عريضة برلمانية تونسية لسحب الثقة من الغنوشي

اتجاه الرئيس سعيد لـ«التراجع» عن موقفه الرافض للتعديل الوزاري

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
TT

عريضة برلمانية تونسية لسحب الثقة من الغنوشي

الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيد (رويترز)

تونس: المنجي السعيداني

وقّع 76 نائبا على لائحة سحب الثقة من راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة الإسلامية، وينتمي النواب الموقعون على اللائحة لعدة كتل برلمانية وازنة في المشهد السياسي التونسي، من بينها «كتلة الإصلاح الوطني»، وحزب «التيار الديمقراطي» و«حركة الشعب» وحزب «قلب تونس»، إضافة إلى 13 توقيعا من نواب غير منتمين لكتل برلمانية.
ويتوقع أن يصل عدد التوقيعات التي سيتم جمعها اليوم (الخميس) إلى 76 توقيعا، وهو عدد كاف للبدء في إجراءات سحب الثقة من رئيس البرلمان، حيث إن القانون يفرض جمع 73 توقيعا على الأقل لعرض لائحة سحب الثقة على البرلمان في جلسة عامة، ويتطلب الأمر لتحقيق ذلك توقيع أغلبية مكونة من 109 أصوات لصالح سحب الثقة حتى يصبح نافذ المفعول.
في غضون ذلك، اجتمع الرئيس قيس سعيد، أمس، بعشرة نواب من البرلمان، يمثلون معظم الاتجاهات السياسية الممثلة في مجلس الشعب، وذلك في خطوة اعتبرها بعض المراقبين «تراجعا» عن موقفه الرافض للتعديل الوزاري، وبحثا عن مخرج للأزمة الدستورية التي دخلت أسبوعها الثالث.
وضمت قائمة النواب، الذين التقاهم الرئيس سعيد، نائبين عن كل اتجاه سياسي، وشهد اللقاء مشاركة حركة النهضة وحركة «تحيا تونس»، وحزب «التيار الديمقراطي» وحركة «الشعب»، إلى جانب ممثلين اثنين للنواب غير المنتمين لكتل برلمانية.
ويأتي هذا الاجتماع بعد أيام من اختيار سعيد النزول إلى الشارع لإثبات أنه «رئيس كل التونسيين ولا يخشى مواجهة الشعب». فبعد جولته في منطقة المنيهلة، مقر سكناه الأصلي، ثم شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، قام أول من أمس بجولة في الحي الأولمبي بالمنزه، وفي عدد من الأسواق بمدينة أريانة القريبة من العاصمة، في محاولة للتأثير على الشارع، واستعادة شعبيته التي تراجعت قليلا إثر حادثة «الظرف المسموم».
ويرى مراقبون أن قبول رئيس الجمهورية بعقد اجتماع مع عدد من نواب البرلمان، قد يكون إشارة منه إلى قبول مبدأ التفاوض والتنازل المشترك، والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي، ينهي الأزمة الدستورية.
وكان عياض اللومي، القيادي في حزب «قلب تونس» الداعم لحكومة هشام المشيشي، قد دعا إلى الشروع في إجراءات عزل رئيس الجمهورية لاتهامه بـ«الخرق الجسيم للدستور بسبب عدم دعوته الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه».
وقال اللومي إن الرئيس سعيّد «افتعل الأزمة الدستورية الحالية في حركة شعبوية، غرضها جلب انتباه الناخبين بعد تدهور شعبيته لدى التونسيين في النتائج الأخيرة، التي كشفت عنها استطلاعات الرأي». مضيفاً أن سعيّد «عطّل مؤسسات الدولة، ولم يحترم مقتضيات الدستور من خلال عدم تفعيله لإجراء دستوري، هو المكلف لوحيد بتنفيذه، ولذلك بات من الضروري الشروع في إجراءات إعفائه من مهامه»، على حد تعبيره.
وفي سياق البحث عن مخرج لأزمة اليمين الدستورية، عقد رئيس الحكومة أمس اجتماعا مع عدد من خبراء وأساتذة القانون، بهدف الاستئناس بآرائهم حول الإشكال الدستوري والقانوني المطروح بخصوص التعديل الوزاري، ورفض رئيس الجمهورية قبول أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد.
وكان المشيشي قد طلب استشارة المحكمة الإدارية، وهو ما أسهم، وفق مراقبين، في تعميق الأزمة واستفحال الخلاف العميق بين رأسي السلطة التنفيذية، فيما تسعى قيادات الأحزاب البرلمانية الداعمة لرئيس الحكومة إلى تعبئة حلفاء من خارج الحزام البرلماني، في محاولة منها لكسب ود الشارع على غرار ما يفعله الرئيس سعيد.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.