طهران تقيم «مجمعاً ترفيهياً» جنوب دمشق لتعميق نفوذها

أعلام وشعارات لإيران و{حزب الله} في دمشق العام الماضي (غيتي)
أعلام وشعارات لإيران و{حزب الله} في دمشق العام الماضي (غيتي)
TT

طهران تقيم «مجمعاً ترفيهياً» جنوب دمشق لتعميق نفوذها

أعلام وشعارات لإيران و{حزب الله} في دمشق العام الماضي (غيتي)
أعلام وشعارات لإيران و{حزب الله} في دمشق العام الماضي (غيتي)

في سياق مشاريعها لترسيخ وتوسيع سيطرتها ونفوذها في سوريا، أقامت إيران «مجمعاً ثقافياً - رياضياً - ترفيهياً» ضخماً في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، ملاصقاً لمنطقة نفوذ روسية. وفسّر أهالي الخطوة بأنها تحدٍ لروسيا التي سبق وأن كبحت محاولات لإيران لتشكيل «ضاحية جنوبية» هناك شبيهة بتلك التي شكلتها في جنوب العاصمة بيروت.
وأقيم المجمع في بلدة «حجيرة» التابعة لناحية «ببيلا»، وتبعد نحو واحد كلم شمال «السيدة زينب» المعقل الرئيسي للميليشيات الإيرانية في ريف دمشق الجنوبي الشرقي والتي تبعد عن العاصمة نحو 8 كيلومترات، وأطلق عليه اسم «مجمع الشهيد العقيد هيثم سليمان». ويشغل المجمع مساحة شاسعة من الأراضي على أطراف منطقة سكنية في البلدة لم يعد إليها إلا قلة قليلة من سكانها بعدما نزحوا منها بسبب الحرب، وتفتقر لوجود الخدمات الأساسية. ويبدو العمل فيه شبه منتهٍ؛ إذ يتم حالياً وضع اللمسات الأخيرة لافتتاحه.
وتمت إحاطة المجمع بسور ضخم رفعت عليه أعلام ميليشيات إيرانية عديدة والعلم السوري، بينما تم تشييد غرفة كبيرة على بعد أمتار قليلة من مدخله يظهر في داخلها لوحة رخامية كتب عليها عبارات عدة، وثُبّتت فوقها صورة كبيرة تجمع الرئيس بشار الأسد و«المرشد» على خامنئي وقائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي جرى تصفيته بغارة أميركية على أطراف بغداد قبل أكثر من عام.
وعلمت «الشرق الأوسط»، أن المجمع تم بدء العمل به بعد استعادة الحكومة السورية السيطرة على المنطقة، ونفذه فرع «مؤسسة جهاد البناء» الإيرانية في سوريا، الذي يعمل منذ عام 2015 تحت غطاء تنفيذ مشاريع خدمية وإنمائية إنسانية، لا سيما في المناطق التي استعادتها الحكومة السورية.
وتظهر من البوابة الرئيسية مساحات خضراء كبيرة في داخل المجمع وحدائق وملاعب وملاهٍ خاصة بالأطفال وأقسام ومنشآت عدة ضخمة.
ويدل المشهد العام للمجمع على أن مبالغ مالية كبيرة أنفقت على تشييده، في وقت تعاني مناطق سيطرة الحكومة السورية منذ فترة طويلة من اشتداد أزمات توفر المحروقات والطحين والخبز والمواد الغذائية الأساسية والكهرباء.
وبدا لافتاً، أن المجمع تمت إقامته في الجهة الشمالية الغربية من «حجيرة» وعلى التماس مباشرة مع الحدود الإدارية لـ«ببيلا» التي تعتبر منطقة نفوذ روسية؛ الأمر الذي فسره أهالي في «ببيلا» لـ«الشرق الأوسط» على أنه «تحدٍ لروسيا». ويضم ريف دمشق الجنوبي الشرقي كثيراً من البلدات والقرى، أهمها وأكبرها ناحية «ببيلا» وقريتا «يلدا» و«بيت سحم» وبلدة «حجيرة»، وتتبع جميعها إدارياً لمحافظة ريف دمشق، في حين يحدها من الشمال «مخيم اليرموك» للاجئين الفلسطينيين وحي «التضامن»، ومن الشمال الشرقي حيا «سيدي مقداد» و«القزاز»، ومن الجنوب منطقة «السيدة زينب»، ومن الشرق غوطة دمشق الشرقية، ومن الغرب ناحية «الحجر الأسود».
وقبل سيطرة الحكومة على «ببيلا» و«يلدا» و«بيت سحم» صيف 2018، من خلال اتفاق «مصالحة» برعاية روسية، أفضى إلى تهجير مقاتلي فصائل المعارضة المسلحة الرافضين للمصالحة وعوائلهم إلى شمال سوريا، بعد سيطرتها على «حجيرة»، شكلت الجهة الشمالية من «يلدا»، تماساً مباشراً مع الحدود الإدارية لمدينة دمشق في «حي التضامن»، الذي كان القسم الشمالي منه تحت سيطرة الحكومة، في حين شكلت أراضي «ببيلا» من الشمال جبهة مع «حي القزاز» الدمشقي الذي كان أيضاً تحت سيطرة الحكومة، ومن الجهة الجنوبية جبهة مع منطقة «السيدة زينب» التي تعدّ من أبرز معقل للميليشيات الإيرانية في سوريا. وبعد اتفاق «المصالحة»، أقامت «الشرطة العسكرية الروسية» مركزاً كبيراً وسط «يلدا»، ويقوم عناصره بتسيير دوريات سيارة بشكل شبه يومي تجوب مختلف الأحياء في «يلدا» و«ببيلا» و«بيت سحم»، على حين باتت «حجيرة» منطقة نفوذ إيرانية.
وفتحت السلطات السورية طريقين للوصول إلى «ببيلا» التي تبعد عن مركز العاصمة نحو 4 كيلومترات؛ الأولى من «حي القزاز»، المشرف على جسر المتحلق الجنوبي والواقع شرق منطقة الزاهرة بنحو واحد كلم، والأخرى من طريق مطار دمشق الدولية عبر قريتي «بيت سحم» و«عقربا»، مع إبقاء الطريق العامة من «ببيلا» إلى منطقة «السيدة زينب» مغلقة أمام المدنيين، حيث تم وضع حاجز للقوى الأمنية السورية على مدخل «حجيرة» الواقعة قبل نحو واحد كيلومتر من «السيدة زينب»، ويتطلب الوصول إلى الأخيرة سلوك طريق مطار دمشق الدولي والدخول في العقدة المؤدية إلى محافظة السويداء. وسبق أن أكد كثير من سكان «ببيلا» و«يلدا» و«بيت سحم»، أن الاستمرار في إغلاق طريق «ببيلا - السيدة زينب»، يمكن أن يكون سببه الصراع الروسي - الإيراني على النفوذ في سوريا، ذلك أنه وفي إطار مساعي إيران لتوسيع نفوذها في سوريا سعت وبشكل كبير إلى مد هذا النفوذ لمناطق ريف دمشق الجنوبي القريبة من «السيدة زينب» وتشكيل «ضاحية جنوبية» في دمشق شبيهة بتلك التي شكلتها في جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، وفي المقابل سعت روسيا وبكل قوتها إلى عدم السماح بذلك، ورعت اتفاق المصالحة في بلدات وقرى ريف دمشق الجنوبية، وهي تقوم بالإشراف على تنفيذه ومراقبته من خلال المركز الذي أقامته في «يلدا» لشرطتها العسكرية، «وبالتالي من هنا ربما يأتي الاستمرار في إغلاق طريق (ببيلا - السيدة زينب)».
وفي إطار توسيع نفوذها، أقام ما يسمى بـ«المركز الثقافي الإيراني» قبل أيام عدة احتفالاً في حديقة كراميش في منطقة «حويجة صكر» بمحافظة دير الزور شرقي البلاد، بعدما كشفت مصادر إعلامية محلية عن منح الحكومة السورية عقداً لإيران يقضي باستثمار مناطق عدة معظمها حدائق المحافظة لمدة 100 عام، وذلك وفق ما ذكر موقع «شبكة شام».
وقبل أسابيع نظمت ميليشيات إيران المنتشرة في محافظة دير الزور رحلة بغطاء «ترفيهي» استهدفت طلاب المدارس من الأطفال، وذلك في إطار سياساتها التي تقوم على نشر أفكارها ومعتقداتها في مناطق نفوذها.
وتواصل إيران نشاطاتها التي تهدف إلى فرض نفوذها على مناطق التي باتت تسيطر في دمشق وريفها وحلب ودير الزور.



«الصليب الأحمر»: الوضع في غزة مروّع... ولن نكون بديلاً لـ«أونروا»

حثّّت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لاعتماد قواعد ملزمة قانوناً بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل (الصليب الأحمر)
حثّّت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لاعتماد قواعد ملزمة قانوناً بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل (الصليب الأحمر)
TT

«الصليب الأحمر»: الوضع في غزة مروّع... ولن نكون بديلاً لـ«أونروا»

حثّّت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لاعتماد قواعد ملزمة قانوناً بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل (الصليب الأحمر)
حثّّت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي لاعتماد قواعد ملزمة قانوناً بشأن منظومات الأسلحة ذاتية التشغيل (الصليب الأحمر)

وصفت ميريانا سبولياريتش، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في حوار شامل مع «الشرق الأوسط»، الوضع الإنساني في غزة بأنه «مروّع»، وأشارت إلى أن الأولوية في سوريا تتركز على تلبية احتياجات عشرات الآلاف من العائلات التي لا تزال تبحث عن أحبائها المفقودين.

وأكدت سبولياريتش أن السعودية تُعدّ مساهماً رئيساً في مجال المساعدات الإنسانية، مشيرة إلى أن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتلقى دعماً مهماً من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لجهودها في الشرق الأوسط والسودان، هذا التمويل يُمكّن فرقنا الميدانية من تقديم مساعدات إنسانية تنقذ الأرواح».

ميريانا سبولياريتش خلال استقبال وزير الخارجية السعودي لها في الرياض نوفمبر الماضي (الصليب الأحمر)

وقالت: «اختتمت زيارة مثمرة إلى المملكة استمرت لمدة يومين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وشكلت هذه الزيارة فرصة قيّمة للتأكيد على أهمية العمل الإنساني وتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني؛ بهدف تخفيف المعاناة في مناطق النزاعات حول العالم، بالإضافة إلى ذلك، انضمت المملكة إلى مبادرة أطلقتها اللجنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، تهدف إلى حشد الدعم السياسي للقانون الدولي الإنساني، ونأمل أن تشكل مشاركتها مصدر إلهام للدول الأخرى للانضمام والمساهمة في هذه المبادرة».

تحديات القانون الدولي الإنساني

رأت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن القانون الدولي الإنساني يواجه تحديات كبيرة، ويجب على العالم أن يؤكد على وجه السرعة التزامه بهذا الإطار الحيوي الوقائي للنزاعات المسلحة الذي يهدف إلى إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة، ومع ذلك، فإن تحويل هذه القوانين إجراءات ذات مغزى يتطلب التزاماً سياسياً متجدداً، على حد تعبيرها.

تقول سبولياريتش إن النزاعات والصدمات المناخية المتكررة تركت الكثير من المجتمعات عالقة في صراع مستمر من أجل البقاء (الصليب الأحمر)

وقالت: «لهذا السبب؛ أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتعاون مع البرازيل والصين وفرنسا والأردن وكازاخستان وجنوب أفريقيا، مبادرة عالمية في سبتمبر (أيلول) تهدف إلى تعزيز تنفيذ القانون الدولي الإنساني، وكما أسلفت انضمت السعودية مؤخراً إلى المبادرة، ونحن نقدّر بشدة دعمها».

ولفتت إلى أن «صوت السعودية مهم في تعزيز دعم القانون الدولي الإنساني، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال استضافة المملكة (إعلان جدة) بشأن أزمة السودان، وهي مبادرة مهمة تهدف إلى تشجيع أطراف النزاع على التمسك بالقانون الدولي الإنساني».

أضافت: «لا يتعلق الأمر بإنشاء قواعد جديدة، لكن إظهار كيف يمكن تطبيق القواعد الحالية بشكل أكثر فاعلية لتلبية متطلبات النزاعات المعقدة اليوم، نريد أن نعمل بشكل جماعي لإيجاد حلول عملية للقضايا الملحة مثل حماية المدنيين، والبنية التحتية الأساسية، ومعالجة الآثار الإنسانية للتقنيات الناشئة في الحرب، التي ترمي في جوهرها إلى رأب الانقسامات في عالم يشهد انقساماً متزايداً وإيجاد أرضية مشتركة للحفاظ على البشرية في الحروب».

فلسطينيان يتفقدان الأضرار في موقع غارة إسرائيلية بدير البلح وسط قطاع غزة (رويترز)

الوضع في غزة مروع

وصفت سبولياريتش الحالة الإنسانية في غزة بأنها لا تطاق، وقالت: «شهدنا الخسائر البشرية الفادحة العام الماضي من النزاع في غزة، حيث تمزقت العائلات، وتحطمت الأرواح، ودُمرت البنية التحتية الحيوية، كما أن نظام الرعاية الصحية يقترب من الانهيار».

وحثت جميع الأطراف على التمسك بالقانون الدولي الإنساني، من خلال حماية المدنيين والبنية التحتية الحيوية وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون عوائق، ويجب على الدول ألا تقبل التفسيرات المتساهلة للقانون الدولي الإنساني التي تهدد بإعاقة فاعليته بصفته قوة وقائية في النزاعات المسلحة.

وقالت: «يجب أن نتذكر أيضاً العائلات التي انفصلت عن أحبائها أو تبحث عن أولئك الذين ما زالوا في عِداد المفقودين، لقد مرّ أكثر من 400 يوم منذ تمزُّق العائلات واحتجاز الرهائن، وقد دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر باستمرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن، على النحو المطلوب بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب السماح لنا بزيارة المحتجزين بصفتهم رهائن، والتحقق من سلامتهم، وإعادة ربطهم بعائلاتهم، وفي حين أن عملنا في هذا المجال قد لا يكون مرئياً دائماً، فإننا لا نزال ثابتين في جهودنا».

ودعت الدول وأطراف النزاع المعنية إلى بذل «جهود دبلوماسية حازمة لدعم سلامة المدنيين وكرامتهم، وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، وتأمين الإفراج الآمن عن جميع الرهائن. كل هذا مكرَّس في القانون الدولي الإنساني، وإذا تم التمسك به، يمكن أن ينقذ الأرواح ويمهد الطريق لخفض التصعيد والسلام الذي تحتاج إليه هذه المنطقة بشكل عاجل».

موظف تابع لمنظمة «أونروا» أثناء توزيع ملابس شتوية في خانس يونس (أونروا)

لن نكون بديلاً لـ«أونروا»

شددت سبولياريتش على أنه «ليس لدى اللجنة الدولية أي نية لتحل محل (أونروا)، ولا يمكننا ذلك، أدوارنا متمايزة، تركز اللجنة الدولية على توفير الحماية والمساعدة لضحايا النزاع بناء على الاحتياجات الإنسانية فقط، وفي حين تعمل بطريقة تكاملية في الكثير من مجالات الاستجابة الإنسانية، فإن المنظمة الوحيدة القادرة على أداء عمل (أونروا) هي (أونروا) نفسها».

وقالت: «الحالة الإنسانية في غزة مروّعة، ولا تزال الأعمال العدائية مستمرة، ولا تصل المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، النظام الحالي بالفعل لا يستطيع ببساطة تلبية النطاق الهائل للاحتياجات، ولا يستطيع المدنيون تحمل تكاليف تخفيض الخدمات التي ما زالوا يتلقونها، وفي هذه الحالة الكارثية أصلاً، يعدّ تجنب المزيد من الاضطرابات في المساعدة الإنسانية أمراً بالغ الأهمية».

صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

الأولوية في سوريا

قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن سوريا: «في هذه اللحظة الانتقالية، من الأهمية بمكان التمسك بالقانون الدولي الإنساني حتى تتم حماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، والحفاظ على الإنسانية، وهذا يساعد على إرساء الأساس للسلام والاستقرار اللذين يحتاج إليهما السوريون ويستحقونهما».

أضافت: «من الأهمية بمكان أيضاً إعطاء الأولوية لاحتياجات عشرات الآلاف من العائلات التي تبحث عن أحبائها المفقودين، يجب الحفاظ على أي سجلات يمكن أن تحتوي على معلومات حول مصير ومكان وجود المفقودين وحماية المقابر.

وأوضحت أنه منذ بداية النزاع، سجلت اللجنة الدولية، بالتعاون مع «شركائنا» في جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، 35 ألف حالة لأشخاص فُقدوا في سوريا، نحن نعلم أن الأرقام من المحتمل أن تكون أكبر بكثير. يعدّ حل حالات المفقودين أمراً معقداً وقد يستغرق سنوات في كثير من الأحيان، لكننا ملتزمون بدعم العائلات في بحثهم عن إجابات.