريد ذلك!
هل اللاعبون معصومون من الخطأ والحكام دائماً هم المذنبون؟
بعد مهاجمة حكم لأحد اللاعبين في الدوري الإنجليزي واتهامه بسوء السلوك
هل اللاعبون معصومون من الخطأ والحكام دائماً هم المذنبون؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة