تسارعت تطورات الوضع في أرمينيا أمس، بعد بروز ملامح تحرك عسكري لإطاحة رئيس الوزراء نيكول باشينيان. وأسفر تحرك القيادة العامة للأركان عن وقوع انقسامات داخل المؤسسة العسكرية بالتزامن مع تأجيج الوضع في الشارع الأرميني بعد نزول عشرات الآلاف من أنصار ومعارضي باشينيان في يريفان والمدن الرئيسية في البلاد.
ودعا بيان أصدرته رئاسة الأركان وحمل توقيع ٤٠ من أبرز الجنرالات في المؤسسة العسكرية رئيس الوزراء إلى مغادرة منصبه طوعا، وحمله المسؤولية عن الهزيمة العسكرية التي أفضت قبل شهور إلى فقدان يريفان سيطرتها على أجزاء واسعة من مرتفعات قره باخ المتنازع عليها مع أذربيجان. وبالإضافة إلى ذلك عكس البيان العسكري وجود خلافات حادة داخل المؤسسة العسكرية إذ شدد البيان على الاحتجاج الحازم على ما وصف «خطوات قصيرة النظر وغير مبررة» من قبل الحكومة، بما فيها إقالة النائب الأول لقائد الأركان تيران خاتشاتوريان. وأبدى العسكريون قناعتهم بأن هذه الإقالة جاءت دون مراعاة مصالح الدولة، وأنها تعد قرارا «غير مسؤول ومناهضا للدولة»، وشددوا على أن حكومة باشينيان لم تعد قادرة على «اتخاذ قرارات مناسبة في الظروف العصيبة والمصيرية الحالية». وقال العسكريون إن صبرهم استنزف إزاء ما وصفوه «اعتداءات الحكومة على الجيش»، وأن «الإدارة غير الفعالة والأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها السلطات الحالية في مجال السياسة الخارجية أودت بالبلاد إلى حافة الهاوية».
وتابع البيان: «نظرا للظروف الحالية، تطالب القوات المسلحة باستقالة رئيس الوزراء والحكومة، محذرة في الوقت نفسه من استخدام القوة ضد الشعب الذي مات أبناؤه دفاعا عن الوطن». اللافت أن إقالة نائب قائد هيئة الأركان خاتشاتوريان جاءت على خلفية سجالات حول الدور الروسي في الحرب الأخيرة مع أذربيجان، إذ نشرت وسائل إعلام أن نائب رئيس الأركان سخر من تصريحات لباشينيان قبل أيام حول عدم فعالية أو انتهاء فترة صلاحيات الصواريخ الروسية لدى الجيش الأرميني من طراز «إسكندر» وقال باشينيان إن هذه الصواريخ إما «لم تنفجر أو انفجرت بنسبة 10 في المائة فقط» خلال الجولة الأخيرة من النزاع مع أذربيجان في إقليم قره باغ. وأثار هذا التصريح تحفظات لدى بعض المسؤولين العسكريين في أرمينيا. وفور إعلان البيان العسكري دعا باشينيان أنصاره إلى النزول إلى الشارع والتجمع حول مقر الحكومة وأعلن أنه لن يسمح بنجاح ما وصفه بأنه «انقلاب عسكري». وسيطر التوتر على البلاد طوال ساعات النهار مع تواتر أنباء متضاربة حول موقف وزارة الدفاع من التحرك الذي قادته رئاسة الأركان. وفي وقت لاحق أعلنت الوزارة في بيان أنها تعارض تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة ودعت العسكريين إلى الامتناع عن إدلاء تصريحات. وحذرت الوزارة في بيان من أن هذه المحاولات «تهدد أمن واستقرار الجمهورية»، مضيفة أنها «سترد عليها بشكل مناسب». وبدا الموقف يشكل انحيازا إلى جانب رئيس الوزراء الذي حذر في سلسلة خطابات أمام أنصاره من أن «الشعب لن يسمح بتدبير انقلاب عسكري» ودعا الجيش إلى عدم التدخل في العمليات السياسية. وزاد: «لا يجوز أن ينخرط الجيش في العمليات السياسية بل يجب أن يخضع لأوامر الشعب والسلطة المنتخبة». وأصدر أمرا إلى جميع الجنود والضباط والجنرالات: أدوا مهامكم، أي حماية الحدود ووحدة أراضي أرمينيا. هذا هو أمري ولا يمكن لأحد مخالفته». لكن باشينيان الذي استند في حديثه إلى قوة الشرعية، بدا أنه يدرك في الوقت ذاته درجة خطورة التطورات الجارية من جانب قسم من المؤسسة العسكرية، فهو أشار إلى وجود «أنصار موالين للسلطات السابقة في القوات المسلحة». وأكد على ضرورة رحيلهم، مضيفا أن العديد من الجنرالات والضباط وقعوا على بيان الهيئة العامة «تحت ضغوط قياداتهم». وأكد باشينيان أنه كان وقع في وقت سابق أمرا بإقالة رئيس هيئة الأركان العامة أونيك غاسباريان، الذي قاد التحرك ضده. لكن تعقيد الموقف اتضح أكثر مع تجاهل رئيس البلاد أرمين سيركيسيان التوقيع على قرار إقالة رئيس الأركان. ورغم أن الرئيس في أرمينيا له صلاحيات محدودة لكن توقيعه على قرارات تعيين وإقالات المسؤولين العسكريين البارزين ضروري لتنفيذ هذه القرارات. وهو الأمر الذي دفع باشينيان إلى تحذير الرئيس من أنه «إذا لم يوافق الرئيس على هذا الطلب فإنه سيكون بذلك قد انضم إلى الانقلاب». وفي مسعى لتجنب الخوض في مواجهة مع الرئيس اقترح رئيس الوزراء على قائد هيئة الأركان ترك منصبه طوعا لـ«تجنيب البلاد اضطرابات جديدة» وقال إنه «ليس من صلاحيات أحد سوى الشعب اتخاذ قرارات بشأن رحيل الحكومة»، وهدد معارضيه بالاعتقال «إذا تجاوزوا حدود البيانات السياسية». في الوقت ذاته، استغلت أحزاب المعارضة تطورات الوضع وأعلنت عزمها تنفيذ اعتصامات مفتوحة الأجل في الشوارع لحين رحيل الحكومة الحالية. وبدا أن ضغط الشارع من طرفي الموالاة والمعارضة أربك تحركات باشينيان ونداءاته المتكررة خلال ساعات النهار، فهو أعلن أمام أنصاره استعداده للدعوة لتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة، ما أثار موجة غضب بين أنصاره بسبب اعتبار المبادرة استسلاما أمام الضغوط المتصاعدة عليه، فعاد رئيس الوزراء ليعلن عن سحبه «تلبية لنداء من مؤيديه». وبدلا من ذلك أعلن باشينيان أن «جيش البلاد لا يزال مواليا له وللدستور، وأكد أنه وأفراد عائلته لا ينوون الاستجابة لمطالبات بمغادرة البلاد». وشدد رئيس الوزراء على أن «الوضع الحالي في أرمينيا متوتر لكنه ما زال تحت السيطرة». وأكد أهمية التوصل إلى اتفاقات تتيح تفادي النزاعات.
وفي موسكو أعرب الكرملين عن «قلق جدي» إزاء مستجدات الأحداث في أرمينيا. وقال المتحدث الرئاسي، دميتري بيسكوف «نتابع بقلق تطورات الوضع في أرمينيا، ونعتبر أنها تمثل شأنا داخليا حصرا لأرمينيا، وهي حليفة مهمة موثق بها لنا في منطقة القوقاز. بطبيعة الحال ندعو جميع الأطراف إلى التهدئة، ونعتقد بأنه يجب أن يبقى الوضع ضمن إطار الدستور». وشدد المتحدث باسم الكرملين على أهمية التعاون مع يريفان، لا سيما فيما يخص تطبيق بنود البيان الثلاثي المبرم بين روسيا وأرمينيا وأذربيجان بشأن تسوية النزاع في إقليم قره باغ. وقال بيسكوف إن موسكو لم تجر على خلفية المستجدات الأخيرة أي اتصالات جديدة مع يريفان، لكن أضاف: «يمكن تنظيم اتصالات على وجه السرعة عند الضرورة».
محاولة «انقلاب عسكري» تؤجج الأزمة الداخلية في أرمينيا
باشينيان يؤكد سيطرته على الوضع... وموسكو قلقة
محاولة «انقلاب عسكري» تؤجج الأزمة الداخلية في أرمينيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة